3 || مهرجان تيرّا دي بيلّيتزّا الخاص.

70 23 10
                                    

تفقد جزءًا كبيرًا من ذاتك وأنت تتأهبُ لأمرٍ جلل، وتفقد اللحظات القليلة التي تسبق هذا الأمر طعمها ولونها، فتصير باهتة كالرماد، وفي خضمِ ضجيجها تقف كالدمية التي لا تشعر بشيء. هكذا بدا مراد يومها وهو يشاهد العروض التي تسبق عرضه واحدةً تلو الأخرى من شاشة العرض الكبيرة داخل غرفة التجهيزات، وبجانبه سيلين تبتسم قلقًا وتضم نفسها بذراعيها وتضرب بقدميها الأرض بخفة مرددةً بلا توقف:

- «أنا متوترة.. أنا متوترة».

كانت شاشة العرض تُبَدِل لقطات آلات التصوير الموضوعة في الحلبة، فتعرض مقاطعًا لها ومقاطعَ أخرى لمقاعد الجماهير، فتظهر أوجه الحضور القليلة، والتي اختصت بمهرجان اليوم من بعض كبار الشخصيات برفقة نساؤهم وأبنائهم، يُهيّأ لمراد معرفة بعضها، ولكنه لا يشرع يتأملها بتمعن حتى يختلف عليه المشهد، ويعود التركيز حيث يجلس السيد فرانسيس باراك تحديدًا، وكم تزداد حرارة جسده كلما ظهرت أمامه صورة هذا العجوز السمين! يهرع فورًا لفتح قنينة ماءٍ جديدة ترطب حلقه. وصل إلى مسمع سيلين صوت أنفاسه المضطربة بعد شربه الماء بتهور، فأمسكت كفه بكلتا يداها، وقالت تنظر إليه بابتسامةٍ لطالما سحرته:

- «سنبذل جهدنا ونقدم عرضًا باهرًا بالتأكيد».

أماء لها بالإيجاب وهو يمسح فمه بكمه الطويل المتدلي قائلًا بصوتٍ منخفض:

- «أجل».

كانت العروض السبعة التي تم اختيارها كالآتي: تبدأ بعرض لاعبة الجمباز الرشيقة والصغيرة سيلفيا، يليها عرض الحيوانات لعائلة آزاريل، ثم عرض للكومديان كادن، ثم يأتي دور مراد وسيلين وعرضهما الراقص، وبعدهما عرضٌ يقوم به الثنائي المتناقض زين وزان، ثم عرض لفتيات سي - سول يرقصن فيه في الماء مع مخلوقات البحر عجيبة الشكل والألوان، وأخيرًا يُختم المهرجان بعرض جون روبنسون السحري مع سعير.

•••

بدأت سيلفيا عرضها المبهر - والذي قد اُستخدم فيه تقنية الهولوغرام والوسائط المتعددة - تنير وحيدةً ببدلتها البيضاء الرقيقة اللامعة والتي تجعل من قوامها الصغير أكثر إثارةً، مستلقيةً كطائرٍ قتيل على سريرٍ وثيرٍ وسط أرض الحلبة التي شرعت الأضواء ترسم عليها وعلى جدرانها المؤقتة غرفةً تضيئها الشموع، ثم على نغمات الموسيقى الأولى، نهضت سيلفيا وشرعت بالركض.

أخذت تركض في ممرٍ طويل وضيق ومخيف، وخلفها أيادي وأعينٌ كبيرة تعلق بؤبؤتها الضيقة عليها، ولا تسأم ملاحقتها، وسيلفيا بشعرها المبعثر المصبوغ بالأبيض كزيها، تستخدم كل الطرق للهرب، حتى وصلت للحلقات المعلقة بالحبال والتي لم تكن تشع حتى وصولها إليها مجازًا، فتقفز تمسك إحداها برشاقةٍ، وتعبر الأخرى بخفة دون لمسها، وتلتف عدة مرات حول الثالثة، ثم تنزل، تستمر بالجري مستخدمةً حركات الجمباز المرنة بساقيها الرفيعان، تلتف، تسقط، تتدحرج، تتابع المسير، تنساب بين الأيادي، تقفز فوق العيون، وتركض تركض وباستطاعة الحاضرين سماع صوت أنفاسها التي أضافت مزيدًا من التشويق إلى الموسيقى التصويرية.

مـورا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن