من أرض الكنانة
استلقيتُ على الأريكة اليوم مقرّرًا ألّا أسافر، اجتاحتني موجة من التّعب والكسل من حيث لا أدري.
وبالطّبعِ ليس كلّ ما نقرّره يحدث! كانت نيتي العبور من أمام الجهاز المرئي بعد أن ارتديتُ ملابس نومي، وِجهتي كانت الشّرفة، رؤية السّماء تتخللها النّجوم قبلَ النّومِ مريحًا لنفسي.
وما أن صرتُ أمام بابِها حتی شعرتُ بمجالٍ مغناطيسيٍّ كبير، فجوة سوداء تسحبني بقوة حيث المجهول! حينها عرفت أن سفري لن يكون حسب رغبتي بل حسب رغبة آلة الزمن البلهاء.ضممتُ يدي إلى صدري خوفًا وأصدرتُ صوتًا متألّمًا، من بين كل الأوضاع لمَ بحقِّ اللّه أسقطُ على مؤخرتي بقوةٍ؟ هذا مؤلم جدًا! نظرتُ حولي بفزعٍ بعد أن قلَّ الألم، أجدني في ساحة كبيرة في وسطها مبنى صغير مكشوفًا بهيئةِ مربع وفوقه قبّة، وأحاطت بنا ساحة كبيرة وبناء كالسّور يفصلنا عن الخارج، سرتُ متوجّهًا إلى داخل المبنى المربع ووجدتُ مكان الوضوء، إذًا هو جامع!
-«من أنت؟» صوتٌ ما صدح فجأة في الأرجاء جعلني أفزع في مكاني، من أين أتى فجأة؟ وجّهتُ نظري حيث الصّوت ورأيتُ فتاة شابة صغيرة بملامحٍ مريحة.
- «أنا أدهم» قلتُ ببساطةٍ بينما أحاول الاعتدال في وقفتي. توقّعتُ ردّة فعل مرحبة لكنّها ظلت محملقةً فيّ، تنظر إليّ من رأسي إلى أخمص قدمي بنظراتٍ تفحّص أربكتني، هل هي مجنونة؟ ربما هي منحرفة وأُعجبت بجمالي؟ شعر كستنائي وعينان عسليتان وطويل القامة، لها الحق بأن تعجب بي بكلِّ تأكيد!
لكنّنا بمسجد، لا يجب أن تفكر بهذه الطريقة.
-«ومن أين أنت؟» تساءلت من جديد مقتطعةً سلسلة أفكاري، سؤال بديهي، ثمّ أكملت معللة بتعجّب: «ملابسك تبدو غريبة!» مما جعلني أنظر سريعًا إلى ملابسي.
- «إلهي!» قلتُ صافعًا جبيني، أنا الآن أرتدي (منامة) باللون الأزرق وعليها رسومات كرتونية! ألا يمكن للأرض أن تبتلعني؟ فقلتُ متحججًا: «أنا أعيش في الخارج وأتيت هنا للسّياحة.» هي لن تعلم أنني أكذب، صحيح؟
-«إذًا مرحبًا بك أنا فاطمة ابنة أكبر الشّيوخ هنا، يمكنك أن تسألني عن أي شيء هنا» قالتها مرحّبة وابتسمت بشكلٍ مريحٍ.
فسألتها بتسرّعٍ: «أين أنا؟»
صاحت مصدومة: «ماذا؟ ألا تعلم أين أنت!» وحينها تداركت الموقف قائلًا: «لقد ضللتُ الطّريق!»
-«فهمتُ، حسنًا أنت هنا في ساحة جامع يعدُّ من أكبر جوامع مصر، جامع ابن طولون.» قالتها بفخرٍ كبير جعلني أشك بأن والدها يكون أحمد بن طولون نفسه!
تمتمتُ داخلي مصر! إذًا أنا في مصر وتحديدًا في جامع ابن طولون، السّعادة تغمرني الآن لمعرفتي أين أنا! فحدّثتُ نفسي بصوتٍ خافت: «أريدُ أن أبني مسجدًا إذا غرقت مصر بقى، وإذا احترقت بقى، ويكون من مالٍ حلال.» ظننتُ أنّها لن تسمعه.
أنت تقرأ
الرحالة
Saggisticaحَملْنَا دفترًا كان قد وقعَ علينَا، كُتب فيه تاريخ الأدب من بلدانٍ عدّة، كُتّاب وثقافَاتٌ جديدة، هل قرأتم قليلًا من الأدب الروسي؟ أو اليابانيّ! ولربمَا يكون المغربيّ أبهى! في كتَاب الرحّالة ضع خريطةً أمامك لترى إلى أي أدبٍ سيقودك.