4

4.1K 261 9
                                    

ضوضاء وتشوش يُصاحبانها، أحاطا بعقلها، غمامة سوداء باهتة تزحف بعيدًا عن وعيها؛ لتسمح بتأوهاتٍ خافتةٍ متلاحقةٍ تنطلق من صدرها؛ لتبدأ ذاكرتهـا بإسترجاع اللحظات الأخيرة قبل أن تفقد وعيهـا، تشنج جسدها، وقاومت ثُقل جفنيهـا بفزعٍ، وهي تحاول فتح عينيهـا مراتٍ ومراتٍ، مقاومتهـا تزيد تدريجيًا مع زيادة نبض قلبهـا الذي يضخ الدم في عروقها بجنونٍ، وقد تمكن منها الرعب قبل أن تفتح عينيهـا تمامًا.

وقبل أن تُدرك وضعهـا الصعب، سمعت صوته الساخر الذي جذب انتباههـا نحو الباب الخشبي العريض في زاوية تلك الغرفة الغريبة:
-لما تستوعبي، إبقي قوليلي.

تجمد بصرها ذاهلةً فوق سطح وجهه البارد النظرات وهي تهمس بإسمه:
-مراد؟!..

كان واقفًا مُستندًا بكتفه إلى حافة الباب المفتوح عاقدًا ذراعيـه فوق صدره، إبتسامة ساخرة زينت شفتيه وهو يقول:
-مفاجأة، بس ماتقلقيش مش هتدوم.

لحظةٌ، أثنتان، ثلاث.. لا تتكلم، صامتةٌ مذهولةٌ كما هي تناظره بعينين شاخصتين، نهضت من على الفراش ببطءٍ، محاولةٍ أن تتغلب على دوار رأسهـا الذي هاجمها بضراوة قبل أن تقول بصوتٍ متجهم:
-عايز إيه يا مراد؟؟..

رفع كتفيه بلامبالاةٍ كأن الأمر لا يعنيه، مُجيبًا وهو يحدق بعينيهـا:
-الموضوع ميخصنيش، دي أوامر والدك.

أنفرجت شفتاها بتساؤلٍ قائلةٌ:
-يعني إيه؟؟..

دنى منها عدة خُطوات قبل أن يسألها بصوتهِ الحاد:
-كُنتي بتعملي إيه لما هربتي من هنا على مصر؟؟.. عشتي هناك إزاي في الشهر إللي أختفيتي فيه بعيد عن داود باشا.

ألقت عليهِ نظرةٍ مُحذرةٍ ناريةٍ وهي تُجيبـه:
-إنت جاوبت بنفسك، كنت هربانة منه، ولما بعت حد عشان يقتلني وضربني بالنار، إنت إللي عالجتني بنفسك، فقررت بدل ما أموت في الشارع، أرجعله تاني.

بحروفٍ مُهددة قـــال:
-يعني إنتي مفكرتيش تخونيـــه؟!..

لحظةٍ واحدةٍ فقط، وصوت ضحكاتهــا تعالت بالمكان، بينما هو يحدق فيهـا بغضب جامح لا أحد يعلم سببه، صمتت فجأة وهي تسأله بتهكم:
-هروح مثلًا أبلغ عليه؟؟.. طب إزاي وهو كل عملية كانت بتتعمل كنت ببقى أنا معاه فيها، هودي نفسي في داهية يعني؟؟..

صمت طويل دام، قبل أن يخرج سلاحـه الخاص به الذي كان مُندس خاف قميصـه، ثم صوبـه نحوهـا وهو يقول:
-أنا عندي تعليمات بإني أبعتك لرحلة بدون رجعة، مُتأكدة إنك مخونتيناش؟؟..

رمقتـه بثقةٍ وإبتسامةٍ صغيرةٍ مُرتسمة على وجهها وهي تقول:
-إللي زيي مش بيخاف من الموت، وردي هو هـو، محصلش أي خيانة، لأن ده معناه هلاك لنفسي.

ثم نظرت للسلاح وهي تُضيف:
-تقدر تضرب.

أتسعت إبتسامتـه الساخرة، قبل أن يمد يده بالسلاح وهو يقول بثبات:
-إثبتي ده بنفسك.

أتحداك أنا © -رغمًا عن العشق-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن