اللامبالاة التي أنا عليها الآن لم تُهدي إليَّ بالمجان، بل بمواقف كلفتني عمرًا بأكمله.
ثلاثة أيام مرت بدون أيّ أخبار جديدة، تجنبت لقائــه، ولا تزال الصدمـة تعتريهـا، معنى ذلك أن خلال أيام ستنتهي، حياتهـا هنا ستنتهي، أغمضت عيناهــا وهي تتنفس بعمقٍ، محاولة أن تهدئ تمامًا، ولكن لا تعلم لمَ تحترق روحها بتلك الطريقة، هبت «لينا» واقفة فجـأة وهي تتحرك نحو خارج غرفتهــا، لتصطدم بـ«مراد» واقفًا أمامهـا يعقد ساعديه أمام صدره الضخم، تنفست «لينا» بحدة وهي ترمقه بنظراتٍ غاضبة قبل أن تشيح وجهها بعيدًا عنه متوجه نحو غُرفة الرياضة.
تصلبت ملامح «مراد» تمامًا وأشتعلت عيناه بلهيب أسود مخيف، قال بلهجة هادئة لكن أمتلأت بنبرة الحزم الذي لا يقبل الجدل:
-فاكرة كدا هتقدري تبعديني عنك؟!.. ماشي يا لينا، هنشـوف.سحب نفسًا عميقًا وهو يتجه بخطواته الثابتة نحو صالة الرياضة، أستمع إلى صوت أقدام، وتأتي الجلبـة من الداخل، ففتح الباب وهو يجوب ببصره الحـاد نحو المكان، ليراهـــا موليـه ظهرها، تركض بسُرعة عاليـة أعلى اللعبـة الشهيرة الماشيـة، وقد بدأ يتعرق جسدها بـ غزارة، فـ كان مُكيف الهواء مُغلقـًا، شعرت «لينا» بوجوده فقامت بخفض سُرعة اللعبـة تدريجيًا حتى توقفت، ألتقطت أنفاسـها ثم نظرت إليه وهي تسأله بجفاء:
-نعم، عايز إيــه؟!..وكأنها أطلقت سراح الغضب الكامن بداخله فدبت العاصفة بملامحه دون أن يهتم بإخفائهـا هذه المرة وهو يقول بصوتٍ خافت لكن يثير الرجفة:
-إنتي فاكرة بإللي بتعمليه ده، أنا هسيبك يا بنت الصاوي؟؟..عيناها اليوم فاقدت لبريقهما.. فاقدتين للحياة.. شعر بشيء قابع في حنجرته من الشعور بها، هناك وتر كهربائي وصل بينهما يجعله يشعر بإختلاجتها بوضوح، فتابع بصوتـه الخافت يملؤه الشراسة:
-فاكرة إني هسيبك؟؟..ظلت «لينا» متصنمة في مكانها، حجرًا في حنجرتها يتثاقل، النيران في عينيها تشتعل غضبًا، حتى قالت أخيرًا بهدوء:
-زي ما قولت قبل كدا، طريقي أنا تحديدًا هو الموت، وبذات بعد العملية الكبيرة، لو أنا عايشة النهاردة، بكرا هموت يا مراد، وأظن إنت عارف ومتأكد من ده.أرتفعت نبضات قلبـه فجأة بخوفٍ، فهي في نظر العالم، أكبر مجرمة أرتكبت الكثير من الجرائم في حق الوطن، ويعلم حق المعرفة أن حياتها ستنتهي بعد تلك العملية الكبرى، أتسعت عينا «مراد» للحظةٍ قبل أن تعودا لبرودهما وهو يقول بصوتٍ خطير:
-ولغاية ما يجي اليوم ده، تتعاملي معايا كويس، إحنا بنكمل بعض في شغلنـا ده، وكلهـا عملية واحدة ونرتاح، وقتهـا إبقي أتعاملي بالطريقة إللي تحبيهـا.عم الصمت داكن مشحون بينهما.. وعيناهما في حربٍ يائسة، إلى أن قالت "لينا" أخيرًا:
-مش هتلحق يا مراد تشوفني بعد العملية الجديدة، كله خلاص هيكون.. أنتهــى.
أنت تقرأ
أتحداك أنا © -رغمًا عن العشق-
Romanceإذا كنت من مفضلين قراءة روايات اجتماعية، رومانسية، درامية، أو مافيا. فـ أهلًا بك في عالمي الصغير، عالم يوجد به حلم جميل رغم مرارة الواقع. «أميرة مدحت»