امراتان ورجل

172 8 0
                                    


بسم الله الرحمن الرحيم

الآن وبعد أن انتهى كل شيء حيث تربعت حسنات على عرش السعادة زاعمة لنفسها أنها قد رسمت خطوط المستقبل بشكل منسجم الزوايا والأبعاد.
الآن وقد انفض الجمع بعد أن حقق لحسنات أمنية العمر وبعد أن صفق لها طويلاً وهي تطوق أصبعها بخاتم خطوبتها لفارس أحلامها الجميل.
الآن وقد أخلدت حسنات إلى فكرها تنسج منه خيوطاً ذهبية لحياة زوجية سعيدة منتظرة.
الآن وقد عاد كل إلى بيته وهو يمجد العروس تارة ويمجد خطيبها تارة أخرى.
الآن وقد حدث هذا وحدث ما هو أقسى من هذا بالنسبة إليّ أعود أنا إلى غرفتي هذه يحطمني السأم ويعذبني الملل ، نعم أعود أنا وحيدة غريبة وهل هناك أقسى من غربة الروح ؟ ومن أجدر مني بالغربة وان كنت بين أهلي
وأصدقائي ، انهم يتمردون عليّ بدعوى أنني متمردة وهم يبتعدون عني لحجة أنني منحرفة ولكن اليسوا هم المنحرفون ؟ أفلا يسمى انحرافاً هذا التعقيد الذي اختاروه لأنفسهم في الحياة ؟ أليس انحرافاً هذه الأفكار الرجعية العتيقة التي جعلوا منها المحور الذي تدور حولها تحركاتهم في الحياة ؟ نعم أنهم هم المنحرفون حتى حسنات هذه التي تحسب أنها قد اتخذت لنفسها طريقاً صالحاً وتريد أن تجعل من نفسها قديسة حتى حسنات هذه أليست منحرفة وشاذة حينما وافقت على الزواج من انسان لم تره ولم تتعرف عليه من قبل ؟ انسان بعيد لم يكلف نفسه حتى مشقة السفر لحضور العقد وإنما اكتفى أن يوكل أباه بدلاً عنه لماذا ؟ لأنه متدين لأنه يماثلها في الشذوذ وإلا وإذا لم يكن شاذاً فلماذا يترك فتيات أوربا الجميلات ليفتش في الزوايا عن زوجة مثل حسنات وهو لا يعوزه شيء عن التمتع كما يريد بأحلى الحسناوات وأغلاهن فهو شاب جميل. نعم جميل. ومتمكن مادياً فأي شذوذ وتعقيد دفعه أن ينصرف عن حسناوات انكلتره ليفتش عن فتاة مثل حسنات ؟ صحيح أن حسنات جميلة أيضاً وعلى مستوى عال من الثقافة ولكنني أكرهها وما كنت أتصور أنها تحظى بعريس مثل هذا ، ولكنه معقد على كل حال وسوف لا ولن تسعد معه حسنات ...؟
إلى هنا انتهى حديث رحاب مع نفسها فحاولت أن تشغل نفسها بشيء فأخذت قصة لنجيب محفوظ اسمها
( لاشيء يهم ) وبدأت تقرأ وهي تحاول أن تصدق مع الكاتب أن لا شيء يهم. فلا الكرامة مهمة ولا الضمير مهم ولا ما بعد الموت مهم ولهذا فقد سهرت مع هذه القصة التي كتبت لها ولمثيلاتها إلى ساعة متأخرة من الليل.

***
استيقظت رحاب في ساعة متأخرة من الصبح فنهضت من فراشها متثاقلة فسمعت أصوات أمها واخواتها تصلها من الغرفة المجاورة فخرجت اليهم وهي تتكلف الابتسام فطالعها وجه حسنات وهي في غلالة بيضاء وقد شاعت على وجهها اشراقة من الرضا والسعادة الهبت النار في قلبها واججت مشاعر الحسد والغيرة ولكنها تماسكت وحيتهم بشكل طبيعي ثم استدارت نحو حسنات قائلة :
وانت كيف أنتِ يا عروسة ؟
فردت حسنات قائلة : بخير والحمد لله يا رحاب وأرجو أن نراك عروسة أيضاً في أقرب وقت...
وكأن هذه الكلمات قد استفزت رحاب وفجرت لديها بركان الغيرة والحسد فردت قائلة في سخرية :
لعل هناك رجل من قارة أفريقيا يرسل ليخطبني كما أرسل ليخطبك رجل من قارة أوربا وكأن الرجال قد انعدموا من هنا.

المجموعة القصصية (( الكاملة )) الشهيدة بنت الهدى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن