#كبرياء_الفراشة
الفصل الثامن :
وصلت هبة إلى مطار برج العرب، و كان عبد الله في انتظارها بناءً على طلب والدته، التي ظلت تضغط عليه حتى يقوم بتلك المهمة الثقيلة...كما انه لا يريد هبة أن تشعر بالأحراج، فمنذ أخر مرة تقابلا من سنوات، و لم تعد علاقتهما مثل سابق...فإنقطع بينهما السؤال نهائياً!
تهادت هبة بفستانها الأبيض الطويل، و تلك الورود الحمراء التي تزين ذيله...و شعرها الأسود الطويل ينساب خلفها بنعومة، ترتدي نظرات الشمس السوداء فوق عيناها...تركز على نقطة أمامها غير مبالية بما يدور حولها، و لا نظرات الإعجاب التى رافقتها، حتى وصلت لمكان وقوف عبدالله ينتظرها...نظرت له بإبتسامة هادئة، قبل أن تقترب منه، و تمد يدها بمصافحة.
- هبة...آهلاً بيكِ نورتي مصر، خالتو عاملة ايه؟ و عمي مجدي صحته ازيها؟
- الحمد لله يا عبده، احنا كلنا بخير يا سيدي...و مصر منورة بإلي فيها، خالتو وحشاني موت، و كمان متشوقة أقابل مراتك جداً.
قالتها هبة و هي تسير بمحاذاة عبد الله، و بوجه متحمس و نبرة متلهفة...ليقطب عبد الله، ثم يشير لها على مكان سيارته، التي سارعا بالإحتماء بها من حرارة الشمس المرتفعة، في هذا الوقت من النهار.
- تعالي، اهي العربية...علشان أوصلك لخالتك، تلاقيها مستنياكي على الباب من فرحتها بيكي.بمنزل فادية والدة عبدالله...
جلست إيثار كالعادة بغرفتها، في إنتظار زوجها...لقد تأخر اليوم في العودة من عمله، و كلما هاتفته، تجد هاتفه مغلق!
تزفر إيثار بقوة ،و هي تضع الهاتف على المنضدة أمامها...و تظل تفكر في زوجها، و ماذا قد يحدث و يجعله يغلق هاتفه هكذا؟ و لماذا تأخر في العمل دون أن يتصل بها و يخبرها!
ظل عقلها مشغول، و تمكن منها القلق... فمنذ عودتها من منزل والداها، منذ عدة أيام و هي لم تكرر الزيارة مجدداً...فيكفي إحراجها في ذلك اليوم عن أي زيارة قريبة، كما أن عدم رؤيتها لأخواتها جعلتها تفقد شئ صغير، لم تكد تشعر به سوى الأن...و هو السند، الملجأ!
عبدالله يكفيها بالتأكيد، لكن إخواتها قد شغلوا حيز كبير بحياتها صعب أن يفرغ هكذا فجأة.. ليأتيها خاطر أزعجها...هل انتهت مهمتها هكذا اتجاه إخواتها؟...هل تنأى بنفسها و تبتعد بعيداً عن حياتهما الذي إختارها؟ هل ستستطيع أن لا تفكر بهما؟ فهما كأطفالها...كيف تترك أطفالها ما أن يشبان قليلاً، و لا تهنئ برؤية حلم والدها يتمثل أمام أعينها و قريباً منها!عندما كانت إيثار مستغرقة بأفكارها، فإذا بها تسمع أصوات مرتفعة بالخارج...و صوت عبدالله إحداهم بالتأكيد!
تقطب إيثار بحيرة ،ثم إقتربت من الباب ببطء علها تلتقط أي شئ من الذي يدور بالأسفل يطمئنها.
تنهى لسمعها صوت ضحكات أنثوية مرتفعة، يليه صوت ضحكات رجولية تعرفها، بل تحفظها عن ظهر قلب...ينقبض قلبها بألم غريب لم تعلم له سبب و لا تفسير، لكنها لم تمهل عقلها في التفكير كثيراً في مسمى ذلك الألم الغادر...بل إلتقطت حجابها، و إرتدته على عجل، ثم ولجت من الغرفة تتبع الأصوات القادمة من غرفة الجلوس...دلفت للغرفة ببطء، ليطالعها ثلاث وجوه، اثنان منهم مبتسمان...و الثالث امتعض ضيقاً ما أن رأتها كعادتها!
- السلام عليكم...أنا أسفة، بس كنت قلقانة عليك جداً يا عبدالله لما أتأخرت.
هم عبدالله بالرد، لتقاطعه فادية التي نظرت لإيثار بضيق.
- ياختي إهدي على عبدالله شوية، محسساني ليه دايماً انه ابنك و تايه منك...بلاش تخنقيه كدة، ايه يعني اتأخر شوية، هو أنتي هتتحكمي فيه يروح فين و امتى!
نظرت لها إيثار بصدمة استغرقت لحظات، بسبب هجوم حماتها الغير مبرر أمام هبة..التي تنظر لها بإشفاق مصطنع تعرفه، حاولت أن تحافظ على ملامح وجهها ثابتة...لكن تغلب بالنهاية شعورها بالإحراج، المصاحب لألم لم يكد يترك قلبها...ليجثم فوق صدرها، حاجزاً أنفاسها بصدرها.
- ايه يا أمي..في ايه؟مراتي مغلتطش، و مش كل ما هتنطق هتتعاملي معاها كدة..أنا مش هسمح لأي مخلوق يعامل مراتي بالشكل ده.
ذهب عبدالله نحو زوجته، مصطحباً إياها لغرفتهما بالداخل...دون أن ترحب إيثار بإبنة خالته، لكن أسلوب والدته مع إيثار جعله يجن، فكما أوجعتها كلماتها...أوجعته مثلها تماماً، دلف عبدالله للغرفة، و إيثار معه ثم غلق الباب خلفهما بقوة بفعل غضبه الشديد.
تقترب إيثار منه، ثم ترفع يدها تربت على وجنته بنعومة...ليقبض عبدالله على كفها، ملثماً إياه بحب، و عيناه لم تحيد عن عيناها للحظة واحدة.
- عبدالله...بلاش تزعل من مامتك، أنت عارف طريقتها معايا ، أنا كمان زودتها...بس من قلقي عليك، فضلت اتصل كتير مقفول، و معاد رجوعك فات.
- معلش يا حبيبتي سامحيني، التليفون فصل و أنا بكلم ماما...طلبت مني أفوت أجيب هبة من المطار، و أنتِ عارفة الطريق بقي للمطار رايح جاي عامل إزاي.
نظرت له إيثار بصمت للحظات، قبل أن تمتلئ عيناها بالعبرات...لتلقي نفسها بين ذراعين زوجها اللتي استقبالاها مرحبتان.
- متقلقنيش عليك كدة تاني يا عبد الله، علشان خطري يا حبيبي.
- حاضر يا حبيبتي،خلاص حقك عليا متزعليش نفسك، أنتِ عارفة مبقدرش أشوفك بتبكي.
ابتسمت إيثار من وسط بكائها، ثم رفعت يدها تمحي عبراتها التى خذلتها لثاني مرة اليوم...فتعصي أمر إرادتها، و تنفلت مرة أمام حماتها ...و الأخرى الأن، لا تعرف لما أصبحت هكذا؟ دائما الرثاء لحالها!
يبعدها عبدالله قليلاً، حتى ينظر لعيناها التي تخبره الكثير مما تخبئه داخلها...لماذا أنتِ هكذا يا إيثار؟
" مثل الفراشة تنشرين البهجة و الحب بكل مكان تحطِ به، تلونين الحياة بألوان حبك الزاهية...تخترقين الحزن بتفائلك الوردي المنعش، ثم تضعين لمساتك المبهجة على كل ما تلمسينه، و تحتفظين بالأسى لنفسك!
فما بين كل عطائاتك، تنسين نفسك...و ينسي الجميع أن للفراشة كبرياء، يمكن أن تحرق نفسها لو هُدر خطأً. "
- مالك يا إيثو؟ أنتِ زعلتي من ماما صح؟..أنتِ عارفة انك لو طلبتي مني ننقل لشقة تانية أنا مش هرفض.
تنهدت إيثار ببطء،تخرج شئ مما يعتمل بداخلها.
- عارفة يا حبيبي...بس أنا عمري ما هطلب منك كدة، عبدالله طنط مالهاش غيرك في الدنيا...و أنا مقدرة موقفها مني.
ينظر لها عبدالله بعشق جارف، و عيناه تطوف فوق ملامح وجهها تختذل كل تفصيلة صغيرة.
- مش عارف يا إيثو هيفضل حبك يزيد جوايا لحد ما يروح فين!...بس إلى أعرفه انك ملكتي حتى النفس إلى بيتردد في صدري.
نظرت له إيثار بإبتسامة سعيدة منتشية بفضل كلمات حبيبها التي لاقت صداها بداخلها.
و فجأة تتحول نظراتها لأخرى حائرة، و تنطفئ ابتسامتها تدريجياً.
- ألا قولي يا عبد الله...ايه سبب زيارة هبة المفاجأة؟ إلى أعرفه انها مجتش مصر من سنين، و ليه طنط انتصار مامتها مجتش معاها يعني؟
زفر عبدالله بضيق، قبل أن يجيبها بحيرة مماثلة.
- و الله ما عارف يا إيثو...أنا كمان أستغربت وصولها في الوقت ده بالذات، بس لما سألت ماما فتحتلي محضر، و طلعت مش عاوز بنت اختها تزورها في بيتها!
نظر لملامحها التي تحولت للضيق، و ذلك التوتر المسيطر على نظراتها.
- عبدالله...أنا مش برتاح للبنت دي، من أول مرة شوفتها زمان وقت الخطوبة، و أنا بحسها بتبصلك بطريقة كدة.
ابتسم عبدالله بتسلية، ثم غمز لها بإحدى عيناه.
- بتبصلي إزاي؟ زي ما انتي بتبصيلي كدة؟
يحمر وجه إيثار، لكن ليس خجلاً يل غضباً و حنقناً.
- أنت بتهزر يا عبدالله؟...ده رد فعلك للي بحكيهولك؟...و الله أنا مش بكبر الموضوع بس أنت مش بتشوفها و هي بتبصلك بدون ما تحس، أنا لاحظتها انهاردة.
يتنهد عبدالله بهدوء، قبل أن يمد يده يحيط خصرها بيذراعيه مقربها منه أكثر.
- عارف يا إيثو عارف...المهم بقى لسة في شوية مراجعات عاوزين نعيدهم، أنتِ عارفة التكرار ينجح الشُطار!
كادت إيثار أن تعترض، و أن تسأله كيف يعلم و ماذا يعلم بالضبط...لكن عبدالله سبقها و اختطف قُبلة عاطفية عميقة، متطلبة ستجرفهم بأمواج عواطفهم العاتية...فتلقيهم معاً متحدان قلبان و جسدان.بعد عدة أيام، في منزل والد إيثار...
جلس عم صالح و بجواره ابنه سيف، و بالإضافة لإيثار و حازم و ريهام و عبدالله، وجميلة انتظرت بالداخل كما اتفق، بخجل فطري وجد بداخل كل فتاة.
كان عبدالله، و سيف، و حازم يشتركون معاً في حديث خاص بالرجال...و اشترك صالح و إيثار في حديث لطيف، يستعيدان ذكريات والدها التي لم تدفن معه، بل بقيت بقلوب كل من يعرفه.
أما ريهام فقد تولت تحضير المشروبات و ضايفت كل الموجودون...كانت تشعر بالضيق، فهي من أصرت على ألا يتدخل أحد غيرها في أمور بيتها..و الأن فقط شعرت بالضيق، فالجميع يجلس براحة و هي وحدها من تولت تجهيز كل شئ، وفقاً لرغبتها!
صمت الجميع عندما اعتدل عم صالح، ثم بدأ كلامه بالرحمة على والدهم المرحوم.
- بص يا حازم يا بني، أنت الراجل طبعاً و على رأسي، بس أنا شايف أن الموضوع ده أحق واحدة نطلبه منها هي إيثار..و ده مش تقليل منك يابني، بس أنت أكيد هتوافقني في رأي.
ابتسم حازم بتقبل، و أومأ برأسه برضى و فخر بأخته التي لا يستطيع انكار حقها مهما كان.
- أنا معاك برضه يا حج صالح.
- تمام أوي، بصي يا بنتي أنتِ تعرفينا و احنا نعرفكم، و نعم المعرفة طبعاً، و دلوقت حبين نبقي قرايب و ننسبكم كمان، في بنتنا جميلة.
ابتسمت إيثار بسعادة، ثم نظرت لحازم تشاركه سعادتها، التى قابلها هو بمثيلها..قبل أن يشير لها بعيناه أن تنتبه للرجل بجانبها، فتزداد ابتسامتها اتساعاً قبل أن تلتفت موجهة نظرها لعم صالح.
- ده شرف لينا نسبك يا عم صالح، و سيف شاب ممتاز و نعم التربية، و كفاية انك والده، جميلة بنتك و لو هي وافقت يبقى على خيرة الله.
بعد قليل دلفت جميلة تتهادى بفستان بسيط باللون الوردي، سألتها إيثار عن رأيها..و وافقت بخجل و عمت السعادة على وجوه الجميع بعد أن قُرأت الفاتحة،و حدد يوم الخطوبة بعد شهر واحد من الأن..الوقت ضيق و التحضيرات كثيرة،إيثار كانت متفرغة تماماً للتحضير لذلك اليوم المميز..فصغيرتها، ستصبح عروس و يجب أن يصبح كل شئ مثالي.
في الأيام الفارقة ليوم الخطوبة، كانت إيثار مشغولة كثيراً عن عبدالله،و قد بدأت حماتها بتنفيذ مخططها الخبيث،و بدأت هبة تقربها المدروس لعبدالله !
يتبع...
فوت و كومنت برأيك بقى😊
أنت تقرأ
كبرياء الفراشة (إيثار)🌹 سمر خالد (مـكتــملة)
Romanceالملخص : احببتك حتى فاض الحب بما يكفي لأنتظر، و ما كان حبك وهمًا لأنكسر... بل كان أسمى من أن يندثر، فـ سكن القلب بالصبر ممنيًا، بذكر الحبيبة الوافية بالوعود القاسية... فالبعد صار محتمًا، و القلب ينعي باكيًا حبًا يحتضر. فرضيت بالقدر العنيد مراقبًا ال...