الفصل الثاني

593 54 142
                                    

*شغل الموسيقى*

لطالما أزعجني اهتمام الناس المبالغ فيه بحيواتهم السابقة...

تراه رجلا خمسينيا بكرش كبير و رأس أصلع، حياة اجتماعية شبه موجودة و أسرة متداعية تماما... إلا أنه يتفاخر بكونه امبراطورا عظيما في حياته السابقة... و كأن ذلك سيفيده الآن! هذا إن كان كلامه صادقا أصلا!

أصبحت أرى الجميع يتسابقون في نسج قصص تعظم من ذواتهم السابقة متناسين أن أمامهم حياة يعيشونها...

لذلك قطعت وعدا على نفسي أنني لن أغدو مثلهم البتة... ما حدث في الماضي قد حدث، و لا جدوى من البكاء على حليب قد انسكب!

توقفت الحافلة التي كنت بداخلها ليبدأ ركابها بالاستقامة من أماكنهم... بعضهم يدردشون بهدوء، و آخرون يضحكون بصوت عالٍ، و أنا و اللعنة لا أعلم من أين يحظون بهذا الكم الهائل من الطاقة في هذا الصباح الباكر...

كنت آخر شخص يترجل عن الحافلة، و بهدوء أخذت أخطو نحو ثانويتي...

سرعان ما بدأت المسننات في دماغي بالدوران، منتجة بذلك عديدا من الأفكار التي لا لزوم لها...

قد مضت بالفعل ثلاثة أيام منذ تلك الحادثة في ذلك المقهى، مع صاحب الجديلتين.

ذلك الفتى... ما قصته؟

مألوف جدا، أكاد أقسم أنني أحسست بسعادة و شوق كبيرين عند رؤيته قبل أن تباغتني نوبة الهلع تلك...

زادت سرعة دوران المسننات في دماغي، و لأول مرة أحسست أن دورانها عاد علي بفائدة!

تفسير وحيد بدا منطقيا كفاية لي، لكنني احتجت نصيحة خبير لأتأكد من صحته، نصيحة من شخص أكبر مني...

"ابتعد عن طريقي يا شبيه الفتيات!"

دفعني أحدهم بعد أن ألقى تلك الكلمات علي لأعود إلى أرض الواقع. لم أعِ متى حدث ذلك، أو كيف حدث أصلا، لكنني كنت بالفعل واقفا أمام مدخل صفي، و قليل الأدب ذاك لم يكن سوا زميل لي...

تنهدت بحنق دافعا بخطواتي إلى الداخل... كل ما قابلني كان الضجيج الصادر عن دردشات الطلاب، و الذي توقف مؤقتا ما إن دخلت...

تسللت إلى مسامعي أصوات ضحكات مكتومة، تبعتها نظرات تفحصية قابلتها ببرودي المعتاد...

Our Safe Dystopiaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن