كان مستلقٍ على قدمها اليمنى بأريحية، تعبث بشعره وهي تشاهد التلفاز، أنيسها الوحيد في هذا المنزل.. سمعا دقات بالباب، أعتدل كلاهما وهما يطالعان بعضهما بتساؤل.... - لا تذهب، لاتفتح.. - لماذا؟! - انتظر قليلاً، سيمل الطارق الدق ويذهب من تلقاء نفسه. - ربما كان أحداً مهماً.. تطلعت "مريم" إلى ساعتها، الساعة الآن الثامنة مساءاً، نظرت لأخيها بتردد، هزّ رأسه بأن أطمأني... ابتسمت في وجهه، باتت تعتمد عليه الآن، أصبح هذا الصغير في عينيها رجلاً يُحسسها بالأمان، حتى أسلوبه معها تغير، بات وديعاً ونادراً ما يطلب شيء مستحيل منها.... نهض من مكانه، أستوقفته قائلة: - لا تفتح إلا بعد أن تتأكد من هوية القادم. هزّ رأسه بصمت من جديد ودلف. راقبت طيفه الغادي، وعادت لتتابع التلفاز ولكن بقلق!!! أطلّت "أم محمود"، أستغربت من قدومها، فهي عادةً لا تمر إلا في أوقات الظهيرة لتتفقد أحوالها... رحبت بها بحرارة، لا يهم، على الأقل ستجد من تخاطبه!! - كيف حالكِ الآن يا ابنتي؟ - الحمدلله، أفضل حالاً. - الحمدلله. ثم أخذت تتطلع لأحمد وكأنها تتردد في قول شئٍ ما. "- أحمد" أنتظرني في الغرفة سأعود بعد قليل. - حاضر. دلف وهو يحدج الجارة بنظرة غيظ. عادت لتبتسم من جديد وهي تلملم عباءتها في حضنها، ذكرتها هذه الحركة بوالدتها رحمها الله.... - اسمعي يا ابنتي أتيتك في موضوع خاص. أنتابها القلق من لهجتها الجادة: - خير؟! تفضلي.. - إن شاء الله خير. …………………………- - في الحقيقة، لقد جئت لأخطبك لإبني "محمود". تطلعت "مريم" لها بدهشة وذهول، بدت وكأنها غير مستوعبة. - محمود!!!! - أجل، لو تعلمين كم هو معجب بك و بأخلاقك و شجاعتك، لا يفتأ يذكرك يومياً أمامنا. ………………….- - ها ماذا قلتِ؟! - أقولُ ماذا؟! - موافقة بالتأكيد!!! - لكن أليس متزوجاً ولديه أطفال؟! - كان متزوجاً، هو مطلق الآن، ولديه "سعيد" و "علي" الله يحفظهم. - أأأأأأأ...ثم هو أكبر مني بكثير... - الرجل لا يُعيبه سنه، وهو الحمد لله موظف كبير في الحكومة. …………………………- - وأنتِ فتاة لا يصح أن تبقي لوحدك، الناس لن ترحمك مهما حافظتِ على نفسك، أنت بحاجة لزوج ولن تجدي أفضل من ابني ليقترن بك!! أطرقت "مريم" لا حياءاً وإنما كانت تشعر بشعور غريب، بالإنقباض ربما.... - اسمعي يا ابنتي، أنا لن أضغط عليكِ الآن، سأمر عليكِ غداً أو بعد غد لآخذ جوابك، وأعلم أنكِ عاقلة ستفكرين بمصلحتك ومصلحة أخوكِ الصغير.. وحدجتها بنظرة ما وأنصرفت مودعةً..... محمود!!! يريدني أنا؟! لماذا..لماذا الآن؟! انتظري... خرجت، خرجت و وضعتكِ بين خيارين أحلاهما مر.... أتتزوجينه؟! هل لديكِ مجال للإختيار.. أو الرفض... هي نفسها كانت تتكلم بصورة الجزم، لكأنها موقنة بأني سأقبل بابنها.... أعذرها أنا.... فمن أنتِ يا "مريم" لترفضي في حالتك هذه..و الفرص تمرُّ مرّ السحاب... إما تسوقكِ إلى النجاة أو تُلقيكِ إلى الهاوية..... أأتزوج؟! كلا... بلى... كلا.. كلا كلا ليس هو من تخيلته... ليس هو بفارس أحلامي.. ليس هو من تمنيته.. ليس هو من حلمتُ منه... صه..ومن أنتِ لتحلمي... مثلكِ لا يحلم... أحلامنا هي من تغتالنا.... هي من تضيعنا.... أشكري ربك أنهُ طرق بابك.. مقطوعة من شجرة... أخوكِ مدمن مخدرات... وأختك عاار!!!! "أين أنتِ يا ليلى أين أنتِ"؟!!! وهو... ماذا عنه؟! يكفي يا "مريم" مثله لا يستحق التفكير... دوسي على قلبك مثلما داسك بذلك اليوم.... ذلك المجرم..ذلك القاسي...أنى لهُ أن يحس بك... لا يعرف إلا نفسه ولا يحب إلا هي... أقبلي بواقعكِ...لاتنظري أبعد من أنفك... هذه هي الحياة.... والحمدلله على كل حال.... أنهضت نفسها وهي تتنهد أسفاً، وقفت عند باب الغرفة، هزّت رأسها ثم أكملت طريقها..... =============== فتحت عينيها بإضطراب، بدت الصور في عينيها مشوشة، مقلوبة، متكسرة كغرفتها التي قلبتها على عقبيها بالأمس.... شدّت اللحاف بتوعك، رقبتها ويداها تؤلمانها، وقد غشى الإحمرار أطرافها... كابوس، ما عاشتهُ بالأمس كابوس... كاذب وكاذبة وغبية!!! مخادع ومخادعة وأكبر حمقاء!!! سالت دمعة حارة على الخد، دفنت رأسها بالوسادة، لتنشج من جديد... لتنشج قصة الحب الكاذب، قصة الوهم، قصة الضلالات!!! حين تُعشش الأوهام على حياتنا، حين تحجب عن أعيننا نور الحقيقة... ونظلُّ نتخبط بجهل بين ظلماتها، تخدعُ أبصارنا كواحة الظمآن، كسراب... الحقيقة كريهة، كريهة، كريهة كالعلقم... لكنها الحقيقة وما دونها لا شئ..لاشئ... ضربت أعلى الوسادة بقبضتها المتورمة وهي تصيح: - كذاب..غشاش..حقير، خدعني، أوهمني وأضلني... لا زال النهار في بداياته، أشعته تتخلل كل ظلمة، تُحيط بكل مكان، كظلال الزيزفون، لينير الطريق، ويزيل تلك العصابة... عصابة على العينين!!! ابتسمي، وأخلعي تلك النظارة السوداء... فلم يتبقَ الكثير... باقي على الزمن ساعة...أليس كذلك؟! =========== قضت الليل برُّمته وشطراً من النهار وهي تفكر... الأفكار تتقاذفها، ترميها في دوامة... بها يتحدد مصيرها ومصير "أحمد" إلى الأبد.... والفرص تمر مرّ السحاب.... دائماً الفرص ودائماً السحاب!!! وهذا حد السكين... في أي جهةٍ يقطع.... لابد أن تكون الشفرة حادة، والنصل النصل لابد أن يكون دقيقاً.... من بعده إما الراحة وإما..الفناء.... ماذا أفعل..أجيبوني.... أقول نعم... أم أقول لا.... كلا الخيارين مر، كلاهما مر... انساب أذان الظهر شفافاً، يصدح في الآفاق، يدغدغُ الآذان، يحلق بنا عالياً عالياً إلى النجوم.... سارت لتتوضأ، أنكبت على الصلاة، تلاشت الأطياف، ليس تماماً، ولكن على الأقل بما يتيح لها راحة البال برهة...... أيقظت "أحمد" ليصلي هو الآخر، بدا ملائكياً في نومته.... من أجلك..من أجلك يا أحمد أفعل أي شئ.... وتسللت دمعة!!!
****

أنت تقرأ
ضلالات الحب
Misterio / Suspensoهذه الروايه ليست من تأليفي ولكن هذه الروايه أعجبتني جدا و اردت ان اتشاركها معكم لان فيها رساله جميله و مفيده يحتاجها كثير من شبابنا في هذه الايام روايه جمعت بين الامل واليأس وبين الحب الحقيقي والوهم من سينتصر ويكون اكثرهم سعده