العرافة
وسط لهيب ودخان كثيف خرجت تلك العجوز التي تبدو من الوهلة الاولي انها تجاوزت قرن من الزمان.... تجاعيد وجهها تخفي ملايين القصص... زرقة عينيها تزداد بريق كلما اقتربت من النيران وشعرها الابيض كخيوط حرير انسدلت لتصل حتي خصرها... من هي ؟ إنها المجهولة التي يعلمها الجميع... الثائرة التي يخاف الجميع من هدوءها، إنها " كايرا " تلك العجوز التي اتت من أقصي الشمال وطافت اقصي الشرق حتي تعلمت ما لا يعمله احد... يخاف منها اهالي الغرب وها هي بكل ثبات تتأجج كالنيران في اراضي الجنوب.
_ شداد، أين أنت؟
قالتها العجوز وهي تنظر نحو باب القصر ليأتيها صوت جهوري قائلا
_ أنا هنا يا سيدتي... هل هنالك خطب ما؟
اشارت العجوز نحو غرفة بجانب السلم وقالت
_ تلك الغرفة يا غبي... ألم أخبرك من قبل الا تضع احد بها؟
ارتبك شداد وظهر القلق جليا علي وجهه العريض وعينيه الرماديتين وقال وهو يتلعثم
_ اسف يا سيدتي ولكن ارجوك لا تحوليني الي شيء سيء.
وضعت العجوز كفها علي مقدمة رأسها وهي تقول
_ لا يوجد من هو اغبي منك يا شداد... أنا عرافه ولست بساحرة.. اشعر بانك أخطأت الليلة يا شداد فتلك الغرفة تنذرني بالشئم، من أحضرت؟
دخلت العجوز إلي الغرفة لتجد شابين وفتاة... كان أحدهما مستيقظا وقال بغضب
_ كيف لك ان تفعل هذا؟ من انت؟ ومن تلك العجوز التي بجانبك؟
اقتربت العجوز منه واغمضت عينيها قليلا وبعد دقائق قالت
_ حارس المملكة الذي فقد نفسه اثناء بحثه عن ما اتي لينجزه، ذكرياتك التائهة اقتربت منك لدرجة أنها تجاورك... احذر لان يومك القادم سيكون الأسوأ ولكنه ليس بسوء يومكم الأخير، ستفقدون شيئاً وفي المقابل ستفوزون بمهلة تكفيكم للنسيان.
نظر يوسف ببلاهة الي العجوز وقال
_ لم افهم ما قلته جيدا ولكن اين ذكرياتي؟
اشارت العجوز الي كرسيين مقيد عليهما شاب وفتاة... نظر يوسف اليهم وشعر بشعور غريب، ذلك الشاب الذي حلم به وتلك الفتاة لم يشعر بأنه يعرفها؟
دارت الارض حول يوسف ليفقد وعيه ولكن كيف تدخل تلك الفتاة الي عقله دوما؟
نظرت العجوز وقالت بقلق
_ أميرة الأحلام عادت.
لم يفهم شداد جملتها فكاد ان يبادرها بسؤال ولكنه توقف حين أمسك بها ليمنعها من السقوط... ارتعب حين رأي عينيها وقد تحولت الي اللون الاحمر فرجع إلى الوراء.
_ انها العائدة من دروب النسيان... محطمة الزمن و عابرة العوالم.
استيقظ ياسين ليجد تلك العجوز امامه في مشهد دب الرعب في قلبه.
_ما الذي يحدث!!!
تعجب ياسين مما يراه ولكنه وجد سارة ويوسف بجانبه فحاول الإفلات من قبضة ذلك الحبل.
_ لا تحاول يا ياسين.
قالتها العجوز وهي تنظر الي ياسين الذي نظر بعدم تصديق وقال
_ كيف علمت اسمي؟
ضحكت العجوز وقالت
_انا اعلم كل شيء عنكم يا حراس المملكة.
وضعت يدها علي جبهته ثم قالت بعد برهة
_ كاذب انت في الحب يا ياسين وهي تعلم بانك ما زلت تفكر في حقيقة مشاعرك... هي ليست صديقتك وليست أختك... هي ليست حبيبتك لكنها زوجتك ولكن ستؤلمك بطريقة لن ينساها قلبك المتحجر ذاك... ستمر بمواقف ستحتم عليك الاختيار ما بين زوجتك وبين شقيقتك، ولكن فكر قليلا قبل الاختيار بينهما حتي لا تخسر كل منهما يا ياسين.
_ لا تقولي فكر فكل منا يعلم من سيختار ياسين.
قالتها سارة وهي تنظر الي العجوز وتبتسم.
_انا لن افتح فمي بكلمة يا عزيزتي ولكن طريقك الذي تسيرين فيه؛ مظلم وقاسي يا صغيرة، يحيط بك الموت من كل جانب فكيف ستهربين من مصيرك؟
ضحكت سارة وقالت
_ لا يمكنني الهرب ولكن يمكنني تأخير الامر قليلا يا كايرا.
نظر ياسين الي سارة وقال
_ انت تعرفين تلك العجوز؟
نظرت سارة الي العجوز وقالت
_ لا يا عزيزي.
_ سارة، كيف علمت اسمها؟
قالت العجوز
_ لقد سمعتني منذ قليل... فك وثاقهم يا شداد فثلاثتهم سيكونون ضيوفي.
قال ياسين وهو ينظر الي يوسف
_ سنعود ثلاثتنا إلي القصر فيوسف ليس علي ما يرام.
ضحكت العجوز وقالت
_ سيكون بخير الان لان هنالك من يحميه.
ابتسمت سارة وقالت وهي تسير باتجاه الباب
_في المرة القادمة اختطفي شخص تستطيعين العبث معه.
****************
عاد الثلاثة إلي القصر ودخلوا ليأخذهم الحارس الي غرفة چوثفان الذي كان قلقا عليهما... دقائق وشعرت سارة بالدوار فاسندها چوثفان وأجلسها علي الأريكة وقال
_هل احضر لك أي شيء؟
ابتسمت سارة وقالت
_أنا بخير، يبدو ان تأثير المخدر لازال موجودا ولهذا شعرت بالدوار.
قال جوثفان بقلق
_كيف هربتهما؟ ومن هذا الشاب؟
ليجيبه ياسين
_هذا الشاب هو صديقنا يوسف... هل يمكنني أخذه إلي أي غرفة هنا فهو بحالة سيئة؟
خرج جوثفان وأمر حارسه الأخر بأخذ يوسف إلي غرفة ليرتاح بها فهو من أنقذ سارة وقبل أن يدخل قبل ياسين رأس سارة وقال
_نامي قليلا حبيبتي وانا سوف أهتم بيوسف.
هزت سارة راسها فتركها ياسين وذهب مع الحارس.
ظلمة حالكة... برودة تسري في جسده... كل شيء يجعله يستسلم للموت ولكن صوتها ذلك ياسره بطريقة غامضه.
_يوسف، أتبع صوتي لتخرج من هنا.
صورتها لا تفارق خياله ولكن هنالك ما ينقصه... شعور يجتاح قلبه بعنف وكأنه عاشق ولكن من هي معشوقته؟
_لم يتبق الا القليل يا يوسف .
تتسارع دقات قلبه وترتفع حرارته... رعشة تحطم كيانه وياسين غير قادر علي معرفة سبب ما يحدث، كأن يوسف يحلم او الحمي هي من اثرت فيه هكذا.
جلب ياسين الطبيب الذي تفحص يوسف بعناية ثم اعطاه بعض الاعشاب ورحل.
_الا تتذكر يا يوسف؟ اصدقائك... حب حياتك... زواجك من اثير... قدومك الي هذا العالم.
ينظر يوسف الي كل ركن وهو لا يميز ما يحيط به... زواج! اصدقاء! حب! اين اختفي كل ذلك؟ شعوره بالفقد يعجزه ولكنه حاول جاهدا ان يتناسى ذلك الشعور.
صور تأتي وتختفي... راسه يكاد ينفجر من هول ما يراه.... تلك المواقف هل كان بها ! متي؟ من؟ اين؟ الف سؤال وسؤال والاجابة واحده وهي ضجيج افكاره.
يحاول ياسين معه بشتي الطرق ولكن لا فائدة فيوسف يتألم ولا دواء له الا هي.
*************