تتالت على وجه جون اللكمات حارًا غاضبةً واحدةً تلو الأخرى، ودون أن تترك له فرصةً للتنفس، مراد قد فقد عقله تمامًا! يلكم الفتى المبطوح على الأرض، وهمه الأكبر أن يُفرِغَ كل الغضب في وجهه، سارع كادن لإيقافه، شده من كتفيه بقوةٍ وأحكم إمساكه، نهض جون يترنح، وساعده من كان بقربه على الوقوف بثبات، ولم يتوقف مراد عن المقاومة والسب واللعن، ونظرات جون المصرة على موقفها كانت تزيد من هيجانه أكثر فأكثر.. على مراد أن يهدأ، وإلا تحول الجميع هنا إلى قطع فحمٍ أدكن. هددهم، هدد كل من في المكان بحرقهم حتى الموت، وأخد يعيد عليهم كل ما تحمله في هذا المكان واكتفى منه:
- «سأحرقكم أحياءً يا كلاب باراك، كلكم، كلكم بلا استثناء، لستم إلا عبيد شهرةٍ تحملت منكم ما يكفي».
طلب رامون الذي وصل متأخرًا من جون أن يعتذر، ليسلم الجميع من شر ما قد يحدث، لم يكن الاعتذار ما يريده مراد، ولكن حين فعل جون ذلك صاغرًا يقطر الدم من وجهه وأنفه، هدأ وتوقف ثورانه، ومن فوره أخذه كادن بعيدًا.
حدث هذا في وقتٍ متأخر، متأخرٍ جدًا، يستعد فيه الجميع للمغادرة متعبين من يوم المهرجان الحافل، وما كادوا أن يفعلوا، حتى أعادهم صوتٌ جلل، في غرفة التجهيزات الخانقة. باختصار.. جون روبنسون الفتى الدقيق الطموح، قد فشل عرضه فشلًا ذريعًا، وكان اختتامية فاشلة للمهرجان، لأن سعير لم يشتعل أبدًا.
كانت فكرة عرضه السحري، أن يحول سعير لشعلة صغيرة تطفو وتتحرك في اتجاهاتٍ مختلفة، يعبث بها بيده وكأنه من يطلقها، وكلما ركنت تلك الشعلة في مكانٍ ما وجهها إليه بيده، تكبر إلى ألسنة لهبٍ عملاقة يظهر بعدها سعير، مرةً في يمين الحلبة، ومرةً يسارها، ومرةً فوقها، المهم داخل حدود العازل الزجاجي الكبير الذي لا بد من وضعه في عروض سعير. وليتحقق الأمر، لابد لسعير من أن يطلق نيرانه حتى يختفي فيها، ويعود ليطلقها حتى يظهر منها، فيفاجئ الجميع بتحول تلك الشعلة لكائنٍ حيٍ كامل.
لكن سعير لم يشتعل، ولم يطلق نيرانه، ورغم تنفيذ جون لحركة السوط التي دربه عليها مراد كإشارةٍ يعرفها سعير ليسعر، لم يستجب لأي أمر، لذا سارع فريق الإعداد بالتصرف خلف الكواليس بإشعال نار الحلبة التي جهزوها لتشبه نيران سعير، كما حاول جون تدارك الأمر بإخفائه إياه بطريقة سحرية تقليدية، وقد تخدع تلك المحاولات الحضور، وقد لا تفعل، ولكنها في النهاية لم ترضِ جون أبدًا، وجعلته في غيظٍ شديد، أكمل عرضه يقف أمام سعيرٍ بجرأةٍ ليكمل أداءه السحري، وكل ما يسلب تفكيره هو الانتقام من هذا الوحش الملعون.
وحقق مبتغاه بعد المهرجان، بعد أن قدم فرانسيس باراك كلمته الختامية القصيرة التي عبر فيها عن سعادته الفائقة وسعادة كافة الحاضرين، وعن فخره بأعضاء سيركه كافة من الإدارة حتى العاملين، وقد حملت كلماته تشجيعًا أحس جون بأنه يغلف به شعوره بالشفقة عليه.

أنت تقرأ
مـورا
Mystery / Thrillerمن الصعب جدًا محاورة من في قلبه جرحٌ غائر، تصير كل الكلمات حينها سهامًا تفتق جرحه، لذا اختار كادن الصمت على أن يوضح له ما يقصده فعلًا، فغاية ما يريده كادن هو أن يذكر صديقه بطبيعته، بلعنته، ليفهم مدى اختلافه، فلن يكون سهلًا عليه أن يعلم أن أحد السببي...