الفصل الرابع عشر من رواية تائه في عيون عوراء.
كانت العَبرات تُبلل وسادتي وأنا جالسة بجانب أمي، والمرض بدأ يأكل جسدها، لم يعد بيدي شيء فأنا قد تركت دراستي لكي أعمل وأوفر دواء والدتي ودراسة شقيقتي الصغيرة، وعملت في محل خاص بالورد.
لم أعترض قط لكنها الآن تحتضر، حاولت كثيرًا التغاضي عن نظرات ابن عمي الذي بدأ يُلمح لي بالزواج مني، وبحكم مستواه المادي يستطيع بسهولة دفع تكاليف العملية الجراحية التي تحتاجها أمي.
لم أكن أعلم عن ماهية قراري شيء، وحتى خالد الذي أحببته منذ صغري، لم يبادلني الشعور!
فقط يراني مثل شقيقته. استمعت إلى طرقات الباب، واتجهت إليه، وقمت بفتحه، وجدته عماد ابن عمي، يقف أمامي بابتسامة خبيثة، وكأنه يأتي في أكثر يوم أشعر به بالضعف!
اقترب مني، فابتعدت بهدوء، لكنه أمسك يدي وأحكم قبضته عليها، جرت الدماء في جسدي، وقلبي خفق من شدة الخوف.
أردت أن أزيح يدي عنه، لكنه كان يمسكها بأحكام.
اقترب أكثر وهو يقول بخبث:
- الدكتور قال إن مرات عمي ماينفعش تفضل كل ده من غير ما تعمل العملية يا ريم.
ازدردت ريقي بضعف، وعلت أنفاسي حينما وجدته يقدم لي علبة حمراء صغيرة قائلًا:
- أتمنى بقى تقبلي الشبكة.
كان الباب مازال مفتوح، وحينها خرج خالد من منزله المقابل إلى منزلي، ورأى عماد الذي كان يقترب مني بدرجة مريبة.
تقابلت عيني بعينه، هز رأسه إليّ بهدوء، واستدار وقام بالهبوط على السُلم.
ظلت يده معلقة في الهواء هكذا، وعيني تتحرك بين يده وبين باب خالد حتى استمعت إلى تآوه أمي من شدة التعب، فمددت يدي بلا تردد، وقبلت تلك العلبة الصغيرة، وقد فرت من عيني دمعة تغافل عماد عن رؤيتها!
أيتها الجراح، لقد تغيرت ملامحي وكبرت، ورغم ذلك لم تضلِ طريقك في الوصول إليّ! أخشى أن تعرفيني في شيخوختي أيضًا!
& بقلمي شيماء عثمان
....................كنت قد تحسنت إلى حد كبير إثر كلمات القرآن الذي كان يتلوها على مسمعي ذلك الشيخ، وصلاتي التي بدأت الانتظام بها أخيرًا.
ثمة شعور بالراحة سكن قلبي، لم تنقطع ريم عن زيارتها لي، والاطمئنان عليّ، كانت داعمة لي إلى حد كبير رغم مرض والدتها، وذلك الألم الذي يسكن تعابير وجهها.
قررت الخروج من المنزل اليوم، والذهاب إلى العمل، وفي حين فتحي للباب، وجدت ريم واقفة، والحزن قد صاحب وجهها أكثر من الأيام الماضية، ويقف أمامها ابن عمها الذي كنت أعلم منها أنها تكرهه كثيرًا، وإلى حدٍ ما فطنت أنه يحبها. تأكدت من ظنوني حينما لمحت بيده علبة حمراء صغيرة، لكن نظرات ريم المتشتتة جعلت الحزن يأتي إلى قلبي ثانيًا، لا أعلم لكني وقفت لوهلة، ونظرت داخل عينها، قرأت بها الكثير من الكلمات، لكني في النهاية قررت الرحيل.
وصلت إلى عملي، وبدأت في العمل، لكن ثمة أفكار داهمتني، وجعلت تشتتي يزداد أكثر من ذي قبل!..........................
لم يعد كوب القهوة يمنحني الصبر، لم تعد مرارته مرارة بالنسبة لي، بل كانت مرارة ما أمر به هي الطاغية، وهي التي طعنت عمري وأنا في سن الثلاثين..وأصبحت مرارة القهوة هي المذاق الحلو الذي يأتي بمنتصف الخراب..
كانت حياتي قبل ظهور ليلى، وزياد رتيبة وخانقة. والآن أصبح بها شيء جديد أود أن اتمسك به، الحزن قد زاد بهم، وقلبي يكاد يختنق!
وجدت قدمي تأخذني إلى منزل عمر، ذلك المنزل المخيف الذي وجدت به عظام، وتمثال زوجته.
كيف لم أرَ به زياد من قبل؟ وهل كان عمر يحب زياد من الأساس؟ أم أن مرضه تغلب على حبه لولده! ولماذا دومًا استمع إلى نحيب زياد! كأنه طفل صغير تعرض للمصائب.
وقفت أمام المنزل بتيه، وكأنه منزل خالي من الحياة!
ذكرياتي مع عمر تزداد أكثر في عقلي، أكاد أجن من ما كان يخطط إليه أبي! تذكرت ما كنت به من وهم ووجدت قدمي تسحبني لتلك المقابر التي لم أزورها منذ أن علمت الحقيقة، بأي وجه سأزورهما الآن!
وبأي حق مازال اسمي يحيى هلال!
وقفت أمام تلك المقابر التي كان يعمها الهدوء، ترى أبي الوهمي كان يريد أن تستقر والداتي بجانبه في مماته، وهي من خانته من قبل؟
هبطت دموعي بصمت، وبعيني ألف كلمة، ودمعة!
جلست أرضًا، والضعف قد ملأ صدري.
نظرت إلى القبر ثانيًا، وأردفت بقوة:
- ليه حتى الحاجة الوحيدة اللي كنت فاكرها صح في حياتي طلعت غلط؟
ركزت على اسم والدي الوهمي، هلال.. وأكملت بمرارة:
- ياريتك كنت أبويا فعلا، ياريتك كنت عشت وربتني على الحب اللي كان مالي عينك.
أنا عارف إنك لما قررت تعمل الحادثة ديه وتموت معانا ده عشان كنت بتحبني.
ثم أكملت ببكاء:
- بس أنت كده موت مُنتحر.
وضعت يدي على وجههي بعنف، واستطردت:
- وهو كمان مات منتحر.
تنهدت بضعف، وأنا أردد:
- حتى أخويا، مشي وهو وجع الدنيا كلها في قلبه.
وقفت بغضب، وأردفت بقوة:
- وأنا عاجز مش عارف أعمل حاجة.
جلست أرضًا ثانيًا مستطردًا:
- حتى ليلى، ماقولتلهاش على اللي في قلبي ليها.
تنفست بعمق وأنا أردد:
- حتى لو قولتلها هل هتبادلني بنفس الشعور!
مش عارف، بقيت تايه أكتر ما كنت تايه.
انهيت كلماتي، ووقفت بضعف، وقرأت لهم الفاتحة، ورددت الأدعية لهما، لم استطع قطع تلك العادة التي كنت قد أقسمت منذ زمن طويل أني سأظل على هذا الحال حتى يأتيني الموت.
خرجت من المقابر، وقررت الذهاب إلى عملي.
& بقلمي شيماء عثمان
.............................
أنت تقرأ
تائه في عيون عوراء(مكتملة)
Mistero / Thrillerلكني علمت أن قلبي قد أصابه الخواء، وما شهدته في أيامي الماضية أوصد باب السعادة بمفتاح قد تبخر! يبدو أن سهادي سيطول. مادمت حية سأتذكر الألم، أشعر بفرار قلبي من مكانه. ركضت لأتفحص أين هو قلبي، فقابلته هو بوجه يعتريه خواطر الحزن. وبأوراق قد فتحت باب جه...