الفصل التاسع عشر

121 3 0
                                    

الحاضر .
واشنطن .

منذ الأمس , لم يغمض عيناه إلا لحظات قليلة .
ينام دقيقة , ويستيقظ في الدقيقة التي تليها .
يراقب جوليا .
ملامحها التي اشتاق إليها كثيرا .
لا يريد أن يغمض عيناه لحظة واحدة قبل أن يشبع منها .
مرّت اثنتا عشرة ساعة على إتيانه بها إلى المستشفى .
نامت طويلا , الوقت كله إلا بضع ساعات .
أقفل زياد هاتفه منذ أن وصل إلى جوليا , ولم يخبر أحدا بعد عن إيجادها .
بالرغم من معرفته أنهم يتحرقون شوقا للقائها .
أشرقت الشمس , وخرج زياد لينزل إلى بهو المستشفى .
يأكل شيئا مما يمده بالقوة بعد أن ظلّ جائعا منذ الأمس .
بعد أن انتهى , أخرج هاتفه ليخبر لِيام .. ويأمره بالمجيء إلى المستشفى .
ثم صعد ..
ابتسم حين وجدها مستيقظة , تقف بالقرب من النافذة .
التفتت إليه بفزع حين سمعت صوت الباب , ثم ما لبثت أن اطمأنت .
إلا أنها عقدت حاجبيها بغرابة , حين اقترب ووقف أمامها :
- هل يعقل أنك هنا منذ الأمس ؟
أومأ برأسه بإيجاب , ثم اقترب منها أكثر ليمسك بكفها ويقبل جبينها بعمق , أردف بصوت هاديء :
- هذا أجمل صباح حظيت به على الإطلاق , منذ أن غادرتِ .
رمشت جوليا عدة مرات قبل أن تقول بإرتباك :
- ماذا تفعل زياد ؟ بالأمس ….
ازدردت ريقها وهي تكمل :
- ظننت أنك عانقتني هكذا فقط لأني غبت طويلا , والآن ماذا ؟

تغيرت ملامحه ليبتسم بألم وهو ينظر إلى الأسفل , ثم رفع رأسه ليعاود النظر إليها :
- أود لو تتحدثين طويلا ولا تصمتين , ولكن بسماعي لما قلته للتو وما قلته بالأمس .. أريدك أن تصمتي تماما ولا تتفوهي بأي شيء , حسنا ؟
فغرت فمها بذهول , ثم أومأت بإيجاب .
قبل أن يباغتها زياد بقبلة على شفاهها .
حينها شهقت وعادت إلى الخلف خطوتين .
ضحك زياد عاليا , ثم قال :
- لمَ لا تقاومين إذا ؟
تأوهت جوليا وهي تغمض عيناها وتعود إلى سريرها , ثم تجلس وهي تتذمر :
- اخرج من هنا أيها المنحرف .
ضحك مرة أخرى وهو يسحب مقعدا ليجلس بقربها :
- لن أخرج .
ظلت جوليا تنظر إلى الناحية الأخرى وهي تعض على شفتها بحرج , عادت تنظر إليه بوجه محمر :
- ماذا دهاك ؟ لمَ تفعل هذا ؟
تنهد زياد وهو يقف :
- ألستِ جائعة ؟
اتجه نحو الباب قبل أن تجيب :
- سأذهب لأحضر لك الإفطار .
خرج ليتركها تفكر مليا .
حقا ..
ما الذي دهاه ؟
هل أصابه شيء ليتصرف بهذه الطريقة ؟
رفعت أصابعها لتلمس شفاهها وتتذكر قبلته .
احمرت وجنتيها وهي تستند بظهرها على المخدة .
ثم تضع الكف الأخرى على قلبها .
لا زلت معجبة به .
لا زال قلبي ينبض من أجله .
ولكن هو , غريب أمره .. غريب جدا .
حين فتحت عيناها مرة أخرى .
تفاجأت بالجمع الغريب حولها ,
أغمضت عيناها وفتحتهما مرة أخرى ببطء حين استوعبت أنها نامت حين خرج زياد ليحضر لها الطعام .
لتلتفت إلى يمينها , وتجد ..
أمها , بجانبها جيليان , ثم لِيام .
بحضنه فتاة صغيرة .
شهقت وهي تبكي :
- أمي .
التفت إليها الجميع , بعد أن كانوا شاردي الذهن .
لتقف أمها بلهفة , وتقترب منها .
وما إن جلست جوليا حتى ضمتها بقوة وهي تنوح بصوت عالٍ وتنادي بإسم جوليا .
جوليا كانت تفعل المثل .
بكت كل قهر عاشته طوال تلك السنوات الخالية .
كل وجع شعرت به .. كل ألم .
لم تدرِ حتى كم مرّ من الوقت وهي تبكي في حضن والدتها , حتى شعرت بأحدهم يبعدها بهدوء :
- كفى يا أمي , دعيني أعانقها الآن .
كان صوت أختها الصغرى , الشقية .. جيليان .
التي جلست وقبلت جبينها وهي تبكي , ثم عانقتها بقوة , لتقول بنبرة ألم :
- سامحيني جوليا , سامحيني عزيزتي .. لم أصل إليك في الوقت المناسب , بل كنت السبب فيما حلّ بكِ مؤخرا .
أبعدتها جوليا بلطف وهي تحتضن وجهها بكفيها :
- لا بأس عزيزتي , ها أنا ذا معكم الآن .. وإن كنت لا أعرف ماذا تقصدين بأنك السبب فيما حصل معي ههههههههه , اشتقت إليكِ أيتها الشقية , لقد كبرتِ وصرت أجمل .
ضحكت جيليان من بين دموعها وهي تقترب وتعانقها مرة أخرى .
حين سحبها لِيام وأبعدها ليتقرب هو الآخر , ويعانق جوليا ببكاء صامت .
بعد مضي بعض الوقت ..
كانت جوليا تتحدث وتضحك مع عائلتها , وقد أشرق وجهها مجددا .
لم يأتِ أحد منهم بذكر والدها وما حصل معه .
أو ذكر ما حصل حتى وجدوها .
سألت بعد أن تذكرت شيئا ما :
- لِيام , كأنني حين فتحت عيناي رأيت طفلة في حضنك , هل تزوجت ؟

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن