الفصل الثالث

72 6 0
                                    

طرقت حسناء الباب واستقبلتها والدة عائشة قائلةً:

- اتفضلي يا بنتي.. الله يبارك لك شوفي مالها.. قافلة على نفسها ومش عاوزة تكلم حد من صباحية ربنا

+ حاضر يا طنط..

أذِنَت والدة عائشة لحسناء بدخول الغرفة فوجدتها في آخر زاويةٍ من السرير واضعةً رأسها بين ركبتيها وذراعاها مُلتفَّان حولهما وتنتفض ويتعالى نحيب بكائها... فهرولت إليها وضمَّتها لصدرها

+ ايه يا حبيبتي فيه ايه مالك.. استهدي بالله أنا معاكي أهو

ظلَّت عائشة بين أحضان حسناء لأكثر من عشر دقائق وبكاؤها بين الزيادة والنقصان.. وكأنها تتذكر شيئًا يزيده ثم تحاول أن تَهدأ فيقل..

استدارت حسناء فوجدت كوبًا من الماء قرَّبته منها

+ خدي يا حبيبتي اشربي

شربت عائشة وكأنها لم تذق طعم الماء منذ أيام.. ثم مسحَت حسناء دموعها برفق وحاولت أن تلاطفها قائلةً:

+ عجابك كدة النقاب والخمار بقوا كلهم دموع اهو.. هخرج ازاي أنا دلوقتي؟

فابتسمت عائشة ابتسامةً منكسرةً ولم ترد..

+ ها بقا احكيلي براحة كدة فيكي ايه.. من غير عياط بالله عليكي وإن شاء الله نوصل لحل سوا

تنهَّدت عائشة تنهيدةً تُفصح عمَّا أَوغر صدرها وقالت بصوتٍ متهدِّجٍ:

= بقالي أكتر من أسبوع إحساس الموت بيطاردني في كل حاجة بعملها.. مش عارفة أركز في أي حاجة.. حاسة إن كل ثانية بتفوت عليا إشارة ونذير ليا إني هبقا لوحدي.. لوحدي في القبر اللي مش عارفة شكلي فيه هيبقا عامل ازاي..

هبقا من الوجوه الناضرة ولا لأ.. وايه اللي عملته في حياتي أصلا يستحق اني أدخل الجنة.. طب أنا ضعيفة مش بستحمل أشرب كوباية شاي سخنة هستحمل نار وعذاب ازاي!. كل ذنوبي وزلاَّتي بتمر قصاد عيني كل لحظة..

يا تري التوبة بتاعتي كانت نصوحة ولا متقبلتش.. الصلاة اللي بصليها كل يوم دي بتترفع لربنا وتتقبل ولا أنا مش من المقبولين.. طب لما ربنا يسألني عن شبابي اللي ضيعته هجاوب ازاي..

طب يا ترى هموت على معصية ولا على طاعة! ما انا حياتي بين الإتنين ومضمنش نهايتي هتكون على أي حال فيهم!!

ردي عليا يا حسناء أعمل ايه؟ تعبت بجد مبقيتش قادرة أستحمل الإحساس ده.. إحساس وَحشة القبر محاوطني وأنا عايشة..

امتلأت عينا حسناء بالدموع ولكنَّها حاولَت التماسك.. لا ينبغي أبدًا أن تزيد من أوجاع رفيقة دربها فهي أيضًا تحمل بعض المخاوف من الموت والقبر.. فأمسكت بيد عائشة وقبَّلت رأسها وقالت:

+ عارفة فيه رجل أعرابي سأل ابن عباس وقال له: من يحاسب الناس يوم القيامة؟. فقال له: الله... فالراجل قاله: نجونا وَرَبِّ الكعبة

كالونِّي | Καλλονήحيث تعيش القصص. اكتشف الآن