العاشر(أنين فؤادي)

471 41 24
                                    

الفصل العاشر من رواية تائه في عيون عوراء.
وصل أخيرًا إلى مطار القاهرة، سار بخطوات ثابتة نفث دخان سجائره، ووضع القبعة فوق رأسه، ولازالت علامات الحزن تعتري وجه ذلك المجهول!! حتى وصل إلى المكان المحدد، حاول التخفي وقرر إنه سيحصل على كل التفاصيل المتعلقة به حتى لو دفع الكثير من المال.
أمسك صورة كانت تقبع في جيبه وأردف بحزن:
- وحشتيني أوي!
قالها والغموض يعتري ملامحه، وصار في الطريق، تنهد بعمق، وهو يعلم أن ظهوره في ذلك الوقت سيقلب كل الموازين؟!
............................

وكأن قلبي الآن أخبرني بأن جميع الكلمات عاجزة عن وصف ما بي، تاهت عيناي عندما دخلت ليلاي، هكذا أطلقت عليها عندما علمت اسمها.
كانت خصلات شعرها تتطايير في الهواء، وابتسامتها تصل إلى عينيها.
أحببت كثيرًا الحديث معها، لكني لم اتحدث، ظللت أراقبها كل يوم واتتبع خطواتها.
كنت أرسل لها كل يوم باقة زهور في مكان عملها، باسم مجهول وببعض عبارات الغزل.
وأخيرًا رأيتها ثانيًا، وتفاجأت أنها ابنة خالت صديقة طفولتي. بدأت الحديث معها، ثم تدريجيًا أدركت أني صاحب باقة الزهور المجهول.
أحببتها بكل حواسي، بادلتني الشعور، ولم يكن هناك مناص من كبح تصرفاتي المراهقة سوى طلب الزواج منها، ووافقت بحب.
لكن ثمة أشياء جميلة لم تكتمل، وبعض المشاعر يُكتب عليها الكتمان!
قطرات المياة جعلتني استفيق من حلمي الذي مررت من خلاله بشريط حياتي مع ليلى.
توقفت حينما رأيت ضابط أمامي، انتفضت، وتنفست بصعوبة، رتب الضابط على كتفي، وأخبرني أن الكاميرات قد تم تفريغها، وعلموا أنها من قامت بمسك يدي، ونحرت عنقها.
هززت رأسي، ومازال جسدي ينتفض كالمصاب بالصاعق الكهربائي، عرض عليّ الضابط أن يساعدني، فجرحي صار ينزف بشدة.
رفضت بهدوء، واتجهت إلى الخارج كدمية فقدت محفز تشغيلها.
وقفت في الطريق، وظللت أصرخ، وأردد اسم ليلى.
ترددت صدى كلمات نهى في أذني أنها قامت بقتلها، لم أكن أعلم أنها تتحدث عن والدتها، وظننت أنها قامت بقتل حبيبتي.
لكِ من قلبي كل الحب، أعلم جيدًا أنني مهما فعلت لن تتداوى جراحي التي كانت كدماء متجمدة.
ياليتني لم أقابلك، فوجودي سبب لكِ الكثير من الألم.
آه لو تعلمين ما بقلبي الآن. وكأن حزن العالم تجمع ليقبع بداخل قفصي الصدري، ويسكن، كإنسان أحب مستقره.
لم أرتوِ بعد من النظر إلى عينيكِ، فصرت عطش من مياة الحب، مازلتي لا تعلمين أن الوجد يعتليني، ويتغمد كل خلية بي.
رحلتي ظنًا منكِ بي أني لا أحبك، وأنا لم أحب سواكِ.
كأن كل الحروف قد ضاعت، تبخرت، عجزت عن وصف شعور الحزن الذي يقطع نياط قلبي!
ما عليّ إلا أن أعدكِ، بأني سأعيش على ذكرى حبي لكِ إلى أن ألقاكِ.
كأنكِ أعدتيني إلى الجاهلية، وأنا الآن أبكي الأطلال!
& بقلمي شيماء عثمان
.......................

كان القلق يعتليني، وأنا أبحث عن خالد الذي وكأنه تبخر، خشيت أن يؤذي روحه. أبلغت بسهولة كل الأقسام عن خالد، فأتاني أتصال بأنه كان منذ قليل في قسم، وكان يزور فتاة، وقامت بقتل نفسها!
تعجبت في بادئ الأمر، لكني عزمت أن أذهب لاتحصل على أي معلومة لعلي أجده، وكذلك لأرى أي فتاة قامت بتلك الفعلة.
وصلت إلى القسم، وقمت بالدخول إليه، وجدت ضابط صديقي أخبرني أن جثمان الفتاة بالداخل بعد أن نحرت عنقها.
أومأت إليه بالايجاب، وأخبرته برغبتي في رؤية الفتاة.
وافق، وقام بإدخالي الغرفة، كانوا سينقلوها إلى مستشفى بعد رؤيتي لها.
كانت مغطاه بالكامل، لوهلة أجفلت وشعرت بالخوف، ترى من تكون تلك الفتاة!
رفعت يدي وأزحت عنها الغطاء، لكني تجمدت في مستقري، كأني أزحت غطاء كان يفصل بيني وبين الجحيم!
أراها هي، حبيبتي التي كتمت حبي إليها بداخل قلبي! كيف أجد جثمانها هنا، وبأي حق تنتحر بتلك الطريقة.
هبطت من عيناي الدموع، اقتربت منها ببطئ.
وضعت يدي على وجنتيها، كانت باهتة للغاية.
رددت اسمها العديد من المرات، لكنها صامدة لا تتحرك، كجسد تم تجميده.
حشرت وجهي بجانب عنقها، اختلطت دماءها بدموعي! بأي حق أظل معذب بتلك الطريقة.
هززتها بعنف، لكن بلا جدوى، حاولت أن اقتنع أن ذلك كابوس مزعج، كوحش يتلفت حولي، ويتلذذ بألمي!
رجعت بالزمن إلى سنين عجاف على قلبي، واختلقت حديث وهمي، لم ولن يحدث.
تخيلتها وهي توافق على حبي إليها بطيب نفس، رأيت الابتسامة تغزو ملامحنا، وأن سفينة الحب ستبحر بلا حاجز.
استفقت على صوت الضابط الذي تعجب من ردة فعلي.
سألته بجنون كيف أتت إلى هنا. نظر إلى الجثمان باشمئزاز، فثورت به كالطور.
حاول أن يهدئني وحينها قال:
- أهدى يا عابد ديه قبضنا عليها بتهمة قتلها لأمها.
انكمشت ملامحي، وجالت عيني على وجهها من جديد، لم أعهد عليها قط أن تكون قاسية، فهي دائمًا هشة، ورقيقة كالقطن.
وهل الأيام قادرة على صنع جباروت لدرجة تجعلها تقتل والدتها!
عقلي وكأنه انشطر إلى نصفين.
نظرت إليها نظرة أخيرة، وحررت أقدامي إلى الخارج.
بأي طريق أسير وأنا كالتائه في الصحراء، لم أعهد قط الولوج بداخلها، ولم أجد بحر يدلني على طريق السير.
جزمت أنها النهاية التي كُتبت بحروف من دماء!

تائه في عيون عوراء(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن