إلى سوقِ عُكاظ

349 52 71
                                    

لا أعلم متى حلّ الصّباح، كنتُ أشعرُ ببعضِ التّعب ولا زلتُ أتململُ في فراشي، سأضطرُّ للنّهوض كي ألحق بموعد الإفطار قبل انتهائه. فتحت عسليتَايّ بتثاقلٍ حتّى حسمتُ أمري ونهضتُ مقررًا الاستيقاظ، ممسّدًا على شعري الكستنائيّ بكفِّ يدي.

ما أجمل تناول الطّعام بعد حمّامٍ منعش! جيّد أنّني طلبتُ  كمّيةً مضاعفةً، طعام هذا الفندق لذيذ للغاية! ها قد أنهيتُ فطوري بل وتركتُ الأطباق فارغةً تمامًا، فنهضتُ أستعدّ للذّهاب في جولتي السّياحيّة الأولى في روما الجميلة، دسّيتُ مذكّرتي كعادتي وسط حقيبة ظهري، اتّجت نحو باب الغرفة باستعدادٍ حتّى انبثق نور ساطع من نوعٍ ما! ما الذي يحدث؟ صرخت هلعًا خائفًا، وما لبثت تعثّرت ووجدتُ نفسي وقعتُ في هاوية مجهولة.

 بعدها بلحظات قصيرة اختفى النّور الساطع فإذا بي أقف في صحراءِ مقفرّة تحت أشعة الشّمس المحرقة ومرتديًّا جلبابًا وعمامةً من طرازٍ قديم، تلفّتُ حولي بحِيرةٍ ثمّ بدأتُ أسلكُ طريقًا عشوائيًّا لا أدري لأين أذهب بي!

بعد فترة لا أعلم قدرها لكنّي لا زلتُ تحت سيطرة براثن الشّمس الحارقة، ها أنا ألمحُ مشارف مدينة أو ربمّا هي قبيلة… أهذا يعني أنّني انتقلت لزمن آخر؟ 

«إنّ هذا رائع جدًّا!» صحت محدّثًا نفسي ومتحمّسًا لخوض مغامرة من شكل مختلف أنا تقدّمت نحو هذه القبيلة متشوّقًا، فلا بأس بأن أستمتع قبل أن أستيقظ من هذا الحلم.

تحرّكتُ نحو ما أبصرته منذ قليل متمتمًا: «لا أدري في أيّ مكانٍ أو زمان، لكنّي الآن جائع للغاية وحتمًا سأجد ما يسدّ جوعي عندهم.»

أخرجتُ صورة والديّ من حقيبتي التي صارت كيسًا من القماش وقبّلتُ رأسيهما في الصّورة كعادتي؛ هكذا أستمدّ قوتي، بذكراهما.

دخلتُ هذه البلدة متجوّلًا محملقًا نحو من حولي محدّثًا نفسي: «يبدو من بساطة البيوت وهيئة الناس أنّنا في عصرٍ قديم، لكنّ في أيّ بلدةٍ يا ترى؟»

تطلعّتُ أمامي مُدّ بصري فأهدرتُ بحماسٍ: «إذن أنا في مكة وما أراه أمامي هي الكعبة  المشرفة! لكنّ... ما هذا الكمّ الهائل من الأصنام؟ أعتقد أنّي جئتُ في موسم الحج وفي العصر الجاهليّ!»

تنفّست براحةٍ وأكملتُ بانتشاءٍ: «إذن ضمنتُ طعامي!»

تحرّكت مسرعًا أبحث عن السّوق، فأنا لستُ قرشيًّا أو لديّ أيّ استعداد لأحجّ عريانًا! فسرتُ عشوائيًّا متردّدًا بشأن سؤال النّاس عن مكان السّوق.

لكنّي رأيتُ بعض موائد الطّعام لإطعام الحجاج فأسرعتُ منتشيًّا نحو إحداها ها قد وجدتُ بغيتي! جلستُ ثمّ أكلتُ بشراهتي المعهودة مثلما أكل الجميع بأيديهم، بعدها نهضتُ بتثاقلٍ خلف بعض النّاس وقد سمعتهم يتحدّثون بشأن اتّجاههم إلى سوق عكاظ لحضور مجلس الشّعر، خاصةً مع حضور نخبة مميّزة من الشّعراء وعلى رأسهم «النّابغة الذّبياني»

الرحالةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن