تحرّك أدهم ناويًّا الذّهاب إلى مطعم الفندق استجابةً إلى جوعه، محاولًا التّغلب على إرهاقه النّاتج من العمل، وحظّه حقًا بائس؛ فقد وجد نفسه فجأةً يتنقل بالنور من باب غرفته لبوابة مقهى ما، عليه حقًا أن يعتاد الأمر إلّا أنّه لم يكن مبتهجًا كثيرًا؛ والسّبب كما قلت، الجوع.
لا يظن أنّه قد عاد كثيرًا في الزّمن؛ فالفتيات اللّاتي مررن جانبه الآن تعود ملابسهن إلى حوالي القرن التّاسع عشر، أي منذ قرنين.
حاول أن يلقي سمعه على المتحدثين ونجح هذه المرة بمعرفة اللّغة ففرح مرتين؛ لمعرفته اللغة وتحقق حُلمه بالذهاب إلى فرنسا، ولا بأس لديه إن كان الزّمن مختلفًا فهي لا تزال فرنسا.
تجوّل في المنطقة بينما لا يفهم ولا يعرف أين هو بالضّبط، ويبدو أن حيرته أتت بمنافعها عندما اقترب منه شابٌ وكان ظنَّ الشاب صحيحًا في أنه سائح، وبالطبع لن يخبره أنّه متجول دخل بلده عن طريق باب سحري!
تبادل أدهم معه حديثًا عرف فيه كوّنه من هواة الأدب وأنه طالب لدى «إميل فرانسوا زولا» الكاتب والروائي الفرنسي المؤثر يمثل أهم نموذج للمدرسة الأدبية التي تتبع الطّبعانية، وهي التي تتبع الطبع الإنساني، وكان مساهمًا هامًّا في تطوير المسرحية الطّبيعية، وشخصية هامة في المجالات السّياسية وبخاصّةٍ في تحرير فرنسا كمساهم في تبرئة من اتهم «زورا وأدين.»
لذا أخبره أدهم أنّه مهتمُُ بالأدب وتاريخه والكُتّاب البارزين كمعلمهِ وهنا حصل على فرصةٍ رائعة، عرض عليه الذهاب معه حيث منزل معلمهِ، وقد وافق بالطّبع فلا وقت للخجل.
وصلا إلى بيتٍ صغير ومن طراز القرن العشرين، بدا صاحبه فارهًا قليلًا، دخلا إلى المنزل أدهم والشاب لويس في الصّالة حيث كان هناك رجلٌ في منتصف العمر يجلس على كرسيه ويقرأ كتابًا ما.
-«سيد إميل!» نادى لويس الرّجل فالتفت إليهما. تفحّص أدهم باستغراب ولم يتسائل أدهم عنها؛ فهو أعلم بهيئته غير الفرنسية أبدًا، وأخبره لويس أنّ أدهم يودّ التّعرف أكثر على التّاريخ الأدبي في فرنسا.
-«حسنًا، سيد؟» قال السّيد إميل، وهنا تقدّم أدهم ليُعرف عن نفسه، وسأله عن المكان الذي أتى منه، فأجابه بأنّه من إحدى دول أفريقيا بصدق كعندما قابلت ألكسندر بوشكين في رحلته إلى روسيا لأن هيئته الأفريقية واضحة ومعروفة للفرنسيين.
رحّب إميل بأدهم ثم باشر بحديثه: «لنبدأ ببدايةِ الأدب في فرنسا، بدأ الأدب الفرنسي في القرن التّاسع الميلادي، خلال العصور الوسطى، وكان الشّعر يطغى عليه، و بالتّدريج برز نوعان من الشّعر، أولهما الشّعر الغنائي الشبيه بالغناء من اللحن والقافية والذي ازدهر بين القرنين الثّاني عشر والخامس عشر الميلاديين، والثّاني هو الشّعر القصصي الذي يشتمل على أربعةِ أنماطٍ مهمة، منها القصائد الملحمية، التي تسرد حكايات عن الحروب والأعمال البطولية، وأشهرها أغنية رولان في القرن الثّاني عشر الميلادي.
أنت تقرأ
الرحالة
No Ficciónحَملْنَا دفترًا كان قد وقعَ علينَا، كُتب فيه تاريخ الأدب من بلدانٍ عدّة، كُتّاب وثقافَاتٌ جديدة، هل قرأتم قليلًا من الأدب الروسي؟ أو اليابانيّ! ولربمَا يكون المغربيّ أبهى! في كتَاب الرحّالة ضع خريطةً أمامك لترى إلى أي أدبٍ سيقودك.