5 || الاحتفالُ البَغيض.

52 20 12
                                    

استيقظ عند الخامسة مساءً متثاقلًا يأبى جسده التحرك بليونه، ويتآكل رأسه من الصداع، أمسك هاتفه يعاين الوقت لحظةً، ثم ألقى به على الطاولة القريبة منه وهمّ للاغتسال عازمًا الذهاب بعدها إلى سعير، ولم يمضِ من الوقت غير نص ساعةٍ حتى كان خارج شقته ينزل الدرج مهرولًا لا يطيق صبرًا لرؤية أسده في حالٍ أفضل، لذا أكمل سيره لا يلتفت لشيءٍ إلى أن وصل وجهته، وحيث سعير داخل قفصٍ زجاجيٍ صغيرٍ عند عيادة السيرك البيطرية، رأى مراد غيمة صغيرة من الشعر يراقصها الهواء فوق جسد سيلين الرفيع، اقترب منها يتساءل في داخله عن سبب وجودها هنا، وقف بجانبها والتفتَ إليها، فالتفتت إليه بدورها، تترقرق عيناها وتغسل الدموع وجهها، تفاجأ من حالها وكاد يسألها عن السبب، لكن ضحكتها الهادئة قد سبقت ذلك، فشرعت تمسح دموعها وهي تقول:

- «أهذا أنت؟ لقد أفزعتني..».

- «هل أنت بخير؟».

نظرت للأمام وعادت تمسح وجهها سريعًا وهي تقول:

- «نعم، نعم بخير تمامًا».

لم يلح في السؤال كثيرًا، ووجه نظره لسعير يتأمله وهو مستلقٍ رافع الرأس مغمض العينين تلف الضمادات جسده النحيل، لم يكن شكله يوحي بالخطر الشديد، لكنه كان كالعادة، يشبه جثةً تحمل فتات النفس. تنهدت سيلين بعمقٍ بينما تفكر كما مرادٌ يفكر بسعير، ثم قالت بصوتٍ منخفضٍ حزين:

- «كم هو قوي! كم هو حزين! ما فعله جون لا يغتفر، لا يغتفر أبدًا.. ألا يكفيه أن يرى كيف يعاني وحيدًا دائمًا بصمت، حقًا أريد البكاء من أجله، أرغب بذلك كثيرًا».

أخذت دموعها تنهمر من جديد، ويعلو معها صوت شهقاتها، ومراد بين هذا وذاك يعاين حزنها مدهوشًا، فهو يعرف مقدار لطفها وبراءة قلبها، لكنه لم يعتقد في يومٍ أن أحدًا يكترث لبقايا حيوان كما يفعل هو، شعر بالامتنان لها من قلبه، من كل قلبه، فكون سعير يعاني وحيدًا بصمت هذا ما أراد مراد أن يُفهمه لكادن، ليشعر بغضبه الذي اعتراه حين رأى فعلة جون. أنزل مراد رأسه بعدما رأى أسده يتجه نحوه ينظر له بتلك النظرة التي لا يترجمها إلا باللوم، ثم قال بهدوء:

- «سعير يحتاج لمن يبكي من أجله بالفعل، شكرًا لك سيلين».

بعد بضع دقائق، وبعد أن اطمأن مراد على حال سعير تمامًا، جلس برفقة سيلين على حافة حوضٍ صخري يحوط شجرةً كبيرة، يتحادثان عن كل ما يتعلق بمهرجان البارحة، ويضحكان على ما كانا يرعبهما بالأمس:

- «خفت كثيرًا لما رأيت النار تصدر منك، أردت حينها أن أطير بعيدًا».

- «هذا يفسر سبب عناقك الخانق».

غطت سيلين فمها تضحك قائلة:

- «آسفة.. آسفة».

- «كيف هي إصاباتك، هل هي عميقة؟ هل تحرقك؟».

مـورا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن