الثاني عشر(جحيم الماضي)

467 41 24
                                    

الفصل الثاني عشر من رواية تائه في عيون عوراء.
قبل مرور أربعة أيام.
كان يومي روتيني كالعادة، انتهيت من عملي في المتحف. عندما تقع عيني على شيء آثري أتذكر عمر! فقد كان هو من علمني الكثير، تمنيت لو لم يكن بهذا السوء، أو تمنيت أن الحقيقة تكون بعيد عني إلى حد كبير. فحتى ذكرياتي سلبها مني على حين غرة.
تذكرت زياد الموجود في بيتي فاشتريت بعض الطعام رغم عدم شهيتي. سعدت كثيرًا أن هناك أحد سيؤنسني حتى لو لبضعة أيام، وخصوصًا أني شعرت بالألفة تجاه زياد.
فكرت لوهلة، ترى ما هي تلك الصدفة التي تجعلني أتعرف على أعور! إلى هذا الحد القدر يساعدني ألا أنساها، حتى وإن لم يساعدني، فالقلب لا ينسى من هواه.
وصلت إلى منزلي، ولأول مرة أفتح بابه، وأجد النور به، وليس هناك عتمتي التي قد تعودت عليها تلفني.
ولجت إلى المنزل، حتى وجدت زياد يجلس على الأريكة مبتسمًا لي بامتنان.
بادلته الابتسامة، ووضعت الطعام على الطاولة بعد أن قمت بوضعه في الأطباق، رفض في البداية تناول الطعام، لكني قد ألححت عليه؛ فبادلني إياه في صمت.
من طبعي أن أكون صامت، لكني أردت الحديث معه، فيبدو أنه حزين، فقلت:
- اتمنى تاخد راحتك في البيت.
ابتسم بهدوء وحينها قال:
- شكرًا ليك يا يحيى.
- يا رجل ولا شكر ولا حاجة.
ثم أكملت:
- ده أنا حتى عايش لوحدي، لحد ما قربت أتجنن.
ابتسم بهدوء وهو يقول:
- أنا كمان كنت عايش لوحدي.
شعرت أن هناك رجفة في جسده، فصمت وأنا أتناول الطعام.
انتهى هو منه وذهب ليقوم بغسيل يديه.
فتركت الطعام، وحينها نظرت إلى الوشاح بتيه.

.........................

انهيت حديثي مع يحيى، وبهدوء ذهبت لأغسل يدي.
وقفت وأنا أرتعش، تباغتني أحداث في رأسي تكاد أن تهشمه.
نظرات السعادة التي كانت تغمر وجهي منذ سنوات عديدة تحولت إلى ألم، حنين إلى شيء مجهول،
واشتياق إلى من سكنت القلب وبرحيلها مات معها.
وضعت يدي على ثغري، وأطلقت سراح دموعي لتهبط.
هل أرحل عنهم ولا أنفذ مهمتي التي أتيت لأجلها؟ وهل ما أفعله حقًا ينبع من داخلي؟
لم أضع نفسي في تلك الدائرة، لكني قد جُبرت على كل شيء.
قالوا لي رجال والدي الذي قد مات، أن يحيى هو من قتله. في ظروف أخرى كان من المفترض أن آتي لأقتله، لكني أردت أن أهنئه على ما فعل.
فأنا أكثر من عُذِب من ذلك الرجل الذي ومع أسفي الشديد يكون والدي.
أفحمني ذلك الرجل بالمصائب، فعل بي الأفاعيل الدنيئة التي لا تليق بأب أن يفعلها، وفي النهاية صنع مني مُهرب آثار، وأسلحة، وسلب مني إرادتي.
شهقاتي بدأت في العلو، وبت اختنق حينما راودتني تلك الذكرى، آه منها تلك الذكرى التي حولت كل حياتي إلى جحيم!
كان أبي يحرص على تعلمي بالخارج، وكان اليوم هو أجازتي، فقمت بالأتيان إلى مصر في البيت الخاص بي، بعيد عن أبي فذلك البيت به رائحة موت وعظام أمي المتوفية تتكوم في غرفة تجعلني خائف من المنزل، أحببت فقط التمثال المصنوع على شكلها.
وصلت إلى بيت حبيبتي أولًا، فهي تذكرني بوالدتي لأنها تشبهها كثيرًا.
وقفت أمام المنزل ،لكني تجمدت حينما وجدت بعض الرجال يسحبونها بعنف وهي تصرخ.
خرجت من السيارة بهلع، وركضت تجاههم وهم يرموها بالسيارة بعنف شديد.
عدت بأدراجي سريعًا إلى سيارتي مرة أخرى، وقمت بقيادتها وأنا أتبعهم بحرص شديد.
صُدمت حينما وجدتهم يقفون أمام منزل أبي الذي لم آتي إليه منذ سنوات طويلة.
ترجلت من السيارة بأنفاس متقطعة، وجدت أبي يخرج وهو يسحبها وهي تصرخ.
هرعت إليه سريعًا محاولًا إياه يبتعد عنها.
نظر إليّ بتوتر وحينها قال:
- زياد!
أكمل بنبرة توتر:
- أيه اللي جابك هنا؟
تأجج الغضب في عيني متجهًا إلى منة التي أمسكت يدي، ونظرات الاستغاثة تقفذ من عينها.
أحكمت قبضة يدي عليها وأنا أقول بقوة:
- بتعمل أيه بمنة؟ مش كفاية رافضك لجوازي منها، أنا خلاص بعدت عنك.
ثم استطردت بغضب أكثر:
- أنا أصلًا طول عمري بعيد عنك، وعن تحكماتك ومرضك ده.
قاطع حديثي صفعة صدرت منه على وجهي.
صرخت به بفزع، فأمسك هو يد منة وبجنون قال:
- ماتخافيش يا سعاد.
كان ينديها باسم والدتي! هرعت إليه، وأمسكت يدها فأزاحني بعنف، حتى سقطت أرضًا.
ثم أشار إلى رجاله فأمسكوني بأحكام، وأكمل هو بجنون:
- ومش هتتجوزها يا زياد، وهمنعك من جوزها بالعافية، ومابقاش أنا عمر لو أتجوزتها!
ثم اقترب من منة. وحاول الاعتداء عليها أمام عيني بدون أي اشفاق عليّ.
صرخت حتى كادت أحبالي الصوتية تنقطع، نهرت هؤلاء الرجال لكن دون جدوى.
صرخت منة وهي تدافع عن نفسها بآخر ذرة طاقة بها، دفعته بعنف، حتى وأخيرًا تملصت منه وركضت بقوة، وغفلت عن تلك السيارة التي أنتشلتها، لتصل إلى مآواها الأخير!
صدمت رأسي بالجدار العديد من المرات، وأنا أصرخ حتى دلف يحيى إليّ وسحبني، وحاول تهدئتي حتى ذهبت من شدة بكائي في النوم.
& بقلمي شيماء عثمان
.....................

تائه في عيون عوراء(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن