لَقأّء فِّيِّ أّلَمََّستّشٍفِّئ

158 5 5
                                    


بسم الله الرحمن الرحيم

تقلبت الدكتورة معاد على فراشها وهي تستمع بين اليقظة والمنام إلى رنين جرس الهاتف وكأن جسمها كان يعاني صراعاً بين سلطان النوم ونداء الواجب فاستمر الجرس يرن ويرن بأسلوبه الرتيب ، وبقيت هي تعاني صراعاً بين عالمي اليقظة والمنام ، حتى انتبهت مشاعرها وأحست بمسؤولية اليقظة فاندفعت نحو الهاتف وهي تلاحظ الساعة فتجدها تناهز الواحدة بعد منتصف الليل .
إذن فلا شك أنها حالة مرضية مستعجلة وهكذا كان ، فقد كانوا يستدعونها من الطابق السابع لوجود حالة خطيرة وما كان منها إلا أن أسرعت بلبس قناعها وأبرادها وخرجت مسرعة إلى حيث تجد المريض.
وأمام غرفة العلاج وجدت ممرضة أخبرتها أن المريض امرأة عجوز تشكو من آلام شديدة في صدرها فأسرعت الدكتورة في الدخول حيث استقبلتها فتاة شابة جميلة الوجه ، رشيقة القوام ، قد ارتدت الحجاب الكامل وكأن الدكتورة

قد ارتاحت لمنظرها فشدت على يدها مسلمة بحرارة وهي تقول :
ـ خير إن شاء الله .
قالت الفتاة : إنها جدتي يا دكتورة ، وقد انتابتها آلام قاسية منذ ساعات تعرضت خلالها لاغماء طال بضع دقائق .
قالت هذا وسارت مع الدكتورة حيث كانت الجدة ترقد شاحبة الوجه على طاولة الفحص وهي تئن من الألم .
فسارعت الدكتورة باجراء الفحوص اللازمة واستدعت معها من يعينها على ذلك وكانت تعمل بجد واندفاع وكأنها الطبيبة والقريبة في وقت واحد ، وكانت الفتاة تتجول خارج الغرفة تقطع الردهة بخطواتها القلقة جيئة وذهاباً ، حتى اكتملت الفحوص وثبت أنها مصابة بذبحة قلبية وأن عليها البقاء في المستشفى إلى فترة ، عند ذلك تم نقلها إلى غرفة خالية أعطيت بعض المهدئات ، الشيء الذي مكنها من النوم .
وكانت الدكتورة حتى ذلك الوقت مشغولة بتعهد أمر المريضة وتهيئة وسائل الاسعاف المطلوبة لها ، ولهذا فهي لم تتمكن أن تتحدث مع الفتاة بضع كلمات قصار تتعلق بحال المريضة ، ولكنها عندما اطمأنت على راحة المريضة ووثقت من أداء مهمتها بالشكل المطلوب التفتت نحو الفتاة التي كانت

تقف في قلق إلى جوار سرير جدتها وقد تندت أهدابها بالدموع ، فبدت عيناها من خلالها وكأنهما نجمتان تتلألأن من وراء الغيوم . فشعرت أن عليها أن تقول لهذه المسكينة كلمة تبعث في نفسها الأمل ، فحاولت أن تبتسم وهي تقول :
أرجو أن يكون العارض بسيطاً سيما وقد أجريت لها الاسعافات اللازمة منذ البداية .
قالت الفتاة : أنني جد شاكرة لك اهتمامك بأمرها يا دكتورة .
قالت الدكتورة : إن هذا واجب عليّ تجاه كل مريض ، وهنا لاحظت الدكتورة أن لون الفتاة يبدو شاحباً ، فأمسكت بيدها فوجدتها باردة كالثلج فقالت لها بحنو بالغ : أجدك مرهقة جداً فلماذا لا تنامي ولو لبعض الوقت ؟ قالت الفتاة : آه نعم أنني متعبة ولكن جدتي كيف أتركها وحيدة ؟
قالت الطبيبة : أليس لديها بنت سواك لتشاركك السهر ؟
فترددت الفتاة لحظة ثم قالت : كلا ليس لديها بنت سواي وليس لدي أم سواها ، قالت هذا وانحدرت من عينيها قطرات من الدموع زادتها جمالاً على جمال.
فتألمت الدكتورة لحالها وقالت لها وهي تشد على يدها بحنو : سوف أسهر أنا عليها بدلاً عنك
قالت : كلا إن هذا لا يمكن أن يكون . ان عليك أن تنامي أنت فقد أجهدت نفسك بما فيه الكفاية .
فابتسمت الدكتورة وقالت : أنني اعتدت على هذه الاتعاب ولم أعد أحس بثقلها عليّ ، ثم أنني نمت ساعتين في بداية الليل ولهذا فأنت أحوج مني إلى الرقاد ، ولكن انتظريني حتى أذهب إلى غرفتي وأعود .
قالت هذا وخرجت من الغرفة دون أن تنتظر جواباً من الفتاة ، فأحست الفتاة بعد خروجها أنها كانت أمام انسانة رائعة من حقها أن تعتمد عليها وتركن اليها .
وسرعان ما عادت الدكتورة وهي تحمل بيدها كتاباً ثم قالت للفتاة : حاولي أن تنامي يا عزيزتي وسوف أقضي وقتي مع هذا الكتاب وأرجو أن تطمئني على جدتك لأنني سوف أهتم بأمرها جداً يا...
وسكتت الدكتورة لأنها لم تكن تعرف اسم الفتاة .
فأسرعت الفتاة تقول ورقاء ، إن اسمي ورقاء يا دكتورة.
قالت الدكتورة : وان اسمي معاد يا ورقاء . والآن هيا إلى السرير الثاني فأنت مرهقة جداً ، ولم يسع ورقاء إلا أن تمتثل لأنها كانت تشعر باعياء شديد وسرعان ما استسلمت للنوم .
أفاقت ورقاء من نومها فوجدت أنها نامت أكثر من ساعة

المجموعة القصصية (( الكاملة )) الشهيدة بنت الهدى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن