الثاني(في كهف عتمتي!)

1.4K 57 21
                                    

الفصل الثاني تائه في عيون عوراء
أجفلتُ من تلك النظرات الصارمة؛ فأبتعدتُ، وحينها دار بخلدي..كيف خُلقت من ضلعه، ولم يعلم أنني أتألم كل ذلك الألم؟!
كان يشبه رسالة انتحار، أكتبها كل يوم عن طيب خاطر!
خرجت من المستشفى بأكملها وأنا أجر كرامتي التي ربما فقدتها بالداخل، وظلت خطواتي تتعثر، أشتد عليّ الألم، عقلي، وقلبي، وكل عضو ينهرني أني ذهبت إلى ذلك الفظ.
رفعت يدي تجاه عيني لأتاكد، هل حقًا أصبحت عوراء! نهشت خذلان أيامي كل شيء إلا المرار!
تلففت حولي لأرى الجميع ينظر لي ويتفحص وجهي
كانت محطة فاصلة، واعتقاد راسخ، أن هذه ستكون حياتي دائمًا.
شعرت وكأني طُعنت بخنجر لا يؤدي إلى موتك!علقت في تلك الحياة المُرة!
رفعت يدي، ازحت دموعي بعنف، ونظراتي تحولت من البراءة إلى الوحشية.
سرت في الطريق دون أن أنظر لأحد، تماسكت، وتظاهرت بالجمود، لكن جسدي الهزيل قد خان وعده لي بالتماسك، فانبطح أرضًا، وعيني أحارب أن افتحها، لكن الاستسلام دائمًا كان أسهل الطرق، ففقدت وعي. كأني قد تعثرت في خيبة لن تنزاح طوال الدهر!

-ليلى،ليلى يا بنتي، ردي عليّ، أيه اللي حصلك؟
فتحت عيني وأنا أتنفس بصوت مسموع، فوضعت أناملي على عيني، وجدت العين الصناعية تحميها.
نثرت رماد الذكريات من حولي، وقمت دون أن أتفوه بكلمة متجهه إلى غرفتي.
أزحت عيني الصناعية، واتجهت لكي أقوم بغسلها. وقفت أمام المرآة بدون عيني الصناعية، ذاك الفراغ الموجود يعمل على قتل جوارحي.
مايكمن في قلبي الآن هو دموع، نزلت عبراتي في مكانها المعتاد، كالسيوف التي تنهش وجنتي، كتضاريس مُلغمة بهُجر مُقنع!
قمت بغسلها، ومسحت مكان عيني، وذلك السائل المحاط بها برفق، حتى لا أتألم.
يداي ترتعشان كمريض يعاني من نوبات التشنج، كان من المفترض أن اعتاد وضعها داخل عيني، لكن ثمة خوف يداهمني في كل مرة أضع العين الصناعية مكان عيني المفقودة.
وضعت يدي على ثغري، أكتم شهقاتي، حاولت التماسك لكن ارتعاش يدي إزداد.
استمر الوضع ربع ساعة من الزمن، كانت تنميلة جسدي تدهسني وتضع حولي غبار الموتى، حتى وأخيرًا وضعتها. أخرجت زفير مكتوم. إتجهت إلى فراشي، فوجدت اتصالًا من ابنة خالتي نهى، كانت تطمئن عليّ، فأجبت عليها حتى انتهينا من الحديث، وذهبت لمساعدة أمي في المنزل.
& بقلمي شيماء عثمان
★صلّ على الحبيب ★
كالعادة كان اليوم مرهق خاصة مع الزيارات المتكررة في تلك الأيام في المتحف، والجولات الكثيرة التي قام بها داخله.
قفل النافذة جيدًا، أغلق الضوء، فأصبحت العتمة تسبح في المكان، ثقل الهواء لف المكان، تعتليه كآبة تكفي مدينة، تعمل على حرق نسمات من سكانها.
جلس بهدوء في مكانه الدائم، وأضاء النور الخافت الذي سيساعده على رؤية أدوات الكتابة.
أخذ جولة داخل عقله يفكر في مشهد سوف تكتبه يداه. كانت الحَيرة في اختيار اسم تلك الشخصية.
اعتدل بجلسته ثانيًا، وقرر أن تكون تلك الشخصية مجهولة، بلا اسم.
ثم بدأ يكتب المشهد كما يتخيله عقله.
"رغم أننا في فصل الصيف، إلا أن نسمات الهواء كانت تداعب خصلاتها بهدوء.
رفعت يدها لكي تتفادى تحرك شعرها، لكن ثمة حزن يقتحم ملامحها، وبعض من ألم يفترس كيانها.
في نهاية الأمر تركت شعرها للهواء.
كان هناك ما يخفي ملامحها، تهرب من الشمس.
ملامحها عصية على أن تُسطر بين طيات الأوراق.
أراكِ كقصيدة صعبة النطق فأُكسّر حروفها حرفا حرفا، وأتجاوز كل حاجز بالسكون، حتى استطيع أن أمرّ كعابر سبيل ألقت به الرياح، وغلبته على أمره! "
اكتفى بذاك القدر من الكتابة وأغلق الضوء الخافت، ظل يتحسس الأوراق بأصابعه، أغمض عيناه، فمر شبح ابتسامة على ثغره.
رفع رأسه عاقدًا حاجبيه، رافضًا تلك الخاطرة التي كانت تلاعب مشاعره منذ قليل.
وقف بغضب، وأشعل ضوء الغرفة ثانيًا، أصبح يخاف إن تجعلاه الوحدة، والأوراق يجن.
فتح نافذته مرة أخرى، وطال الحديث الصامت بينه وبين القمر، حتى رحل القمر، وجاء صباح يوم جديد.
تفاجأ بنور الشمس يقتحم عيناه وهو لم ينم بعد، فقام، وتوضأ، وأدى فريضته، واستعد للذهاب إلى عمله.
يوم جديد، لا يفرق معه إلا أنه سيزيل ورقة تاريخ اليوم.

تائه في عيون عوراء(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن