الفصل الأول

185 8 2
                                    

في غرفتها التي تشكل عالمها الخاص تجلس حسناء... فتاة على مشارف العشرين خمرية اللون... ممشوقة القوام.. بها من الهدوء وسكون الروح ما يأسر قلوب الجميع رغم ملامحها الاعتيادية فهي ليست بالجميلة الخاطفة للأنظار ولا بالدمية المتفرِّدة...

تحمل ذلك القلم الذي لطالما تحمَّل الكثير من كتاباتها الكئيبة وتعثَّر معها حينًا وساندها حينًا آخر..

تسترجع ذكريات طفولتها وتتذكر أدقَّ التفاصيل والأحداث وتسردها في دفترها الخاص الذي لا يعلم به أحد سوى الله...

قطعت أمُّها حبل أفكارها بندائها وأُجبرت على مسح ما تناثر من دموعٍ على وجنتيها:

- حسناء قومي روقي الشقة وابدأي جهزي الغدا عشان قرايبك اللى جايين

وبسرعةٍ خبأت دفترها وسط كتبها الدراسية كما خبأت أوجاعها بين ثنايا قلبها...

+ حاضر يا ماما... اقعدي انتي وأنا هعمل

بدأت بإعداد الطعام بسهولةٍ كالمحترفة.. فهي تتقن فن الطبخ وتعشق التنقل بين الوصفات لتقدم لأهلها طعامًا شهيًا يُدخل السرور على قلوبهم...

واعتادت على الذكر والاستغفار مؤمنةً أنَّهما سر نجاح كل ما تفعل ...

تنتفض فجأةً قائلة:

+ بسم الله الرحمن الرحيم.. حرام عليك يا عمر..

فتتعالى ضحكات عمر قائلًا:

= كل مرة تتخضي نفس الخضة، ايه يا بت إمسكي نفسك شوية أومال لو مكنتش أخوكي وعارفة كل حركاتي كنتي عملتي ايه.

+ طب يلا امشي من هنا نسيتني كنت واقفة عند رقم كام

ردَّ عمر بسخرية:

= رقم كام؟ انتي بتحفظي جدول الضرب ولا ايه.. ااه صح ما انتي هتبقي مُدرِّسة حساب بقا.. عليه العوض ومنه العوض

نظرَت حسناء إليه نظرة شَزِرة قائلةً:

+ لا يا جاهل مش جدول الضرب.. أنا بحسب عدد الاستغفار

= طب ياختي خلصينا أنا جعان..

+ طيب صلى العصر الأول على ما أحطلك تاكل

= اه نفس الأسطوانة صلى والصلاة هتخرج عن وقتها ومش هتبطلي الوعظ بتاعك ومش هخلص معاكي

+ أنا بوعظ؟ حرام عليك يعنى الحق عليا إني بذكرك بصلاتك وبربنا اللى انت مقصر في حقه؟

فيرد بضجر:

= يووه أنا خارج..

+ يا رب اهدي عمر واشرح صدره لطريقك.. قالتها حسناء بحزن يخالج صدرها فهي تحب أخاها لكن كل محاولاتها معه باءت بالفشل..


✽ ✽ ✽


على الجانب الآخر تضع سمر لمساتها الأخيرة من أحدث صيحات أدوات التجميل وتتجهَّز لتذهب عند عمها.. والجدير بالذكر أنَّها تحقد وتغار من ابنة عمها حسناء رغم أنها تتفوق عليها جمالًا ومالًا ودلالًا.. لكنها ترى حب الجميع لحسناء.. وتحاول أن تُخفي مشاعر الحقد ببعض الابتسامات الصفراء.. ولطالما أحسَّت حسناء بما تُكنُّه سمر نحوها لكنها كانت تدعو الله أنْ يَنزع ما في قلبها من غلّ....

كالونِّي | Καλλονήحيث تعيش القصص. اكتشف الآن