أّلَفِّصٌلَ أّلَثّأّلَثّ ثّبِأّتّ

42 4 0
                                    

بَِّسمَ أّلَلَهِ أّلَرحٌمَنِ أّلَرحٌيِّمَ

ثبات

كان المساء كئيبا تلبدت سماؤه بالغيوم ، وزمجرت الريح فيه تنذر بقرب هبوب العاصفة ، وقد ضمت خديجة اليها اولادها الثلاث في غرفة متواضعة وهي تفترش بساطاً بالياً لم يبق من معالمه شيء ، وكانت ترفع طرفها الى السماء خلسة عن أطفالها لتتابع تطوراته خشية ان تهب العاصفة قبل أن يعود زوجها من الخارج ، حتى سمعت صوت المفتاح وهو يدور في الباب فنهضت مسرعة وأهابت بأطفالها قائلة قوموا فاستقبلوا أباكم فهتف صغيرهم قائلا وهل جاء لنا بالخبز يا أماه ؟ فنهرته بلطف قائلة ان هذا لا يهم لا تلق عليه هذا السؤال. واندفع الأولاد نحو الأب مهللين ومعهم أمهم وقد انطبعت على وجهها ابتسامة طيبة وكأنها لم تكن تعيش ساعات القلق المريرة من قبل وكان الأب يحمل على يديه بعض الأرغفة من الخبز مع قطعة من الجبن فسارعت الأم الى استلامها منه ولم تمض فترة حتى أعدت وجبة العشاء المتواضعة في أوان نظيفة وان كانت قد فقدت لونها لكثرة الاستعمال ، وتحلقت الأسرة حول هذه المائدة البسيطة
وحاولت الأم ان توجد جوا من المرح والسعادة بين افراد الأسرة وما أن فرغوا من الطعام حتى استسلم الأطفال لنوم عميق يحلمون فيه بأنواع الحلوى واشكال العرائس واللعب ومضت فترة سكوت على الأبوين قطعها الأب قائلا في مرارة : وهكذا ترين هذه السنة وهي تكاد تنتهي دون أن احصل على عمل ، وقد استنفدنا كل ما كنا قد ادخرناه وبعنا ما تمكنا من بيعه من أثاث البيت ، ولم يبق لدينا ما يمكننا من مقاومة الجوع ، فقالت الأم بصوت حاولت أن تجعله متفائلا لقد بقي لدينا الإيمان ، وبقيت لدينا الإرادة ، وهما الطريق الى كل خير وسعادة ، فقال الأب واي خير وسعادة ونحن نرى الإيمان يجرنا الى ان نجد اولادنا يتضورون جوعاً في اسمال بالية ، أما وربي أنه الايمان الذي جعلني اتحمل هذا الشظف من العيش وانها الهداية التي جرعتني كؤوس الفقر والحرمان واحدا بعد واحد ، فقد كنت اتقلب في بحبوحة من العيش قبل أن .. فقطعت الأم كلام زوجها قائلة واية بحبوحة تلك ؟ ومتى كان القمار رصيداً للأسرة ؟ وما قيمة الغذاء الذي يملأ الجوف نارا ؟ والكساء الذي تعقبه سرابيل النار ؟ نحن لم نكن سعداء ومصيرنا تحدده الصدفة او الخدعة ، نحن لم نكن سعداء حينما كنا نشبع على حساب جوع غيرنا ، ونلبس في الوقت الذي يتعرى فيه سوانا ، أية سعادة في ذلك الجحيم ؟ قال الأب ولأجل هذه المفاهيم اقلعت عن القمار ، ولأجل هذه المفاهيم أيضا وصلنا الى ما
نحن عليه ، قالت الأم ان لقمة خبز يابسة نأكلها ونحن بها احقاء لهي افضل بكثير من الموائد العامرة بأطائب الطعام نأكلها بعد ان ربحنا ثمرها على الموائد الخضراء ، وبعد أن سبب ربحنا الخسارة لسوانا من الناس ما أهمية اكلة لذيذة او بزة انيقة يعقبها عقاب الله ، قال الأب أنا أعرف كل هذا يا خديجة وأنا احمد الله الذي هداني للإيمان واشكرك لمساعدتي على النهوض من ذلك الحضيض ولكن حياة الفقر مريرة وعذاب الحاجة لا يطاق .. قالت خديجة مهما كانت حياة الفقر يا حسان فهي حياة زائلة يخالطها الأمل ويعتمل بها الرجاء وقد يعقبها اليسر او يتبعها الرخاء ولكن الحياة الأخرى الحياة الحقيقية التي لا تنتهي ولا انقضاء لها تلك الحياة التي يجب ان نحسب لها حسابنا ونهيء للرحيل اليها امتعتنا من الأعمال الصالحة الخيرة ، فلا تأسف على ما فات ، واحمد الله على ما أعده لك من نعيم التوبة ومثوبة الصبر على الفاقة وسبيل رضاء الله واجتناب معاصيه ، ولا تدع لليأس اليك سبيلا . قال الأب أنا لست يائساً يا خديجة ولكني اخشى ان أنهار امام هذه الصعاب فيزلني الشيطان وأعود الى ما ابتعدت عنه . قالت الأم لا تزال لدي حلية حرصت عليها كذكرى لزواجنا وسوف ابيعها منذ الغد ونعيش بثمنها لفترة من الزمان سيمدنا الله خلالها بعونه ويفتح امامك طريقاً للعمل الحر الشريف ، قال الأب اذن فلا كن على ثقة من نفسي الى فترة اخرى ! قالت الأم نعم كن على ثقة يا حسان فإن الله

المجموعة القصصية (( الكاملة )) الشهيدة بنت الهدى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن