استلقت على الكرسي بفتور وهي تشعل اللفافة الرابعة ربما!!! لو أخبرها أحد قبل 10 سنوات بأنها ستدخن لصفعته وهي تضحك في سرها.. ربتت سجارتها بحافة "المنفضة" بخفة فتطاير رذاذه، سعلت قليلاً فهي لم تعتد بعد.. عادت لتنظر إلى النائم على السرير، ابتسمت بتهكم، أصبحت معه كالخفاش، تنام نهاراً ثم تعود في المساء إلى البيت، شهران...شهران كاملان وهي على هذه الحال.. مجت السجارة بعمق هذه المرة فاتحدت زفرتها مع سحابات الدخان، هو من علمها كيف تدخن أول سجارة، قال أنّ التدخين الآن صفة ضرورية للمرأة "الستايل"!!! قامت من الكرسي ، اقتربت من الفراش، هزته بقوة: - "بو محمد". ……….- - انهض، الساعة الآن السابعة والنصف. - أف، ماذا تريدين؟! - لقد تأخرت، ألن توصلني؟! - وما نفع سيارتي الأخرى التي أعطيتك إياها إذن...غداً سأسافر وعليّ أن أرتاح؟! وعاد ليغطي نفسه بالملاءة من جديد، أين ذهبت الغيرة، أين ذهبت تلك اللهفة القديمة، لم يدّعي الرجال أشياء ليست فيهم، كم هم كذابون، عندهم فقط كلمات، مجرد كلمات ينثرونها على من يريدون، وفيما بينهم يعرفون حقيقتها جيداً!!! أين تلك العبارات التي طالما أصمّ أذنيها بها:"مستحيل أن أدعكِ تعودين للبيت لوحدك في هذا الليل، تعرفين كم أحبك...كم أخافُ عليكِ و....!!!" والتقطت مفاتيح السيارة من على المنضدة، سحبت عباءتها بعد أن رشت نفسها بكمية كبيرة من العطر، لعلها تبعد رائحة الدخان الكريهة!!! أين السعادة الأبدية التي وعدني بها، أهذا هو الزواج؟؟! أهذا ما كانت ترنو إليه طوال حياتها، إنهُ ليس سيئاً بالطبع، لكنه ليس جميلاً كذلك!!! كانت تتوقع شيئاً آخر، لكنّ الواقع شئ وأحلامنا شئ آخر تماماً.. توقفت أمام الإشارة الحمراء، اعترتها رغبة جامحة للتدخين لكنها تكاد تقترب من البيت..أيّ عطرٍ سيغطي عليها؟! صدت للسيارة المجاورة لها لا إرادياً وهي تنتظر لحظة الإنطلاق، كان صاحب السيارة فاتحاً نافذته يراقبها بالمقابل، ابتسم في وجهها، فعادت لتنظر إلى المقود، مرت دقيقة أو دقيقتان ربما وهي تتأفف من الإزدحام، التفتت إلى السيارة مرة أخرى، أو بالأصح لصاحبها، يبدو أصغر منها، ربما في بداية العشرين...انتبه لنظراتها لكنها هذه المرة لم تُدر وجهها، وما أن ردت إليه الإبتسامة حتى أضاءت الإشارة بلونها الأخضر وانطلقت وهي تشعر بالندم قليلاً!!! =============== - ماذا بك تبدين واجمة؟! سألتها سلمى. هزت "أمل" رأسها بضيق وهي تقضم شطيرتها بآلية: - إنها المشاكل العائلية المعتادة. رفعت "مريم" رأسها بإهتمام وهي تعبث بالعود في مشروبها الغازي. - آسفة، لم أقصد أن أتدخل في شؤونك الخاصة. ردت "سلمى". عادت لتهز رأسها من جديد، تركت شطيرتها دون أن تكمل رُبعها!!! تنهدت وهي تقول: - أخي سيتزوج قريباً. شعرت "مريم" بالإنقباض، ارتجف العود بيدها وهي تصيغ السمع.. - سيتزوج؟! وهل هذه مشكلة؟! سألت "سلمى" بمرح. لكن "مريم" لم تمهلها في الإجابة، عاجلتها بسؤالٍ آخر: - من منهم سيت..زوج؟! - خالد.. حينها هوى قلبها، كلا كلا لم يهوي بل تقطعت نياطه، نزفت من الداخل نزفاً عميقاً أماتها، قتل آمالها..اغتال حلمها، أجنحة السعادة تتكسر أمام عينيها، كل ما تراه الآن لا شئ..لا شئ.... حاولت أن توقف اهتزاز يدها حتى لا يلاحظن، وضعتها في حجرها وهي تقاوم نفسها الملتاعة، ترجوها أن تصبر، تصبر قليلاً إلى أن تعود للبيت، وتبكي ما شاء الله لها أن تبكي، امسكي نفسك قليلاً يا مريم..لا تفضحي نفسك!!! - الأمر أعقد مما تتصورين...لا أدري ماذا أقول!!! (ردت "أمل" ببؤس وهي ترفع يديها في الفراغ.( صمتت "سلمى" احتراماً لحزن صديقتها، وإن لم تدر لم كل هذا الحزن؟! لم تحب أن تثقل عليها بالأسئلة، فأخذت تعبث بجوالها، أما "مريم" فكانت تغلي من الداخل، تراكمت فيها كل الآلام تلك اللحظة، تدوي من الداخل ولكن بصمت حتى تتقرح... "ما كان عليكِ أن تتمادي في أحلامك، كل شئ له حدود حتى الأحلام..." استأذت منهم وهي تتعلل بالدخول إلى الحمام، سارت دون اتزان، دون هدى، لم تعد تتحمل أكثر، وضعت دفتر محاضرتها كيفما كان ودخلت الحمام..أغلقت الباب خلفها، تهاوت على الأرض...دفنت رأسها في حجرها وصوت أنينها المتقطع يرتفع شيئاً فشيئاً.. =============== كان واضعاً ذراعيه أسفل يافوخه، يتأمل المروحة وهي تدور في منتصف السقف، لم يذهب إلى العمل اليوم بل لم يعد يخرج من غرفته كثيراً هذه الأيام، يتحاشى الاصطدام بأخيه، يخشى أن يثيره وينفذ ما قاله..هو ليس نذلاً، يعلم بأنَّ أخاه يحبها منذُ أن كانا صغاراً، وهو لا يكنُّ لها أية مشاعر، مجرد أخوة لا أكثر أو أقل، لكنهُ الغضب لعنة الله عليه هو من يفقده أعصابه، الغضب أم لأنهُ تعود دوماً أن يأمر فيطاع ويأمر ثمّ يُطاع أيضاً!!! هم عودوه هكذا..أليس ابنهم البكر؟!! قام من مكانه، وتوجه إلى المكتب المفتوح على غرفته، كانت الأوراق مبعثرة بفوضى، أخذ يعيد ترتيبها بملل، ماذا أفعل الآن، يغيظني بعناده الأرعن..يريد أن يكسر كلمتي، لقد التحق بشركة أخرى ليعمل بها وترك شركة والده..ترك حلاله وذهب لينّمي حلال غيره!! ولم لأنهُ لا يرغب أن يعمل تحت إمرتي كما يقول؟!!! "شبابُ اليوم مجانين، يرددون شعار العصامية وابن نفسك من الصفر..والدنيا كفاح ومشوار المليون يبدأ بخطوة، يا لهذه الترهات، عبارات زائفة كأحلامهم البلهاء!!!" هكذا خاطب "خالد" نفسه وهو يبتسم بتهكم وضيق.. "لم أنت غاضب هاا؟! أكلُّ هذا من أجل "راشد"؟! لم يكن يوماً نداً لك يستحق أن تفكر فيه.. اعترف وقل أنها هي السبب، نبذها لك تلك الليلة، لم تكن تعبأ بك كما تظن، وكيف تعبأ بك وأنت لم تقصر فيها لحظة؟!! والأسوأ أنك لم تعد تراها وليس لديك سبيلٌ إلى ذلك.. أهذه هي النهاية فعلاً، نهاية هذا الح...ماذا تقول؟! باتت زلات لسانك كثيرة هذه الأيام!!! أين أنت وأين الحب؟!! أنت لا تحب إلا نفسك، وفي صدرك هذا قلبٌ واحد لا تقدر أن تجزأه إلى نصفين.. إذن ماذا أسمي هذا كله، ماذا أسمي هذا الشعور الذي يجتاح جوانحي، شوق، وله، إعجاب، إنجذاب، ماذا أختار؟!! لا يهم..لا يهم..المهم أنني لن أقف هكذا مكتوف اليدين..ليست هي من تديرُ عقلي هكذا وتذهب..كل ما أحتاجه هو الصبر، الصبرُ فقط، ولكل باب مفتاح..أليس هذا ما قاله "فيصل"!!! لن أدعكِ تفلتين من يدي هكذا، إنها مسألة وقت فقط!!! و اتصل ل"فيصل" واتفق على أن يلتقيه بعد قليل في شقته، لعلهُ جو الكآبة المحيطة به.... ================ صداع رهيب يعصفُ برأسها، دثرت نفسها وهي تتقلب على فراشها يمنةً ويسرى، دفنت وجهها في وسادتها المبللة، ضغطت عليها بقوة لعلها توقف ذلك العرق المجنون الذي ينبضُ في جبهتها ، سيتزوج.. سيتزوج...قالت أنهُ سيتزوج، ممن يا ترى ؟! لماذا الآن وبعد أن تعلقتُ به، لم يطلب مني ذلك أعرف، ولم يوهمني بشئ ولكن كل ما حدث كان رغماً عني... انتشلت نفسها بصعوبة وحرارة تلفحها، توجهت لدرج خزانتها وهي تستعين بذلك الضوء الخافت الذي تبعثه "الأباجورة". - ماذا تفعلين؟! جفلت في مكانها، كانت "ليلى" ويبدو أنها لم تنم أيضاً في هذه الليلة الليلاء!!! - أبحث عن مسكّن للألم، رأسي سينفجر. عدلت "ليلى" من جلستها، مدت يدها لحقيبتها وناولتها حبتان، ازدرتهما هذه الأخيرة دون أن تستعين حتى بكوبِ ماء. - والآن اخبريني ماذا بك. جلست "مريم" على حافة الفراش وهي تمررُ باطن كفها على جبينها. - قلتُ لكِ رأسي يؤلمني. - أتخالينني لم أسمع شهقاتكِ التي لم تتوقف دقيقة...أكل هذا بسبب صداع؟! رفعت رأسها بتوتر وردت: - نعم. - أنا لا أصدقك... - لا يهمني إن صدقتِ أم لا. (ردت بعصبية وهي تعود لتستلقي على فراشها من جديد.( - أنتِ تخبئين عني شيئاً، أعرفكِ تماماً.. توقفت وهي تثني وسادتها، وردت ببرود: - أأنا من لديها شئ تخبئه أم أنتِ؟! - ماذا ت..تعنين؟! (سألت بخوف وحمدت ربها أن الضوء كان خافتاً ولا يكاد يبين ملامح وجهها.( - تغيرتي كثيراً..طريقة كلامك، شرودك الذي لا ينتهي، لم تعودي تهتمين بنفسك كالسابق، أيام تذهبين للعمل وأيام لا وكأن العمل لم يعد من أولوياتك..أيمكن أن تفسري لي كل هذا البرود والاستهتار؟! - لا شئ...لم يتغير فيّ شئ..هذه أنا ليلى القديمة بشحمها ولحمها. "أي كذبةٍ عمياء أُلقيها". - أنا لا أصدقك. أعادت عليها جملتها السابقة: - لا يهمني إن صدقتِ أم لا. لم تعلق، عاد إليها الصداع بقوة من جديد..لم تأتِ الحبوب بمفعولها بعد، ضغطت رأسها بالوسادة. - لا تذهبي غداً للجامعة ما دمتِ متعبة. (أردفت وهي تطالع أختها بحنان في هذه الظلمة.( - غداً الخميس..أصبحتِ تنسين كثيراً أيضاً. عضت "ليلى" على نواجذها، صمتت و هي تحاول أن تنام هي الأخرى.... ============ أشرق الصباح حزيناً، هناك عيون جافاها النوم وأرقها السهاد..قرّح جفونها وأحال أحلامها إلى كوابيس.. استيقظت "مريم" بتعب، لقت أختها نائمة، خرجت بهدوء وهي تدلف إلى المطبخ، أعدت لنفسها كوب شاي بالحليب، كان طعمهُ مراً، أضافت له مزيداً من السكر لكن دون فائدة!! رأت أخاها الصغير جالساً في الصالة، يشاهد رسومها المفضلة "Tom & Jerry"، جلست بجانبه، حياها بإبتسامة، ردتها له بأجمل منها رغم كل ما يعتمل بداخلها.. كل المشاهد كانت مضحكة، بل تُجبرك على أن تقهقه، لكن هنا..في هذا الجوف غصّة، تمنعها من الضحك، اكتفت بالإبتسام فقط.. "-مريوووم". - نعم. - سنذهب إلى المهرجان اليوم صح؟! - أيُّ مهرجان؟ - المهرجان الذي سيقام بالقرب من مدينة الملاهي الجديدة. تذكرت أنها رأت إعلاناً حول مهرجان أو شئ من هذا القبيل في الشارع. - أنا لن أذهب، قل لوالدي أن يأخذك"…….ومن له خاطر كي يستمتع بشئ". - كلا، كلا إذا لم تذهبي معي لن يأخذني والدي، سيتعلل بالعمل. - سأطلب من "ليلى" أن تذهب معك. - لا أريدها، دائماً تصرخ عليّ وتضربني. - أنا مشغولة، عليّ بحوث لا بد أن أنجزها، ليس لديّ وقت للتفاهات. ……………….- - ماذا..ستعود للبكاء كالفتيات!! صاحت فيه بغضب، لم يعد بها قدرة على أن تساير أحد. ها قد هطلت دموعه دون إنذار، لم تعبأ به، قامت من جلستها، إلى متى سيظل هكذا..ما أن نرفض لهُ طلباً حتى يبكي لنستسلم له!! ارتفع صوت ذلك البكّاء، صعدت السلم سّلمة سلمة، توقفت عند باب غرفتها، أمسكت الإكرة لكنها لم تلبث أن أفلتتها، نزلت من جديد، ليس معنى أن تكون غاضبة منه أن تُسقط غضبها على هذا المسكين..لا يجدر أن ننشر تعاستنا على الآخرين، يكفي ما نحنُ فيه، لعلنا حين نرى فرحتهم نفرح وننسى أحزاننا.. رآها عائدة من حيثُ أتت، توقف عن البكاء وابتسم لكأنهُ علم أنها ستعود، حاول أن يخفي ابتسامته ويتظاهر بالعبوس لكنهُ أمسك ما أن رآها تبتسم بحنان في وجهه. - سأخبر والدي بأن يأخذنا عصر هذا اليوم. ………………- - هيا كف عن البكاء. ……………….- - كفّ عن البكاء وإلا غيرتُ رأيي. - كلا كلا، أنا أصلاً لم أكن أبكي. (قالها بأنفة وشموخ!!( - اممم، هذا واضح فأنت بطل.. "ولكن من ورق!!". ================= كان الجو بديعاً، ربما ليتيح للزائرين يوماً صافياً جميلاً، أمسكت "مريم" بيد "أحمد" و"ليلى" بجانبهم. - انتبهن لأنفسكن، وأنتِ يا "مريم" انتبهي لأخيكِ جيداً. خاطبهم الأب. - لا تقلق يا أبي. ردت "مريم". - وأنت يا "أحمد" لا تزعج أختاك، أسمعت؟ هزّ "أحمد" رأسه بأدب إيجاباً. - طيب، سأذهب حيث تقف سيارات الأجرة، إذا انتهيتم اتصلوا بي، سأعود بين كل حين. ودعهم الأب وما أن ابتعد عنهم بسيارته حتى أفلت "أحمد" يد أخته وأخذ يركض كالملهوف وقد أسرته الألعاب الضخمة و الغريبة الشكل، ضحكت الفتاتان بخفة وهنّ يتابعنه بأعينهن. أقتلعت "ليلى" عذق مشموم في طريقها وأخذت تشمه بأريحية، جلستا على كرسي بصمت وشرود، تتأملان المارة وهم كأفواج نمل من كثرة عددهم، عاد "أحمد" الصغير وهو يصيح بإنفعال: "- مريووم" تعالي..تعالي سنلعب في الأخطبوط. - أيُّ أخطبوط؟ - ذاك. وأشار إلى لعبة كبيرة خضراء على هيئة أخطبوط يحلق في السماء بأذرعه التي تنتهي بأكواب يركبها الجميع. - أتلعبين معنا يا "ليلى"؟ سألتها. ابتسمت هذه الأخيرة بتهكم: - في هذا السن وألعب، أتريدين أن يضحك عليّ الناس!! - ما هذا الكلام، لم أسمع أنهم وضعوا سناً محدداً للعب؟! - اذهبي والعبي، سأبقى هنا، أعجبني المكان. لم تلّح عليها أكثر، كان "أحمد" يجرها وقد غلبهُ الحماس، انتقلت لها عدوى الحماس لكن ما أن وقفوا أمام اللعبة، وبان شكلها وحجمها الحقيقي حتى شعرت "مريم" بالخوف..الأشياء من بعيد تبدو أفضل مما لو كانت قريبة!!! - تبدو خطرة، سنلعب لعبةً أخرى. - ماذا؟!! أريدُ أن ألعب فيها. - انظر لتلك المناطيد، تبدو أحلى. - كلا كلا، إنها للأطفال. "وأنت من أي جنسٍ إذاً!!!" أخذ يلحُّ عليها إلى أن رضخت، جلست بجانبه والخوف يشلُّ حواسها، أمسكت بحاجز الأمان.... امتلأت اللعبة سريعاً، تحركت ببطء في البداية وما لبثت أن انطلق الأخطبوط بجموح وهو يمدُّ أذرعه المجنونة مثله في كل مكان!!! أغمضت "مريم" عينيها بقوة وهي مطبقة فمها، مانعة نفسها من أن تصرخ، كل شئ مظلم..لا تشعر إلا بنفسها وهي تطير في السماء وتهوي في الأرض بقوة في دوائر لا نهاية لها، وأحمد بجانبها يصرخ ولكن من شدة الإثارة..تلت في سرها كل السور التي حفظتها منذُ أن كانت طفلة...ألن تتوقف هذه اللعبة أبداً!!! وكأن الله استجاب لدعواتها فتوقفت، لكنّ رأسها لم يتوقف عن الدوران!!! - "مريووم" قومي، لقد ذهب الجميع.. ابتسمت له ببله دون أن تعي ما يقول، كانت الرغبة بالتقيؤ هي التي تسيطر عليها تلك اللحظة.. - هيا، قومي سنلعب لعبةً أخرى. …………- - ما رأيك أن نلعب في السفينة تلك؟! التفتت إلى هناك، وكان يكفي أن تسمع أصوات الصراخ المنبعثة منها لتدرك أنها تفوق 10 أخطبوطات من تلك التي ركبتها منذُ قليل!! أنهضت نفسها بثاقل، تحاول ألا يختل توازنها، أمسكت نفسها كي لا تصفعه. - تريد أن تلعب لعبة أخرى؟؟ هيهات..أنا لن ألعب معك. - سألعب في السفينة..سألعب. - إذن اذهب وألعب فيها لوحدك. وسارت عنه دون أن تترك له مجال، أما هو فلم ييأس وتوجه إلى حيثُ يريد، التفتت "مريم" خلفها لكنه كان قد ذهب، أكملت سيرها إلى حيثُ تجلس أختها بهدوء تراقب الأطفال وهم يلعبون، تدحرجت كرة أسفل حذاءها، تقدم منها طفل بخجل وتردد وهي يشير إلى كرته، ابتسمت له بلطف، احنت جذعها وناولتهُ كرته..أخذها منها شاكراً وسار إلى البعيد..تلاشت ابتسامتها..أسيكون لي طفل يوماً ما..يناديني "ماما "، أسأحوز هذا اللقب قبل أن أختم سير حياتي أم أنهُ سراب آخر من سرابات "أبو محمد"!!! لا أدري إن كان وصل إلى قطر أم لا، سأتصل به في المساء.. انتبهت لحركة "مريم" بجانبها، حركت عذق المشموم بخفة أمام أنفها الأقن: - أين "أحمد"؟ - لقد تركته يلعب. - لوحده؟!! - وماذا تريدين مني يا آنسة؟! أن أركب معه في كل لعبة.. "آنسة..يا ليتني أعودُ آنسة، أدفعُ عمري كله لأسترجع هذا اللقب ". - الدنيا ليست أمان كالسابق، كل يوم نسمع عن اختطاف طفل والعياذ بالله. - إنهُ يلعب في الجوار، كما أنه يعرف مقرنا وأرقام هواتفنا. عللت دون اقتناع وقد بدا الخوف يغزو قلبها لكنها حاولت أن تطرده. في الجانب الآخر، كان "فيصل" مع "خالد" يتمشيان، لمحهُ هذا الأخير واقفاً ينتظر دوره ليقطع تذكرة ركوب، ناداه وهو يشكر "فيصل" في داخله لأنه سحبه إلى هنا بالرغم من اعتراضه في البداية. "- أحمددددد". التفت الصغير وقد اتضحت لهُ هوية المنادي، فاقترب منه مطمئناً: - كيف حالك يا صغير؟ - بخير. (ردّ بخجل.( ودّ أن يسأله أسئلةً كثيرة لكن وجود "فيصل" منعه. - أتلعب هنا وحدك؟! - أجل. (ردّ بخجلٍ أكبر). شعر "خالد" بالإحباط لكنهُ أردف: - أتريد أن تأتي معنا، سنلعبك في ألعاب كثيرة. وبدون تردد سار معهما، مرحوا كثيراً واستمتع "خالد" بصحبته بالرغم من شعوره بالإحباط، ربما لن تُتاح له أن يراها هذه المرة.. مرت ساعة وهم هكذا وقد بدأ الغروب بالبزوغ وتوارت الشمس خلف الأفق.. في البعيد...اشرأبت عنقهما لكل طفل يلوح أمامهما..بدأ خوفها يتصاعد: - لا بد أنه في يلعب في لعبةٍ ما..إنهُ لا يسأم. (أخذت تبرر). ………..- - سأذهب لأبحث عنه. ونهضت بقلق، عادت إلى آخر موضع تركتهُ فيه لكنها لم تجده، ذهبت بالقرب من السفينة لكن أفواج الناس تمنعها من الرؤية، كل ما تراه رؤوس كثيرة..أين تجده في هذه الزحمة؟! عادت لليلى، سألتها بلهفة: - هل وجدته؟ هزت كتفيها بيأس وهي تكادُ تبكي هلعاً: - لم أره..لم أره.
الجزء [5] من قصة ضلالات الحب أمسكتها من يدها، وهما تسيران دون هدى لتبحثان عنه، كانت "مريم" ترتجف..قدماها لا تقويان على حملها..ماذا لو حدث لهُ شئ..هي السبب..هي من تركته...لن تسامح نفسها أبداً. فتشتا في كل مكان، أو بالأحرى "ليلى" هي من كانت تفتش، كانت "مريم" تتهالك على أي شئ فلقد أخذ منها الخوف كلَّ مأخذ وشلّ أطرافها الممزقة من التعب. أما تراه الآن حقيقة أم خيال رسمه لها عقلها الباطن؟!! لمست كتف أختها دون أن تحول عينيها، كان ماسكاً يد أخيها هو وشخص آخر..يأرجحانه في الهواء وهو يضحك بحبور، بدا شفافاً تلك اللحظة وقد خلع رداء القسوة الذي يغلف نفسه به دائماً..يتغير الإنسان كثيراً حين يتصرف بعفوية.. - ليلى..وجدته "وجدتُ قلبي"، وجدتُ أحمد.. لكن الأخيرة كان ذهنها منصرفاً إلى شئٍ آخر، إلى شخص تعرفه تماماً، تعرفه ولم تتوقع في يوم من الأيام أن تراه..وأين؟! هنا؟؟ ردت عليها بصوتٍ غائب: - اذهبي واحضريه إذن، سأتصل لوالدي لنعود. وابتعدت عنها دون أن تسمع ردها، تتابع طيف ذلك الشخص الذي يجول بمفرده، أتُراه لازال يذكرها؟؟! سارت "مريم" ببطء، توارت خلف عمود إنارة فبان نصفها الأيسر فقط..منذُ متى لم تره..مضى وقتٌ طويل أليس كذلك؟! ألا ترون أنهُ نحل قليلاً.. كانوا قد اقتربوا، أرادت أن تنادي أخاها، لكنها تعرف أنّ حنجرتها ستخونها حتماً، تريدُ أن تملأ عينيها من صورته..فربما غداً لن تراه..سيصبح لأخرى..سيتزوج وستُعلن الحداد على قلبها للأبد!! لمحها "أحمد"، حاول أن يسحب يديه منهما لكن هيهات: "- خالد".."فيصل" دعوني، أختي تنتظرني. - أين؟؟ (سأل "خالد" بلهفة وقد ترك يدهُ الصغيرة). لم يُجب وسار إلى حيثُ تقف، رفع رأسه، كانت مختبئة خلف العمود، تلاقت عيناهما، أطيافُ الحزن قد تجمعت فيها وبدا لونها الأبيض شاحباً، طأطأت رأسها تتحاشى عينيه، يكفيها كل العذاب الذي لاقتهُ منه.. شدّ أحمد طرف عباءتها بمرح فاهتزّت خواطرها: "- مريووم" يا ليتكِ كنتِ معنا..لقد استمعتُ كثيراً. ………..- "- خلّوود" ركب معي في كل الألعاب، إنهُ أفضل منك!! ليس مثلكِ خوّاف.. …………………- رفعت رأسها إليه من جديد، لازال واقفاً ينظرُ لها بتردد، حوّلت وجهها إلى أخيها، لم تعاتبه، لم تصرخ عليه كالعادة لأنها ببساطة كانت تشعر بالضياع..تشعر بالحزن..بالألم..بالجرح الذي سببهُ لها ذلك البعيد القريب، أمسكت يد أخيها لتعود إلى حيثُ أتت، لكن الأخير أفلتها وهو يصيح بإنفعال: - سأودعهم، سأقولُ لهم "مع السلامة" على الأقل.. "آآآه، لحظة الوداع حانت، ليس بي قدرة على التحمل أكثر، رحماك يا رب..يا قلب ابعث لهُ سلامي". تركها "أحمد"، ذهب عندهم، أما هي فلفت وجهها بعيداً بعيداً كي لا يلاحظ تلك الدموع التي بدأت تحرقُ مقلتيها وهي تصارع للخروج بعناد.. - كيف حالك؟! لفت وجهها سريعاً لمصدر الصوت، كان قريباً، قريباً جداً وبعيد في نفس الوقت، جفلت وابتعدت لا إرادياً قليلاً إلى الوراء. - كيف حالك؟ (كرر سؤاله وهو يحتوي وجهها بعينيه بحنان). "أتسألني عن حالي؟! ماذا تتوقع وأنت تقتلني بدل المرة مليون!! أرجوك ابتعد، اخرج من حياتي، فهذا أفضل لي و....لك!!" لم ترد، بل أطرقت وهي تنظر للأرض بعينين لا تريان. - مريم.... نطق اسمها ولأول مرة أمامها، رنّ اسمها في أذنيها بوقعٍ غريب لم تسمع مثله من قبل!! ……………- - مريم، أنا أكلمك ، لم لا ترفعين رأسك؟ ……………- لم تستجب، لا تريد لوجهها أن يفضح مشاعرها تجاهه، أن تذل نفسها لإنسان لا يستحق هو آخر ما تريدُ فعله. - لقد اشتقت لرؤيتك ورؤية وجهك!! (قالها بحرارة.( !!!!!!!!!!!!!!!- تجرأت ورفعت رأسها وقد عمّ الاحمرار جميع قسمات وجهها، رمشت عينيها بخجل، لكنها لم تقوى على النظر إليه هكذا..مباشرةً، غضت طرفها وأطرقت رأسها من جديد، رفعت رأسها فجأة وكأنها انتبهت لنفسها، كيف تسمح له بأن يكلمها هكذا دون حدود؟! ثم أليس سيتزوج قريبا!! لم هذه التمثيلية إذن؟! دائماً تخونه مشاعره أمامها، كلما حاول أن يتمالك نفسه، كان شيئاً أقوى منه يشده، يجعلهُ ضعيفاً أمامها..يدفعه لأن يعترف بأشياء لا يريدُ الاعتراف بها حتى لنفسه!!! - مريم أنا.. - أنت ماذا؟! (صاحت فيه بإنفعال.( - أنا...أنتِ أريد أن أقول..أقصد لاشئ..لاشئ!! هزّ رأسه نافياً وكأنهُ غير رأيه في اللحظة الأخيرة. "تريد أن تقول أنك ستتزوج، اطمأن فأنا أعرف، أصبح خبراً قديماً..". كانت الغصة أقوى منها، أقوى من أن تتمالك أعصابها المرهفة..أتعرفون إلى أي مدى يقودنا اليأس؟! - لماذا تفعل بي هكذا؟! (سألته بتباكٍ). ……………..- - حرام عليك حرام.. - مريم أنا... - يكفي، أنا لا أريد أن أسمع شيئاً منك، أرجوك فقط ابتعد عن وجهي لا أريدُ أن أراك. وأردفت وهي تريد أن تؤلمه، أن تؤذيه كما آذاها في قلبها..في الصميم: - أنت شخص كريه، غشاش لا تُطاق..أنت لا شئ بالنسبة لي، لا شئ أتفهم، لذا أرجوك لا تتعب نفسك وتحادثني للأنني لن أهتم لشخصك أبداً. دارت بغضب، الكلام معه لن يُجدي أبداً، كيف لمثله أن يشعر، وكيف لها أن تُحب شخصاً مثله!! أما هو فقد جرحتهُ كلماتها، الكلمات أقسى من الفعل أحياناً، اسمعت أيها الأحمق ماذا قالت وأنت كنت وبكل غباء ستعترفُ لها بحبك الأرعن مثلك!!! أعماهُ الغضب، لا بل كلماتها هي من أعمته، أمسك ذراعها من الخلف بعنف وأدارها أمامه: - ماذا تفعل، أترك يدي...هل أنت مجنون؟! لازال قابضاً عليها بقوة وآلاف الشياطين تتراقص أمام عينيه... - لا تمسكني هكذا أمام الناس، إنهم ينظرون إلينا. (صاحت فيه وهي تحاول جاهدة أن تسحب يدها من قبضته.( صرخ فيها بوحشية: - أتريدين أن أمسك بكِ في مكان آخر، بعيداً عنهم؟!!!! =============== و لا زالت الضلالات مستمرة.... يا تُرى من الشخص الذي رأته ليلى؟!! وماذا عن مريم وخالد..أين سينتهي بهما المطاف... أحداث كثيرة تنتظر أبطالنا في المهرجان.. أسينتهي ذلك اليوم حقاً على خير؟!***
أنت تقرأ
ضلالات الحب
Mystery / Thrillerهذه الروايه ليست من تأليفي ولكن هذه الروايه أعجبتني جدا و اردت ان اتشاركها معكم لان فيها رساله جميله و مفيده يحتاجها كثير من شبابنا في هذه الايام روايه جمعت بين الامل واليأس وبين الحب الحقيقي والوهم من سينتصر ويكون اكثرهم سعده