10 || حُبّ.

42 5 4
                                    

وقف ينظر لانعكاسه الباسم في المرآة، يتأكد من جهازيته التامة في شكله وروحه. هو راضٍ عن شكله الآن، أما روحه فحماسها لا يهدأ، جاهزةٌ متشوقةٌ أكثر من اللازم، عليه أن يعيدها لحالتها الطبيعية، ليتقن الدور برجولية جذابة.

خرج من الحمام متجهًا لغرفة التدريبات، سيرقص مع سيلين مجددًا، الرقصة الأخاذة ذاتها، ولكن هذه المرة أمام جمهورٍ كبير من الناس، فتلك العروض التي قُدمت خصيصًا لمموِّل السيرك، ستعاد للعامة دون عرض جون الذي استبدل مكانه عرضهما.

كانت ترقص بتروي رقصةً مختلفة، وكأنها تقوم بالإحماء حتى يصل شريكها، اقترب منها وشرع يلمس قدها المتمايل بأنامله حتى اندمج مع حركاتها، فصار يراقصها رقصةً مرتجلةً تمامًا، تحركها عواطفه وخيالاته، أحست سيلين بغرابةٍ جميلة، سايرته متشوقةً لغايته التي شعرت بقربها كقربه الشديد اللحظة، همس في أذنها:

- «أريد قول شيء لك».

أصدرت صوتًا قصيرًا دون أن تفتح له شفتاها، فهم منه أنها تستعجله بالقول، لا تريد أن تقاطعه حتى بصوتها، ليتفرد بمغازلتها وتتفرد هي بالدلال والخجل. توقف وأخذ يتأمل قسماتها بينما تتشابك يداهما. قال يتلهف لعناقٍ طويل:

- «أُحبك».

أنزلت رأسها وضحكت خجلًا وقد سمعت أجراس هذه الكلمة بحروفها العربية، قرعت قلبها وأرعشت كل جزءٍ من جسدها. في حين جعلته هو أكثر انتشاء بها. قال مبتسمًا تلك الابتسامة التي يندر أن تُلمح على ثغره:

- «ماذا؟ هل نطقتها بطريقة خاطئة؟».

هزت رأسها نافية، وما زالت ضحكتها القصيرة الخجولة تفلت منها، كما انفلتت دموعها بعد برهة. قال يلاطفها:

- «ما الأمر؟ هل هي قبيحة بالعربية إلى هذا الحد؟ هل تريدين سماعها بالإيطالية؟.. الفرنسية؟.. لا أيضًا! إذن ماذا؟ الإنجليزية؟».

نظرت له ومقلتاها الواسعتان تبرق خضراء ناصعة كبستانٍ بلله الندى، فيعكس صفاء السماء وبياض الغيوم. ثم قالت تبتسم بشفتيها اللتين يشتهيهما:

- «بل جميلة للغاية، أجمل كلمة هي، بين كل اللغات».

وبعد تردد قصير أجابت قائلة:

- «وأنا أحبك أيضًا».

أخذ يقبل شفتاها بشوق، ويضمها بشوق، رحبت هي بذلك وبادلته التقبيل والعناق. الآن يستطيعان أن يشعرا أن حياتهما تبدأ من جديد، وأنها لا تزال طويلةً مليئةً بالسعادة، وسيظلان فيها معًا حتى النفس الأخير.

•••

سهر كادن ليلتها في شقة بانكول، وقضى وقته معه وزوجته كاتو، وقد استمتع ثلاثتهم سويةً، وخاصةً أن كادن لم يتوقف عن تسليتهما، كان ساخرًا جدًا، صاخبًا على غير العادة، عاد طفلًا كما كان يسلط لسانه دون أن يحسب حساب ما يقول، مع ذلك فرح بانكول وكاتو به كثيرًا، شعرا بالأبوة التي يحلمان بها حتى اللحظة، خاصةً وقد فهما أن نشاطه الغريب هذا ليس إلا محاولةً لتكذيب نفسه الحزينة، لذا عطف قلبهما عليه وجارياه في أقواله وأفعاله:

مـورا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن