الجزء 05

2.1K 75 2
                                    

تراها كيف عساها تمر هذه الليلة بسوادها الداكن  على نيفين التي تحترق أوصالها شاعرة بالذنب ومدركة بشاعة ما قامت بفعله. فهي رغم قسوتها إلا أنها لم تكن يوما ظالمة فربما برع الزمان في تغيير ملامحها وحولها إلى فتاة قاسية من الخارج  ، لكنه  عجز كل العجز أن يمسس روحها الطيبة بسوء أو يقتل ضميرها.
حل صباح يوم جديد قامت فيه نيفين من نومها مسرعة، أخذت حمام وغيرت ثيابها وركبت سيارتها متوجهة نحو الشركة وكل ما يشغلها تلك الملاك التي أصبحت شغلها الشاغل  ، وصلت نيفين إلى الشركة ودخلت مكتب ملاك لكنها لم تجدها أصابها شيء من الإحباط فخرجت متجهة لمكتب سارة لكي تستفسر عن سبب غياب ملاك  والتي أخبرتها أن ملاك متعبة قليلا لذلك لم تأتي.
أخذت نيفين عنوان بيت ملاك من سارة وركبت سيارتها متوجهة للعنوان وما أن وصلت حتى بدأت دقات قلبها تتسارع دقت الجرس العديد من المرات ليفتح الباب أخيرا تستقر عيون نيفين  على عيون ملاك تلك العيون البنية التي أدمنت نيفين النظر إليها تتبادلان النظرات بوله وقبل أن تنطق ملاك بحرف تنقض نيفين على شفتيها لترتوي منها وتطفئ  نارا إشتعلت بداخلها تقف ملاك بصدمة مثل التمثال أما نيفين فتدخل للبيت وتقوم بغلق الباب وتسحب ملاك لحضنها وتبدأ بتقبيلها بنهم كأنها تثبت ملكيتها لجسد ملاك عن طريق قبلاتها. تصحو نيفين أخيرا من خيالها الشاسع وحلمها الجميل على صوت ملاك :آنسة نيفين؟؟ تبتسم نيفين لأول مرة بلطف قائلة : احم ألن تسمحي لي بالدخول؟؟لترد عليها ملاك: طبعا تفضلي تدخل نيفين البيت وتجلس مقابلة لملاك  ثم تبدأ بتحسس وجه ملاك بأناملها  مكان الصفعة وتهمس لها أنا حقا آسفة،  تكتفي ملاك بهز رأسها كأن الحروف قد خانتها فلم تعد تقوى على الكلام تبتسم نيفين وتقوم بطبع قبلة على خد ملاك  كأنها تعالج آثار تلك الصفعة بقبلة منها  يحل صمت رهيب بينها لتخترقه نيفين قائلة : اممممم أنا ضيفة ببيتك ألن تقومي بدعوتي على فنجان قهوة؟ لترد عليها ملاك بإبتسامة: بالتأكيد دقيقتان وستكون القهوة جاهزة تذهب ملاك لإعداد القهوة  وماهي إلا لحظات وتأتي  حاملة فنجانين من القهوة فتضع واحد أمام نيفين وتأخذ هي الثاني؛ تشرب نيفين فنجان القهوة  وتهم بالمغادرة مودعة ملاك  بإبتسامة لطيفة والتي نست كيف تبتسمها منذ وقت طويل، تركب سيارتها عائدة للشركة وهي تفكر في تلك القبلة التي كانت تتخيل أنها حدثت بينها وبين ملاك ثم تنفض عنها هذه الأفكار مرددة:  تبا مالذي يحدث لي لما أصبحت أتخيل هذه الأشياء لم أصبحت ملاك تشغل تفكيري  ثم تضع يدها على قلبها والذي قد تسارعت نبضاته وتهمس بحزن: إياك أن تفعلها مجددا لقد تعاهدنا أن لا نقع في الحب من جديد ثم ترفع رأسها بشموخ وكبرياء قائلة: الحب للضعفاء ونيفين لم تخلق يوما لتكون ضعيفة.
في جهة أخرى تجلس ملاك في شرود تام وكأنها قد عزلت عن كل هذا العالم شيء واحد فقط يشغلها وسؤال يطرح نفسه في ذهنها: كيف لتلك القاسية أن تلين؟ هل حقا تلك التي كانت تحدثني بلطف منذ قليل هي نفس التي تسببت في بكائي بالأمس؟  ثم تضع ملاك أناملها على خدها مكان قبلة نيفين فتتحسسها وتبتسم هامسة: أحببتها 
تمسك ملاك هاتفها وتتصل على سارة لتسرد لها كل ما حدث معها وهي في قمة السعادة والإبتهاج، لتصغي لها صديقتها بإهتمام ثم تسألها: ملاك ما أفكر فيه غير صحيح أليس كذلك؟ تصمت ملاك قليلا ثم ترد عليها: لقد أحببتها  .
تصرخ سارة قائلة: ملااااك كفاكي حماقة بحق الجحيم لا تتهوري، أنتي تحكمين على نفسك بالهلاك كيف تقعين بحبها وأنتي تعلمين ما مدى قسوتها  صدقيني الحب من طرف واحد أشبه بالموت البطيء.
ترد ملاك بصوت حزين: لقد فات الأوان يا سارة.
في اليوم الموالي تعود ملاك لعملها وهي في قمة السعادة كأنها اشتاقت لتلك المرأة المتمردة  فقد أحبتها بقسوتها وكبريائها  تجلس ملاك على كرسيها وتبدأ بالدوران به وهي تبتسم ثم ترفع أقدامها فوق المكتب ممسكة بهاتفها بين يديها تقلب فيه  تبتسم نيفين والتي كانت تراقب حركات ملاك الطفولية ثم تخفي ابتسامتها خلف قناع البرود لتقف قرب ملاك والتي لم تنتبه عليها ثم تقول: آنسة ملاك هلا اعتدلتي في جلستك، تنزل ملاك أقدامها وتقف في توتر فيتحول وجهها للون الأحمر وتحاول أن تتحدث لكن يوقفها صوت نيفين وهي تقول ببرود : آخر تحذير أوجهه لكي المكتب للعمل  وليس للاستلقاء عليه  تقترب بوجهها أكثر وتطيل النظر في عيني ملاك وتكمل القول: هل تفهمين؟  ترتبك ملاك أكثر من قرب نيفين حتى كاد يغمى عليها وتقول: حاضر،  تدخل نيفين مكتبها بعد أن تطلب من ملاك أن تأتيها بقهوتها الصباحية.
تمر اللحظات وتأتي فتاة ثلاثينية شقراء طويلة القامة تضع نظارات سوداء تخفي ملامح عينيها لمكتب ملاك لتحدثها بعجرفة: أخبري نيفين أني أرغب في مقابلتها
ترد ملاك بتأفف ظنا منها أن الفتاة لن تسمعها:  ليس وقتك الآن.  ثم تصمت قليلا و تقول: من أنتي لأخبرها أنكي ترغبين في مقابلتها
يحمر وجه ناتاشا من شدة الغضب  وترد على ملاك بغرور: أخبريها أن ناتاشا ترغب في رؤيتها.
تتصل ملاك على نيفين  وتخبرها فتخرج نيفين مسرعة وعلامات السرور بادية عليها لترتمي ناتاشا في حضن نيفين: لقد إشتقت لكي يا نيفو لقد مر زمن طويل على لقائنا آخر مرة  لكنكي إزددتي جمالا.
تلحظ نيفين نظرات ملاك النارية وعبوس وجهها فتستغل الفرصة وتبادل ناتاشا الأحضان قائلة: لست أجمل منكي يا عزيزتي لازلتي فائقة الجمال كما عهدتك دوما.
تستشيط ملاك غضبا وقهرا كأنها ترغب في تقطيع ناتاشا إلى أشلاء ورميها في مكب القمامة.
تدخل نيفين برفقة ناتاشا إلى مكتبها بعد أن تطلب من ملاك أن تحضر لهما كأسين من العصير، لحظات وتدخل ملاك حاملة الكأسين  تضعهم فوق المكتب وترمق نيفين بنظرات حارقة كلها غيرة وتخرج، تشعر نيفين بالسعادة لأنها باتت تدرك أن ملاك تغار عليها  في هذه الأثناء تقترب ناتاشا من نيفين محاولة تقبيلها هامسة لها:  لقد اشتقت لكي حبيبتي لتبعد نيفين  وجهها  محاولة التملص من ناتاشا والتي يبدو أنها لا تنوي أن تجعل هذه اللحظات تمر بسلام ترد ناتاشا على نيفين بتأفف: حسنا لا تخافي لن أقوم بإغتصابك ثم تقوم بمباغتها وتقبلها من شفتيها،  في هذه الأثناء تدخل ملاك لتنصدم من هذا المنظر وتقف كالصنم بعيون متسعة وشفاه مفتوحة.
تبعد نيفين ناتاشا عنها بعد أن تداركت الموقف لكنها تكتم غضبها عندما رأت ملاك والتي توحي ملامحها بالغيرة فتستغل نيفين الفرصة وتمسك يد ناتاشا  ثم تتحد قائلة:  ملاك ماذا هناك؟  ترد عليها ملاك بعبوس وملامح غاضبة:  إتصل السيد عصام ليذكرك بموعد الإجتماع هذا المساء وطلب مني أن أبلغك أن العرض الخاص بالشركة قد أعجب المستثمرين  ، ترد عليها نيفين:  جيد جدا يمكنك الإنصارف  .
تخرج ملاك  وهي في قمة الغضب ونبضات قلبها تكاد تخترق صدرها حزنا وأسى على ما رأته عيناها ثم تهمس:  إذن هذه هي حبيبتها  تبتسم إبتسامة ساخرة وتردد:  وماذا كنت أتوقع غير ذلك أن تحب فتاة بائسة مثلي.
تمسك ملاك ورقة وتشرد قليلا وتبدأ أناملها بالكتابة بعد أن غاب فكرها عن الوعي «تعثرت بكي عندما كنت أسير في الظلام لم تكوني حجرا لا بل كنتي جوهرة أغنتني عن جميع العالم جئتي في لحظة رفضت فيها الحب فأحببتك أكثر من اللازم كنت أحتفظ بك مثل السر بقلبي ولا أبوح بكي  لأحد لكن قسوتك كانت تفوق قدرة تحملي بأضعاف، أبثك حبا وشوقا فتصدينه ببرود حارق قاتل، كان برودك مسلط على قلبي مثل الصوط يترك ندوب وجروح، لحظة أحببتك لم أنتظر أن تحبيني ولم أطلب أن تبادليني الشعور فقط تمنيت أن أحظى قربك بقليل من السلام  أحببتك وبقدر ما أحببتك أتاني منكي الوجع»
في فترة راحة تأتي سارة وميار لمكتب ملاك فيقومان بسحبها. تخرج معهم بعد أن قامت برمي الورقة تحت المكتب،  أما نيفين فبمجرد خروج ملاك من مكتبها حتى صرخت بوجه ناتاشا: إياكي أن تفعلي ذلك ثانية هل تفهمين إن تكرر الأمر مجددا إعتبري أن صداقتنا قد إنتهت.
تستوقفها ناتاشا قائلة: حسنا إهدئي أنا آسفة لن يتكرر هذا ثانية أعتذر.
تدير نيفين كرسيها للجهة الاخرى وتقول لناتاشا : حسنا يمكنكي أن تذهبي الآن فأنا لدي اجتماع بعد قليل وأنا الآن جد مشغولة لذلك أعتذر منكي
تبتسم ناتاشا بخبث وتقول: حسنا سأذهب الآن لكن سأستدعيكي يوم اخر  لنشرب قهوة معا في مكاننا المعتاد، تكتفي نيفين بإبتسامة باردة متصنعة فترحل ناتاشا لتبقى نيفين وحدها وتبدأ في التفكير بملاك التي لاحظت على ملامحها الغيرة ثم تهمس:  أيعقل أنها تغار عليا  ؟  هل تراها تبادلني نفس الشعور؟  لا لا يمكن ذلك  يبدو أنني أنا من يتوهم ذلك.  تنفض نيفين عنها هذه الأفكار وتخرج من مكتبها تقف في مكتب ملاك تنحني حاملة تلك الورقة الواقعة تحت المكتب وتبدأ بقراءة ماكتب عليها، تتزايد نبضات قلبها وترتجف أطرافها بكل حرف تقرأه ينبض قلبها ألف نبضة معلنا استسلامه تضع نيفين قبلة دافئة على الورقة ثم تطويها وتخبأها في جيبها وتخرج.

أحببتها في إنتقاميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن