على مد بصر كل من في الحلبة، وفي لحظة سكون وترقب، مالت سيلين بجذعها للخلف حتى لامست بكفيِّها الأرض، سرعان ما رفعت قدميها في الهواء، فصارت بذلك تقف بالمقلوب على كلتا يديِّها، أمسك مورا بساقيِّها وسحبها للأعلى، وبرشاقةٍ وليونة قفزت عاليًا واستقرت فوق كتفيه، مدت ذراعيِّها بحركةٍ استعراضية على وسعهما في كلا الجانبين، كما فعل مورا الأمر ذاته حين تأكد من توازنها فوقه، دار بها ببطء، وفي الوقت نفسه كانا بروية يحاولان الانتقال للحركة التالية، فنقل مورا قدما سيلين إلى كفيِّه وأمسك بهما جيدًا رافعًا ذراعيِّه بصعوبةٍ للأعلى، وسيلين فوقه لا تزال باسطةً ذراعيها، وما أن شعر مورا بأن قدمها اليمنى ترغب بالتحرر، حتى خفف من قبضته، فصار كل ثقلها على ذراعه اليسرى، بينما قدمها اليمنى أخذت ترتفع عاليًا إلى أن صارت فوق رأسها تمامًا.
كانا كالتمثال الثابت لثوانٍ قليلة حتى شرع مورا بالدوران حول نفسه، فلم تتحمل ذراعه أكثر، ما أدى إلى فقده للتوازن وإسقاط سيلين وسقوطه أرضًا محاولًا إمساكها بينما يراها تندفع للأمام بعيدًا عنه، وذلك لأن سيلين كانت قد تداركت الأمر فدفعت بجسدها قليلًا حتى لا ترتطم بمراد، فتشبثت بالأرض بكلتا يداها وتدحرجت، ثم نهضت.
- «سيلين! هل أنت بخير؟».
تساءل قلقًا وهو يسرع نحوها، فردت عليه تبتسم بينما تمسك يداها بعضها بعضًا:
- «لا عليك، أنا بخير.. كل ما في الأمر أني وضعت ثقلي كله على يديَّ حين سقطت، لذا هما توخزنني قليلًا».
مد لها يده وقال:
- «دعيني أرى».
ما كادت تفعل حتى صار كل من في الحلبة يصفق لهما بحرارة، ويهتف بكلمات الدهشة والإعجاب. تقدم نحوهما رامون والمدرب ميلا المختص بتدريب سيلين، وشريكها في العروض كذلك، يثنيان على صنيعهما، والابتسامة مرسومةٌ على ثغرهما، فمراد وسيلين أثبتا للجميع أنهما قادرين على الانسجام معًا وبسهولة بعد هذه الحركات المرتجلة بينهما. قال رامون لمراد وهو يربت على كتفه:
- «مذهل يا مورا مذهل! لم أشك أبدًا في مقدرتك على مجارات حركات سيلين، وها أنت تنسجم تمامًا في دورك. متفائلٌ بعرضٍ خلاب لا مثيل له منكما».
بينما علق ميلا وهو يتفحص راحة كفيّ سيلين:
- «قد لا أتفق معك تمامًا من ناحية انسجام مورا بدوره، ولكن أعترف أن مورا قد أدهشني وأنا الآن أتوقع منه أداءً أفضل بعد التدريب».
تبادل كل من مورا وسيلين النظرات مبتسمين، ودون إخفاءٍ لحماسهما، وقرر الجميع أن تدريبهما سيبدأ من الغد حتى الشهر القادم لكن بعد اختيارهم للعرض المناسب.
•••
قبل هذا العرض التجريبي ببضع ساعات، حضر مراد مع كادن إلى مبنى السيرك لحضور اجتماعٍ حدده رامون عند العاشرة صباحًا حين أخطر جميع أعضاء السيرك بحضور السيد باراك مالك هذا السيرك، سيرك (تيرّا دي بيلّيتزّا)، ليشاهد العروض المقامة من أجله تحديدًا. دخلا الحلبة ينظران نحو كل شيءٍ أمامهما، الساحة مكتظة باللاعبين هنا وهناك، وجوهٌ مألوفة وأخرى لا يذكرانها، المكان خانق، لا يطيقه مراد، هذا الضجيج العشوائي وفوضى الأجساد لا يزيده إلا هيجانًا كهيجان سعير.

أنت تقرأ
مـورا
Mystery / Thrillerمن الصعب جدًا محاورة من في قلبه جرحٌ غائر، تصير كل الكلمات حينها سهامًا تفتق جرحه، لذا اختار كادن الصمت على أن يوضح له ما يقصده فعلًا، فغاية ما يريده كادن هو أن يذكر صديقه بطبيعته، بلعنته، ليفهم مدى اختلافه، فلن يكون سهلًا عليه أن يعلم أن أحد السببي...