7 || ماضيٍ مَنسي.

37 12 0
                                    

كان لا بد لهذا الطفل الصغير الذي قد تم سلبه من عائلته، كان لا بد له من عائلة جديدة مستعدة لتحمله كيفما كان، وكم كان هذا شاقًا! يصرخ ويقاوم ويشعل النيران أينما حل، حبسه في تلك الغرفة الزجاجية العملاقة والخالية من كل شيء لن يطور منه شيئًا، وسيظل وحشًا همجيًا يصرخ ويشعل النيران. كانت غرفةً كبيرةً عاليةَ السقف، لا تكشف عن الخارج بوضوح فيها نوافذ صغيرة أقرب للثقوب، وفيها سريرٌ واحد ومرحاض، لكنهما قد صارا إلى رماد، هذه الغرفة المصممة خصيصًا لمراد، تقع في مختبر بحثي سري في فرنسا، تحتجز جسده الصغير الأسمر وتعزله عن الخارج كما تعزل عينيه عن الرؤية بوضوح.

•••

بكى ذات مرة بعد أن سيطر عليه اليأس وألتهم آخر ذرة أملٍ في الخروج، بكى بصوتٍ حارق، وتراقصت على صوته المكسور نيرانه الهائجة، حتى انطفأ كل شيء، وغط في نومٍ عميق. كان سجانه يهدفون لهذا اليأس، لهذه المرحلة التي سيسلم فيها مراد نفسه بنفسه، ويصير طوع أمرهم، حينها سيقدرون على فحصه ودراسته واكتشاف كنهه الغامض، بغض النظر عن كونه طفلًا صغيرًا في العاشرة من عمره.

استيقظ بهدوءٍ وبطءٍ غير معهودٍ منه، وأظهرت تلك المجسات المزروعة في جسده استرخاءً في عضلاته، ونبضٍ شبه مستقر ولفترة أطول عن الأيام السابقة، لم يحرك ساكنًا لبعض الوقت، ثم نهض من محله متوجهًا حيث الطعام بجسده النحيل وملابسه الخفيفة شبه المحروقة ذات اللون البني المسود والتي تقطر خلال سيره وتفوح منها رائحة البول.

أكل بروية، وجميع الموجودين في المختبر يفترسون النظر فيه إما عبر الكاميرات أو عبر الزجاج الفاصل في الأعلى، يشهدون ذلك التحول الغريب الذي طرأ عليه بعد مدة طويلة حافلة بالغضب والصراخ والنيران، منذ ذلك اليوم الذي استيقظ فيه ووجد نفسه بعيدًا عن أمه وهو لا يسمع لأحد ولا يسمح لأيٍ كان بلمسه، هل الآن سيصبح التواصل معه سهلًا أخيرًا؟ تقدم أحدهم وبدأ بالكلام معه بودية عبر مكبر الصوت، رحب به ثم عرف عن نفسه بتلقائية وأخذ بكلامٍ طويل لم يستجب له مراد الصغير كونه لم يفهم منه حرفًا، وإنما ظل ينظر نحو مصدر الصوت الذي لا يرى صاحبه. وبعد جلبة صغيرة، صار الكلام أكثر وضوحًا، نبرة صوتٍ مختلفة تنادي باسمه وترحب به، أشعرته بالدفء الذي يخالطه خوفٌ كبير، وقف مراد مذهولًا ترتجف شفتاه ويتوهج جسده وهو يستمع لصاحب الصوت وهو يقول:

- «السلام عليكم يا مراد كيف حالك؟ معك سند الشرقاوي، هل تسمعني بوضوح؟».

اغرورقت عيناه بالدموع، وطفق يقول متوسلًا بصوتٍ مخنوق بين شهقاته:

- «أريد أمي، أعيدوني لأمي».

- «بالطبع ستعود لأمك عما قريب، نحن فقط أتينا بك هنا لأنك طفلٌ قوي مميز، ونحتاجك لمساعدتنا بأشياء كثيرة، لا أحد يقدر عليها غيرك، وحين تنتهي ستعود لأهلك، طيب؟».

مـورا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن