رسائل وخواطر

25 1 0
                                    

أختي الغالية أسماء ، لا عدمتك . سلام الله عليك ورحمته وبركاته ، وسلامي مع المزيد من أشواقي ودعواتي .
كيف أنت يا غاليتي ؟ أرجو أن تكون أيامك بذكر الله معمورة وبخدمته موصولة . صحتي ولله الحمد جيدة وأنا أحس ببعض الزيادة في وزني خلال الأيام الأخيرة ، ولعل لطيب الهواء وعذوبة الماء أثراً في ذلك ، خرجنا أمس في نزهة قطعنا خلالها مسافة طويلة مشياً على الأقدام ولم نحس بأي تعب أو بتعبير أصح لقد تعبنا ولكنه تعب محبب تتمكن أن تمحو آثاره شربة ماء من تلك المياه العذبة ، أو نسمة هواء من نسمات الجو الرطبة ، وقد انتهى بنا السير نحو روض يانع عابق بالزهور وهناك امتدت يدي لتقطع زهرة كانت قد تفتحت بشكل رائع وما أن قطفتها حتى قال لي برير : أتراك سمعت حوار زهرتك هذه مع جارتها تلك ؟ فاستغربت كلامه وقلت : لا فأنا لم أسمع شيئاً يا برير . قال : ما أن مددت يدك لتقطفي زهرتك هذه حتى تضاحكت في غرور وشمخت بأنفها مع مزيد من الرفعة والاعتزاز وخاطبت رفيقتها قائلة : إبق أنت في تربتك هذه ، أما أنا فسوف أذهب لأحتل
مكاناً سامياً وسط آنية من الزجاج وأعتلي منصة عالية من المرمر أو الساج ، أو لعلني سوف أصبح زينة فوق صدر غادة تتهافت عليها الأنظار أو أتوج هالة من شعر يخطف بشقرته الأبصار . نعم أبق أنت هنا أما أنا فسوف أنطلق من هذه الجذور التي تشدني إلى التراب وأتحرر من هذه الأغصان التي تحسب أنها هي التي تمدني بالحياة ، لن أحتاج بعد اليوم إلى رحمة فلاح يسقيني من العطش أو ستار يحميني من الشمس ، سوف استشعر معنى الحرية التي طالما تمنيتها من قبل ، ولكن أنت أيتها المسكينة أسفي عليك يا أختاه . وكان برير يتحدث وأنا مصغية إليه في اعجاب ، فاستزدته قائلة : بماذا أجابتها تلك الوردة يا برير ؟ قال : آه أنك لم تسمعي جوابها إذن ؟ لقد قالت لها في حسرة : لشد ما أنا آسفة من اجلك يا أختاه فما أنت إلا مخدوعة إن هذه الجذور التي تشدك إلى الأرض هي عنوان حياتك ، وأن هذه الأغصان التي تربطك بالتربة هي صمام الأمان لحفظ روائك وبها تحيين . أن الحرية التي تنتظرك والتي خدعتك فجعلتك تتغنين لها وتطربين ، ان هذه الحرية سوف تؤدي بك إلى الذبول وتبعث في أوراقك الجفاف فتتساقط بعد ذلك وتتطاير مع النسيم ؛ هذه هي نتائج حريتك الموعودة ، أما أنا فسوف أبقى حية نضرة ما دمت نابتة في مكان نبتت فيه بذرتي مشدودة إلى الجذور التي تهبني معين الحياة مرتبطة بتاريخي . وإلى هنا سكت برير . فهل تعلمين يا أختاه كم كنت أشعر بالسعادة وأنا أستمع منه هذا الحوار ؟ وهل علمت ما الذي كان يرمز إليه في تصويره هذا ؟ ولهذا فقد عدت من نزهتي تلك وأنا أحس بنشوة
روحية لأنني قد تعرفت خلالها على خاطرة جديدة . وختاماً أبعث اليك بأصدق أشواقي ودعواتي واسلمي لأختك المخلصة .زهراء

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزتي الأخت الغالية زهراء

حرسك الله يا أختي ورعاك وسدد في طريق الحق خطاك . ما أشوقني إليك يا عزيزتي وما أعمق الفراغ الذي أجده لبعدك ، وأنا واثقة بأنه لولا رسائلك التي تسعدني وترويني لضقت ذرعاً بهذا الفراغ . أمس تسلمت رسالتك فما أسعدني بها ، وقد قضيت وقتاً جميلاً وأنا أعيش أفكار وردتيك حتى أنني امتنعت منذ الأمس عن قطف زهرة من حديقة الدار فأنا أكاد أسمعها تنطق بأعذب الكلام ، والآن هل تريدين أن أشرح لك المعنى الذي كان يرمز إليه برير في حديثه عن الزهرتين ؟ طيب ، هاك صورة مختصرة عنه لتعرفي أن أسماء ما زالت تفهم ما تقرأ . أنه مثّل الزهرة بالفتاة التي تتنكر لدينها وتحاول أن تنفصل عن الجذور التي تشدها إليه فتروح تطالب بالحرية والانطلاق بعد أن تخدعها أبواق الحرية وتغريها زخارف الدعايات ، فتروح تتلاقفها الأفكار وتتلاعب بوجودها الأغراض حالها في ذلك حال هذه الزهرة المسكينة التي تنتقل من
يد إلى يد وتتحول من كأس إلى كأس حتى تجف وتذوي ، والآن دعيني أحدثك عن نفسي قليلاً ، فأنا قلما أجد بعدك من أحدثه يا أختاه ، بعد أن أصابتني حصى صغيرة رميت بها من أقرب الأحباء إليّ وأعزهم عليّ الشيء الذي جعلني أنطوي على لذعة من الألم قاسية فرضت عليّ بعض العزلة عن الآخرين . أنني يا عزيزتي دائبة خلال أيامي هذه على مطالعة كتاب يتحدث عن طبائع الأحياء وأني لواجدة فيه متعة ومقتبسة منه فائدة ومستلهمة منه خواطر وأفكار ، فما أكثر ما أقف خاشعة أمام عظمة الخالق عز وجل عندما يحدثني هذا الكتاب ( كتاب طبائع الأحياء ) عن الأحياء المضيئة مثلاً ، وذلك كديدان النار التي تقطن في جوف البحار ، وذباب النار الذي يقطن بين الأعشاب ويتمتع بقابلية على الاضاءة ، وقوة سمع الخفاش وكيف عوضه الله تبارك وتعالى عن حاسة البصر بحاسة سمعية خارقة فهو يسمع الأمواج فوق الصوتية التي تقدر سرعة ذبذبتها بمقدار ( 500000 ) ذبذبة في الثانية ، وغير هذا من العبر العلمية . ولهذا فأنا أجد أن هذه العزلة التي فرضتها على نفسي قد فتحت أمامي مجالاً مضاعفاً للمطالعة والكتابة فما رأيك في هذا يا زهراء ؟ وأخيراً لك مني دعواتي وأشواقي واسلمي لايمانك وإلى اللقاء إن شاء الله .
أسماء





المجموعة القصصية (( الكاملة )) الشهيدة بنت الهدى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن