العشرون والأخير

1K 77 93
                                    

الفصل العشرون والأخير من رواية تائه في عيون عوراء.
كأن كآبة فصل الشتاء انتشلتني من نفسي، ونحن مازلنا في عرين الصيف!
كنت أجلس القرفصاء منكمشة وأنا أرتعش، أكاد أصاب بالعمى كثرة البكاء.
أتذكر نظرات خالد المرتعشة، أصاب التشتت كل خلايا تسكن جسدي. ماذا تعني نظراته؟ ولمَ أتى إلى هنا؟ كل شيء يشجع قنواتي الدمعية على أن تكون كثيرة الرماد!
كان الليل يغطي جوانب السماء، وكان القمر غير مكتمل، ولم يؤثر ضوءه، مازال الليل هو المُسيطر.
وجدت عماد وأنا أقف من الشرفة يخرج من سيارته مترنحًا.
علمت حينها أنه شرب ما يسكره، وكأن ارتكاب المعاصي شيء مُستباح كالمياة التي بلا صاحب.
ترنحه كان طاغي، خشى قلبي منه، ولجت إلى الغرفة من جديد، وأغمضت جفوني، ترجيت عيني أن تنام، لكن صوت صرير الباب قد أنتشلني من محاولاتي البائسة، وولج عماد الذي كان فاقد لعقله تمامًا.
قذف جسده على الفراش وهو يهزي بالكلمات، ابتعدت عنه بخوف، فتح عينيه بعد أن كان قد أطبق جفونه، اقترب مني بابتسامة خبيثة.
لو كنت قد تمنيت الموت من قبل فأنا الآن أشد المحتاجين إلى النيل من كأس فراق الدنيا.
ارتعشت بشدة، وكان صخب نحيبي يعلو في الأرجاء.
وكذلك كنت أخاف على شقيقتي الصغرى التي كانت تقبع في الغرفة المجاورة.
تشظى قلبي نحيبًا، كسعافي قد غطته النيران وتأكل في أرجائه بخبث!
اقترب مني أكثر، وباتت ملامحه مُخيفة إلى حد مُريب، فتحت باب الغرفة بيد من رماد، وركضت بنحيب، وبنظرات شجية. كنت بعقل فارغ تمامًا، وكان يحتل قلبي الرعب من منظر عماد الذي كان يركض ورائي بجنون.
وقفت أمام باب المنزل، ترددت كثيرًا، هل أقوم بفتحه؟ أم عليّ الخنوع له بطيب نفس يعصى عليها الاقتراب من ذلك الفظ.
كدت أموت في مستقري، وبلا تردد قمت بفتح الباب والركض. دموعي كانت تعبث بالرؤية، كانت الرؤية مهشمة، غامضة، كأن الغيوم ترصصت أمامي في صخب يبلي النفس بالسوء.
استمر في الركض ورائي، فزدت من سرعة أقدامي.
خرجت إلى الطريق الرئيسي، وكانت السيارات تسير بأعلى سرعة لها. لم يكن لي مناص سوى استكمال الركض، وأنا أعلم أنه بعقل مُغيب ومن الممكن أن يفعل بي أي شيء في عرض الطريق.
وفي حين ركضي توقفت أقدامي، حينما أنهال على مسمعي صرخات البعض، وعندما استمعت صوت العجلات تحتك بعنف في الطريق، ألتفت عنقي وجدت عماد سقط صريعًا إثر صدمة السيارة له!
& بقلمي شيماء عثمان
........................

ارتديت ملابس جيدة، وقمت بغسل وجهي جيدًا. لم أضع مساحيق التجميل، وكنت ارتعش من شدة التوتر.
قمت بالخروج، فوجدته في مقابلتي، جلست أمامه بعين تزوغ في أرجاء المنزل، داهمني صوته فرفعت رأسي له ثانيًا، ابتسم بهدوء، فبادلته ابتسامة سعيدة. حقا لم يخطر في عقلي أن يكون هو الذي بالخارج.
آتاني صوته وهو ينظر داخل عيني:
- أتمنى تكون المفاجأة عجبتك.
لم أهمل عقلي فرصة التفكير وأجبت سريعًا:
- طبعا عجبت...
أعدت كلماتي إلى جوفي، ونعتت تسرعي في الأمور الذي يجعلني دائمًا في مواقف محرجة. استمعت إلى ضحكاته، فلم أكبح ضحكاتي، وتبادلنا معًا.
تحدثنا في عدة مواضيع، واعترف فيها بأنه يريد إكمال ما تبقى من عمره معي، اقتربت إليه برأسي، ففعل مثلي، ثم قلت بنبرة خافتة:
- تعرف كان نفسي في أيه؟
عقد حاجبيه مستفهمًا، فأجابته بذات الخفوت:
- كان نفسي مثلا أكون مخطوفة، ومرفوع على راسي سلاح، وتروح أنت ظاهر كده مرة واحد، وتقتل كل المجرمين، وتروح قايل لي بحبك.
نظر إليّ بتعجب، ورجع برأسه إلى الخلف ثم قال بجدية:
- طب مبدأيًا كده عشان نكون على النور، مافيش شغل.
وقفت بغضب وعلت نبرة صوتي وأنا أقول:
- نعم يا اخويا! هو أيه ده اللي مافيش شغل؟
لا بقولك أيه ده سيد نفسه كان موافق على شغلي.
وقف بهدوء وهو يقول:
- طب تمام خلي سيد بقى ينفعك.
أجابته سريعًا:
- لا سيد أيه استهدى بالله كده وأعد، ده أنت لو طفشت أنت كمان أمي هتتعشى بيا المرادي.
جلس بهدوء، فأختلست النظرات إليه وأنا أقول:
- طب والله الست مالهاش غير بيت جوزها.
أكملت جملتي فاستمعت إلى زغاريبد والدتي تأتي من خلفي، يبدو أنها كانت تتلصص علينا!

تائه في عيون عوراء(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن