الفصل السادس عشر

138 3 0
                                    

اللهم أدخلني مدخل صدق , وأخرجني مخرج صدق
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله
لا إله إلا الله

______

الماضي …

لا تدرِ رؤى كيف انتهى يومها بالأمس , ولا تعلم كيف نامت .
أمسكت نفسها بقدر المستطاع , ولم تبكِ على الإطلاق .
حتى نامت وراحت في سبات عميق , استيقظت منه برأس ثقيل .. أثقله الدوار الشديد .
بعد أن صلّت الفجر عادت لتستلقِ وهي تلف حول رأسها وشاحا ضيقا .
حتى أنها لم تخرج لتعد الفطور كسابق عهدها .
بل منذ أن عقد سامي قرانه على نجود .
يا لذلك العقد الذي غير أشياء كثيرة ..!
هل كل تلك الأشياء كانت تنتظر عقدهم وارتباطهم السخيف ؟
لم ترَ حياة إلا ساعات قليلة , ولم ترَ لجين أبدا .
حالتها النفسية سيئة جدا .
باتت لا تطيق شيئا سوى حجرتها .
ملجأها في كل حين .
مدت يدها لتلتقط هاتفها وتخرجه من تحت المخدة حين رن , تأففت وهي ترى إسم المتصل , لتجيب ببرود :
- هلا .
وكالعادة , هذا الإنسان لا يطلب منها سوى فتح الباب :
- بسرعة يا رؤى أنا مشغول لازم أمشي الحين .
- إذا مشغول ليش جيت ؟
تأفف زين :
- مو وقت سؤالك يا رؤى , يلا .
أقفل قبل أن ترد , لتقف هي ببطء وتخرج من حجرتها .
حين فتحت الباب الخارجي تفاجأت به يحمل تميم , بجانبه ميسم .. بيدها حقيبة ملابس .
مخفضة رأسها تنظر إلى الأسفل , سألت بقلق :
- عسى ماشر زين ؟
دخل ووضع تميم في حضنها :
- ميسم وتميم بينامون عندك لين يرجعون أبوي وأمي من السفر , انتبهي عليهم كويس يا رؤى .
رفعت حاجبها بإستغراب :
- ليش إيش صاير ؟ وين نجود ؟
أجابها زين وهو يخرج مسرعا :
- بعدين بقول لك , ادخلوا .
خرج وأقفل الباب خلفه .
التفتت رؤى إلى ميسم المتكتفة بملامح حادة وغاضبة , هذه الفتاة غريبة جدا .
أغرب من نجود ربما .
ليست إجتماعية على الإطلاق , لا تتحدث إلى أحد .. لا تختلط بأحد .
فيها شيء من نجود , وأشياء من لجين .
- ادخلي ميسم .
تبعتها ميسم حتى دخلتا إلى الصالة .
التفت إليهم الجميع بإستغراب .
كانوا يجلسون حول طاولة الإفطار , وقفت حياة واتجهت إلى رؤى متلهفة لتحمل تميم , تبعتها قمر وياسر .
اعتادوا جميعا على وجود تميم بينهم خلال الفترة التي مكثت بها نجود في منزلهم .
هو أيضا اعتاد عليهم وفرح برويتهم .
سألت حياة بعد أن ناولت ميسم كوب ماء :
- عسى ماشر يا بنتي ؟ وين نجود ؟
تنهدت ميسم بغضب نجحت في إخفاءه :
- في البيت لوحدها .
رمقت سامي بطرف عينها ترقب ردة فعله , ولكنه كان باردا تماما وهو يشرب من كوبه .
استغربت حياة :
- فهميني السالفة , ليش إنتم هنا بهالوقت ؟

شرحت لهم ميسم القصة بإختصار بعد أن جلست على إحدى الآرائك وهي بغطاء وجهها لوجود أبناء عمها .
ما جعلت الجميع ينظر إليها بذهول وعدم تصديق .
وتلقائيا توجهت الأعين تجاه سامي الذي لم يبدِ أي ردة فعل .
إلا بعد أن نظروا إليه رفع يديه :
- نعم وش فيكم تناظروني إيش دخلني ؟
بدا عليهم الإحراج , نعم ما دخله هو ؟
ابتسم بسخرية :
- اللي يشوفكم يقول إني مربيها أو أنا اللي خليتها تسوي كذا .
وقف وأخذ شماغه من على الأريكة :
- يلا أنا طالع تبون شيء ؟
- سلامتك .
قالتها حياة وهي تتنهد بضيق وتنقل أنظارها بين ميسم وتميم ورؤى .
ثم دعت ميسم لتناول الإفطار ولكنها رفضت .
- رؤى خليهم يرتاحون باين تعبانين .
هزت رؤى رأسها بإيجاب .
تميم الذي سعد كثيرا برؤية أعمامه رفض الدخول إلى الحجرة , ولكن ميسم دخلت على الفور .
حين أقفلت رؤى الباب والتفتت إليها فوجئت بما قالته :
- شوفي أنا بالغصب جيتكم وماني مبسوطة إني بقابل وجهك أربع وعشرين ساعة , عشان كذا لا تزعجيني ولا أزعجك تمام ؟
رمقتها رؤى بحدة وغرابة :
- انقلعي أجل أنا الميتة من الفرح بجيتك , كل أخت أثقل من الثانية , نامي وانتي ساكتة .
استلقت رؤى في جانبها المعتاد وأغمضت عيناها .
تود معرفة تفاصيل ما حدث .
وما الذي حلّ بالمجنونة نجود لتتصرف هكذا .
ولكنها حقا تشعر بالتعب , ولا حيلة لديها لتسمع صوت ميسم المستفز .
في الحقيقة صوت ميسم ليس مستفزا , بل شخصها بالكامل .
فهي دائما تحاول لعب دور الشخصية المهمة , وتحاول أن تبدوا أكبر من عمرها .
وهي كذلك أصلا , تبدوا في الخامسة والعشرين بينما عمرها لا يتعدى العشرون سنة .
ولكن وجهها طفولي , طفولي تماما .
وكذلك بعض تصرفاتها .
غريبة , غريبة جدا .
حين فتحت رؤى عيناها لتتفقد أحوال تلك الإنسانة العجيبة , صغرت عيناها تنظر إليها بذهول .
كانت تجلس على أريكة رؤى الصوفية ذات اللون الأحمر , ترفع قدميها وكأنها تحتضنهما , بيدها كتاب عن الجرائم ..!
تقرأ من خلال نور الشمس القليل عبر النافذة .
- ليش ما تفتحين النور وتقرأين زين ؟
أجابتها ميسم بصوت منخفض :
- ما أبى أزعجك في النهاية هذي غرفتك وباين إنك دايخة .
قالتها وهي تنظر إلى الوشاح حول رأس رؤى .
تنهدت رؤى وهي تقف وتتجه إلى الحائط لفتح النور :
- خذي راحتك في النهاي إنتي ضحية زوجة أخوي .
- أرملة أخوك .
- صارت زوجة أخوي , أم ولد أخوي .
- والحين زوجة أخوك الثاني بس لا زالت أم ولد أخوك .
ضحكت رؤى دون مرح وهي تجلس على طاولة الزينة , تفتح عقدة الوشاح , لتنصدم من إحمرار جبينها بفعل قوة العقدة :
- أف قسيت على نفسي , المهم ميسم .. علميني إيش صار أمس بالتفصيل , وش جاها أختك ؟

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن