فتحتُ عيناي حين عبرتُ باب غرفتي مساءً، ووجدتُ نفسي أقف في باحة منزلٍ ما. ابتلعتُ غضبي وإحباطي مع الشّتائم التي أردتُ توجيهها لآلة الزّمن تلك. لقد كنتُ عائدًا من الخارج متعبًا، وأردت بعض النّوم فقط! حتى النور لا يظهر أثناء انتقالي ما حصل؟!
ولأننّي اعتدتُ الأمر قليلًا، جعلني ذلك أتنهّد باستسلامٍ -على الأقل معي حقيبتي- سمعتُ صوت خطواتٍ تقترب، فتحرّكتُ بسرعةٍ أختبئ خلف شجرةٍ قريبةٍ. ولمحتُ رجلين يعبران البوابة الخارجيّة، ويرتديان ثيابًا ترجع للقرن التّاسع عشر تقريبًا. ترى هل انتقلتُ إلى بريطانيا؟
-«هل سيحضر بوشكين في رأيكَ؟»
قال أحدهما، وأجابه الآخر: «تدري يا مايكل قيل لي أنه سيكون موجودًا. لكنَّي لستُ متأكدًا إنْ كان سيأتي في ظِل هذه الظّروف.»
فأجابه مايكل: «معكَ حقٌ، فالامبراطور نيكولا الأول يضيِّق على أمثالنا من المثقفين منذ قام بإجهاض ثورة الدّيسمبريين، خاصة ألكسندر بوشكين الَّذي لمْ يكنْ ليصمتَ عن شيءٍ كهذا.»
هل قالا بوشكين؟ أيقصدان الكاتب الرّوسي؟! إذا كان ذلك صحيحًا فأنا بالتّالي لستُ في بريطانيا، وإنما في روسيا!
شعرتُ بالحماس الشّديد من الفكرة، فقد أتمكنُ من رؤية دوستويفسكي الَّذي تملأ اقتباساته جلَّ حوائط تطبيقات التّواصل الاجتماعي، رغم أنَّها لا تعود إليه في الحقيقة!
فكرتُ لوهلةٍ إنْ كان عليّ أنْ أتبعَ الرّجلين إلى الدّاخل أم أتجوّلُ في الخارج قليلًا. لكن، حين انتبهتُ إلى ثيابي قررتُ المغادرة، فلستُ أرغبُ بلفت انتباه أحد بمظهري هذا. فقد كنتُ أرتدي بنطالًا من الجينز، وقميصًا أبيض، وسترة سوداء، وهذه حتما ليستْ ثيابًا شائعةً في هذا العصر، لماذا لم تتبدل ثيابي كما حصل في المرة السابقة؟
توجّهتُ صوبَ المخرج. لكن قابلني عند البوابة رجلٌ بلحيةٍ غير مكتملةٍ، يرتدي بذلة سوداء وقبعةً دائريةً.
نظر إلي متفحصًا مِن الأعلى إلى الأسفل، كان يبدو متعجبًا. نزع قبعته وقربها من صدره وسأل بدهشةٍ: «مَن أنتَ أيُّها السّيد المحترم؟»
ازدردتُ ريقي بقلقٍ، وبحثتُ عَن جوابٍ مناسبٍ أصرح به: «مرحبًا يا سيدي. إنّني مسافرٌ وقد تهتُ بينما أتجوّلُ في المدينة.»
هزّ الرّجل رأسه، واختفى التّعجب ليحلّ مكانه التّفهم وتحدّث: «إنَّها لمصادفةٌ عجيبةٌ دون شكِّ. لكن، بما أنَّ القدر قد ساقكَ إلى هنا فما رأيكَ أنْ تكونَ ضيفنا؟»
تمتم بشيءٍ مِن الحماس، ثمَّ مد يده إليّ معرّفًا عن نفسه: «اسمي ألكسندر بالمناسبة، ألكسندر بوشكين.»
تصنّمتُ في مكاني لثوانٍ، أحدقُ في الرجل، وفي يده قبل أنْ أصافحه بتوترٍ مجيبًا: «إنّه لشرف لي مقابلتكَ يا سيدي. لقد سمعتُ الكثير عنكَ!»
أنت تقرأ
الرحالة
Nonfiksiحَملْنَا دفترًا كان قد وقعَ علينَا، كُتب فيه تاريخ الأدب من بلدانٍ عدّة، كُتّاب وثقافَاتٌ جديدة، هل قرأتم قليلًا من الأدب الروسي؟ أو اليابانيّ! ولربمَا يكون المغربيّ أبهى! في كتَاب الرحّالة ضع خريطةً أمامك لترى إلى أي أدبٍ سيقودك.