الفصل الثاني

383 7 5
                                    

لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله .

_____

نمرُّ , هل سيرى الآتون من أثرٍ لنا ,
ويذكرنا دربٌ عبرناه ؟
فكم من طريق وفيٍّ لستُ أذكرهُ
وكم من رفيق نسيٍّ لي لستُ أنساه !

*زين بن الشيخ عبد الله .

____

في الوقت الحالي .

الرياض .
الخامسة عصرا .

التوتر والارتباك يلفانه من كل جهة، يقدم رجلا يؤخر الأخرى.. يبتلع ريقه كأنه عطشان.
يعدل نظارته الطبية في كل حين.
المواقف العديدة التي حصلت معه وسببت له الإحراج في الفترة الماضية، تجعله يظن أنه محط أنظار الجميع، ومحل سخريتهم.
وقف أمام موظفة الاستقبال، يطلب منها موعدا لدى الطبيب.
للأسف لقد أتى متأخرا، عليه أن ينتظر طويلا.. ولكن لا بأس.
إنه مصر، ويريد أن ينظر الطبيب إلى حالته.
اتجه نحو ساحة استراحة الرجال.
كانت مليئة، هل جميعهم يعانون مثله؟
أكثر منه أو أقل ...!
ليكون الله بعون الجميع.
بحث بعينيه عن مكان يجلس به، وجد مقعدا فارغا بجانب رجل كبير بالسن.
يبدوا أنه في منتصف الأربعينات.
اتجه إليه وجلس، دون أن ينطق حرفا واحدا.
يدعوا الله من قلبه ألا يبدأ من بجانبه بالحديث، فهو لا يريد ذلك.. مطلقا.
ولكن ربما هو أيضا يعاني مثلك؟
لا ضير.. لن تكون في وضع محرج.
أو ربما يعاني من مشكلة في السمع ...!
حسنا سيرد عليه عن طريق الكتابة.

فتح هاتفه وصار يتفحص مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يمضي الوقت.
تفاجأ حين أمسك من بجانبه ذراعه.
التفت وكأنه فزِع.
ابتسم الرجل ليطمئنه.. ثم أخرج هاتفه وكتب:
(إيش مشكلتك يا ولدي؟).
تنهد براحة، حمدا لله أنه من بدأ بالتحدث كتابيا، ابتسم بتوتر.. وفتح شاشة هاتفه مرة أخرى، ليفتح المذكرة ويكتب (عندي مشكلة في النطق، ما أقدر أتكلم زين.. أتأتئ كثير).
تفاجأ سعد (بس كذا؟ عشان التأتأة؟)
هز الشاب رأسه نفيا.. ثم تنهد بهم وعدّل نظارته للمرة المائة ربما.
كتب سعد (المفروض ما تجي هنا إذا بس هذي مشكلتك، مين قال لك إنه هالمكان لعلاج التأتأة؟).
كانت تلك العيادة تعالج المصابين بفقدان القدرة على الكلام، بسبب جلطة أو إصابة في الرأس.
لذا استغرب سعد، لا يبدوا وأنه قد أصيب بإحداهن مؤخرا.
احتار وتوتر أكثر.. ازدرد ريقه ليكتب (واحد من أقاربي، دلني على هالمكان، ولا مو بس أتأتأ، لما أجي أتكلم أتفاجأ إني أتكلم غلط، ما أدري كيف أشرح لك).
حرك رأسه بتفهم وحزن، يشعر به
(عسى ماشر وش سبب إصابتك؟).
بابتسامة باهتة حرك يديه، وكأنه لا يريد أن يبوح له بقصته أو سبب إصابته، أو أنه حقا لا يعرف السبب.
ابتسم سعد ووضع يده على يد الشاب، وضغط عليه يحاول التخفيف من توتره.
فهو أيضا مر بهذه المرحلة سابقا.
وعانى كثيرا حين كان بنفس عمر هذا الشاب الصغير.
كتب (راح تتجاوز هالمرحلة صدقني، وراح تكون بخير.. أنا حاس فيك، والموضوع ما يستاهل كل هالخوف والتوتر.. صح يمكن تواجه مشاكل مع المجتمع، بس راح تكون بخير، أنا بعد عندي نفس المشكلة).
هز هادي رأسه بإيجاب، وابتسمت شفتيه براحة من حديث الرجل أمامه.
فاجأه الآخر مرة أخرى، وهو يمد هاتفه نحو.
كان هناك جهة اتصال على الشاشة، باسم (د. عماد)
نظر إليه هادي متسائلا، ليخبره سعد أن ذلك الطبيب يقربه، وأنه يعالج من هم مثل هادي، ولو أنه لا يعرف عن إصابته شيئا.
حتى الآن، كان هذا أول شخص قابله ويعاني من نفس مشكلته.. أراحه كثيرا بالرغم من أن حديثه كان بسيطا جدا، تحدث باضطراب بالرغم من الثقة القليلة التي واتته من حديث سعد:
- مــ مــ مــ مــشكور عمـ مــي.
ربت سعد على كتفه وهو مبتسم، يدعوه لعدم الخوف والتوتر.
انتظر كثيرا، حتى خلت الصالة من المرضى.
وحين أتى دوره.. تفاجأ من خروج الطبيب.
توجه إليه بحواجب معقودة وملامح متسائلة.
ابتسم له الطبيب بأسف واقترب منه.
أمسك بكفيه واعتذر منه بشدة.
فوقت عمله قد انتهى، والمرضى أخذوا أكثر من وقتهم.

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن