الفصل العاشر: أُمسيةٌ في المدينة العائمة.
«أين وضعتُ ذلكَ القلم؟» دارتْ عينيَّ حولَ مكتبي المبعثرِ بسرعةٍ، توقّفَتُ حين سطع الضّوء الساطع فجأةً أسترجعُ روايةً قد قرأتُها ذاتَ يومٍ متناسيًا القلمَ الذي كنتُ أبحثُ عنه منذ لحظة. فقُلتُ مخاطبًا نفسي: «أودُّ مقابلةَ تشارلز ديكنز، إذًا إنجلترا هذه المرّة.»
بسرعة حملتُ معي حقيبتي التي كنت قد جهّزتها مزوّدةً بمذكّرتي العزيزة وأقلامي وكشّافًا للحالات الطّارئة، أغمضتُ عينيّ بقوةٍ متأمّلًا أن تحطّ بي الرّحلةُ في المكانِ الذي أريده وبالكاد كنت قد تمكّنت من التقاط الحقيبة قبل أن أجد نفسي قد دُفعتُ نحو الماء، توسّعت عيناي المغمضتان بشدّةٍ فإذا بي لا أكاد أفرزُ شيئًا من الظّلامِ حولي سوى عن بعضِ المصابيح ذات الضّوء الخافت، اضطرب تنفّسي لأفقدُ التّركيز لثوانٍ قبلَ أن يعود بصري نحو المكان الذي سقطتُ منه أولَ مرّةٍ، لأجد جسمًا معتمًا واقفًا يراقبني! زادَ تسارع أنفاسي بهلعٍ وتشوّش مرتبكًا غير مستوعبًا لما يجري، فقد ظننّتُه وحشًا بسبب نُحفِ جزئه العلوي وضخامةِ السّفلي، فغرقتُ فعلًا هذه المرّة، ودون طلبِ المساعدة كذلك.
بدا أنّني قد انتقلت بالفعل وألقت بي البوّابة في المياه وهناك شخص غريب يحدّق بي من فوق جسر ما، وبدا أنّها فتاة.
أمّا عن الواقفة على النّاصية الخشبيّة تأففت بحنقٍ من ذلك المعتوه أمامها، قلّبت بصرها عدّة مراتٍ منتظرةً إجادتي للسّباحة، فمَن الأحمق الذي يعيش بالمدينةِ العائمة ولا يستطيعُ العوم؟!
توسّعت عيناها بصدمةٍ عند رؤيتي أغرق، لكنّها ظلّت واقفةً لثواني كأنّها تجازيني بسبب وقوعي عليها، نزعتْ ملابسها العُلويةَ بسرعة، ثمّ غطست في مكان غرقي تخرجني، فلمْ أكن بالثّقيل ليصعب عليها إخراجي، ارتدت ملابسها العلوية مسرعةً لتعود نحوي محاولةً إيقاظي: «أيهّا الأرعن! استيقظ.»
كنتُ أظنُّ أنّي فقدتُ وعيي، لكنّ اتّضح لي أنّه الواقع، فجلستُ على مهلٍ بينما أسعلُ بقوةٍ بسببِ ابتلاعي بعض الماء، رفعتُ رأسي مرتعبًا لأقابل الوحش -حسبَ ادّعائي- ممّا جعلني أقفز بفزعٍ ساقطًا في الماءِ مجدّدًا، فأخرجت تلك الواقفة صرخةً حانقةً قبل أن تنحني مادّةً يدها نحوي فيبدو أنّي قدْ أفسدتُ خلوتها وتسببتُ ببللِ بعض أوراقها بسبب حماقتي التي أدركتُها.
ساعدتني في الخروج من الماء لترى اصطكاك أسناني جراء برودةِ الجو، رفعتْ فانوسها أمامي قائلةً: «ألن تعتذر بسبب سقوطك عليّ؟ وتشكرني لإنقاذك؟»
فتلعثمتُ ثمّ التفتُّ جانبًا قائلًا: «شُكرًا لكِ، ولكنّ هلّا أخبرتِني أين أنَا الآن فقد أضعتُ طريقي؟»
تفحّصتني بنظراتها قبلَ أن تسترسلَ بتأنٍّ وفضولٍ مكبوت: «هل صادفتُ أحمقًا ومعتوهًا مريضًا ليقطع خلوةَ كتابتي بحماقته؟ ثيابك لا تُظهرُ كونكَ متشرّدًا!»
أنت تقرأ
الرحالة
Nonfiksiحَملْنَا دفترًا كان قد وقعَ علينَا، كُتب فيه تاريخ الأدب من بلدانٍ عدّة، كُتّاب وثقافَاتٌ جديدة، هل قرأتم قليلًا من الأدب الروسي؟ أو اليابانيّ! ولربمَا يكون المغربيّ أبهى! في كتَاب الرحّالة ضع خريطةً أمامك لترى إلى أي أدبٍ سيقودك.