في زقاق كبير أجلسُ أنا لا حول لي ولا قوة، لا أعلم حتى لِمَ أو كيف أنا هنا، وقفتُ باعتدالٍ أنظر حولي فوجدت بابًا صغيرًا نقرتُ عليه يمكن أن يكون هناك أحد للمساعدة أو شيء من هذا القبيل.لم يرد أحد، نقرتُ مرة أخرى فوجدت أن الباب يفتحُ وحده، فقط من لمستِي للبابِ النّصفِ مفتوح شعرتُ بشيءٍ يجذبني للدّاخل وأشعر أنّني أهوِي من فوق شيءٍ عالٍ.
استقمتُ مرة أخرى وتفقّدت حاجاتي بجيوبي و... لحظة! ما هذا؟ إنّني أرتدي بذلة فيكتورية التّصميم، وبها جيب داخلي به دفتري وهاتفي أيضًا! يا ترى أين أنا؟فكّرتُ في أنْ أسير خارج الزّقاق الجديد الذي دخلت فيه للتو، ووجدتُ بعض المنشورات تحوم حولي عن قاتل متسلسلٍ مجهول الهوية، ورائحةُ الشّاي تفوح من كل مكان، الحناطير يركبها ناس تعتلي رؤوسهم قبعات وطرابيش.
وجدتُ مكتبةً صغيرة فيها كتاب اسمه (فصول في النقد، لماثيو آرنولد.)
وهذا ما أبحث عنه يا صديق، ابتسمتُ ابتسامتي المعهودة وعندما أمسكت بالكتاب وجدتني أنقلب رأسًا على عقب لأجدني بعدها على طاولةٍ وحولي بعض الخدم يتحدثون الإنجليزية باللكنة البريطانية الثّقيلة، إذًا عرفت أين أنا، أنا ببريطانيا، يا إلهي كم هذا مشوق لجلوسي مع بشر يتحدثون بهذه اللكنة الثّقيلة القديمة!بدأ الّذي ينادون بـ izenovia بتوجيه الكلام إليّ عندما رآني ألتفت محتارًا وقال لي: «السّيد ماثيو آرنولد سيأتي لسيادتك الآن.»
نظرتُ له ببعض التّشتت وقلتُ له: «سأنتظره إذًا، ولكن أعذرني، ألا يوجد طعام بوقت الرّاحة؟»
نظر لي باستهجان وقال: «حقًا؟ لقد جئت متأخرًا يا سيد، وللأسف، لا يوجد طعام للمتأخرين.»
نظرت له بحزنٍ شديدٍ واستياء يدلان على مدى جوعي ولكنّه لم يهتز، بدأ جميع الخدم بضبط ملابسهم والوقوف بهندام عندما دخل رجل مهيب المنظر المجلس وجلس على كرسي أمامي فخرج الخدم وقال: «أنت من أتى لكتابة ما أقول لكتابي؟»
نظرتُ له بحيرة قليلًا من ثم... هل- هل هذا يعني أن الكتاب الأم لم يكتب بعد؟ هذا يعني أن المعلومات عن النّقد بداخله يمكنني سؤاله عنها الآن؟ يا إلهي! إنها نعمة كبيرة الآن.
حمحمتُ وقلتُ له بمزاحٍ سخيف: «أجل بالطّبع، إنه أنا، ومن سيكون سواي؟ ولكن، هل يمكنني أن أسألك عن رأيك بالنّقد وكيف تراه أولًا ثم نبدأ بكتابة الكتاب كاملًا؟»، فقال لي: «لا يوجد ما يمنعني أن ما ستكتبه وتنقله بالكتاب لاحقًا.»، فأكدتُ له أنّني سأنقل ما يقوله للكتاب بكلِّ تأكيدٍ فبدأ...
«النـّقـد في رأيي بمعناه الـواسـع هـو فـي جوهَرِه محاولة معرفة أحسن ما يعرفه النّاس، وخير فكر في العالم، بغير نظر إلى النّاحية العملية والسّياسية ومـا إلى ذلك من هذا القبيل.
وأعيب معاصريني على أنّهم لا ينسون الاعتبارات العملية والأهداف السّياسية عند اقترابهم من الأفكار، ومحاولة وزنها وتقديرها.»
أنت تقرأ
الرحالة
Non-Fictionحَملْنَا دفترًا كان قد وقعَ علينَا، كُتب فيه تاريخ الأدب من بلدانٍ عدّة، كُتّاب وثقافَاتٌ جديدة، هل قرأتم قليلًا من الأدب الروسي؟ أو اليابانيّ! ولربمَا يكون المغربيّ أبهى! في كتَاب الرحّالة ضع خريطةً أمامك لترى إلى أي أدبٍ سيقودك.