الفصل الرابع

15 4 0
                                    

عادت "ليلى" في الثامنة مساءاً، وقت انتهاء دوام عملها في الشركة!!! دخلت بإنكسار، تحسُّ بنفسها ليست هي، شئٌُ بداخلها انكسر، رأت والدها مستلقياً في الصالة يشاهد التلفاز وبجانبه "أحمد"، التفت إليها وناداها: - ليلى..  توقفت، لا بد أنهم عرفوا، علموا بأمري، وجهي يفضحني، كلا كلا، تزوجتُ تواً من أخبرهم؟؟! تزوجت!!! أرجوكِ اصمتي..  أشار لها بأن تقترب، مشت بتردد، حين تفعل شيئاً خاطئاً تشعر بأن الكل يعرفه، كلهم ينظرون لك لكي يرجموك!!!  - خذي. أعطاها علبة بيضاء مُغلفة بعناية.  - ما هذا؟! - اليوم عيد ميلادك أنسيتي؟!  اليوم عيد ميلادي أم يوم زواجي؟! لقد نسيت....نظرت لوالدها بحب وألم، لم تنسني يوماً وها أنا ذا أخدعك، سامحني يا أبي سامحني.. قلبت العلبة بيديها وهي تشعر بالغثيان، لا تستطيع أن تقف أمام والدها الآن بعد كل ما حدث، تشعر بالقذارة!!  غمغمت له شاكرةً وألمٌ جديد يعتصرُ قلبها، ركبت الدرج تنظر للعلبة بشرود، بحرقة، بدمعة، لم تسمع توسلات "أحمد" الحارة لكي تفتح العلبة أمامه ويرى ما بها، كل ما تراهُ الآن سراب، مجرد سراب، كل ما في الحياة سراب، أنا حقيقة و "أبو محمد" سراب!!! ماذا أقول..  دخلت غرفتها، وضعت العلبة في درج الطاولة المجاورة لسريرها، لم تفتحها، لم تشأ ذلك، نظرت لأختها الصغيرة، كانت ضامة رجليها إلى صدرها، مطرقة رأسها، يبدو كما لو كانت مستغرقة في التفكير بشئٍ ما، إنها حتى لم تنتبه لدخولها!!! لم تكن بها طاقة لشئ، لا للحديث مع أحد ولا لأي شئ...دلفت إلى الحمام..  "أأحبه فعلاً، هل سمعت نفسها تهمس بأنها تحبه!!! كلا كلا مستحيل، كيف تحب شخصاً مثله، إنهُ جلف والنساء يحببن الأجلاف..أين قرأت هذه العبارة؟!"  مستحيل، مستحيل أبعد كل ما قاله وفعله أحبه، أجننتِ يا مريم!! لا يوجد شئ اسمه حب، هذه كلمة نقرأها، نسمعها ونشاهدها في الأفلام والقصص...الحب ترهات، ترهات جميلة لكنها تبقى كذبة، ألم أقل لكم أنها ترهات؟!!  لكن ماذا أفسر ما أشعر به الآن، لم أتحرّق لرؤيته، لم أشعر بالسعادة حين يكلمني حتى ولو كان معظم كلامنا شجار؟!!  لم أنجذبت له بالذات دون غيره من الرجال، لم هو بالذات، لم؟!!  يكفي يا "مريم" لقد استرسلتِ كثيراً، توقفي هنا وعودي إلى الوراء قليلاً، من أنتِ ومن هو!!  ما هذا الكلام، إنه ليس بأفضل مني بشئ، أتعنين ماله، المال ليس كل شئ والفقرُ ليس عيباً..لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته..ثم نحنُ أفضل من غيرنا..نأكل ونشرب، صحيح أن الكماليات قد لا تتوفر لدينا لكن الحمد لله كل ما نحتاجه من ضروريات مُتاح..  "كفي عن التفكير به، كوني عاقلة، بنات آخر زمن!!!!".  =============  دارت "أمل" حول نفسها بحبور، تكادُ تطيرُ فرحاً بل تتلاشى كالأثير، اليوم فقط كلمها، خاطبها وجهاً لوجه!!!  استندت بعمود السرير، وقلبها يكادُ يقفز من صدرها، تخشى أن تسقط أو تتهاوى، إنها لا تصدق، لا تصدق إطلاقاً أنّ شفتيه لا مست حروف اسمها، صحيح أنه ناداها "أخت أمل" لكن لا يهم، فأن تنتظر كلمة ممن تحب هو أقصى ما يتمناهُ القلب..  أغمضت عينيها ببطء، ببطءٍ شديد، تريد أن تسترجع صورته على مهل، تطلب من خلايا دماغها الرمادية أن تسترجع كل حركة، كل همسة، كل خلجة من خلجاته، لا تريد لطيفه أن يختفي، عامان..عامان عمرُ هذا الحب الأخرس وقد آن له أن يتكلم، لقد مللت وملّ صبري مني..  - أخت "أمل"؟  التفتت إليه، كان خلفها مباشرة، ينظر إليها بتلك النظرة التي طالما أحالت عظامها إلى ماء، ازدردت ريقها وهي تشتم نفسها لأنها لم تنظر إلى وجهها في مرآتها قبل خروجها من المحاضرة "أأبدو جميلة؟!".  - ن..عم. (ردت بهمس ذاهل.(  ابتسم..."أرجوك يكفي!!!".  - أبإمكانك أن تزوديني بقائمة المراجع التي استعنتم بها في بحث "الطفل التوحدي"، سأستعين بها لمشروع التخرج، إذا سمحتِ طبع..  ردت بسرعة دون أن تتيح له الفرصة لأن يكمل: - بالطبع، ليس لديّ مانع.   "لو طلبت عيني لما تأخرتُ بالإجابة أبداً" فتحت حقيبتها ويدها ترتجف، وفي كل ثانية تنظر له وهي تبتسم بإرتباك، والمشكلة أنها كلما حاولت أن تمسك ال "Disk " كان ينزلق من بين أصابعها، نظرت له بحيرة وهي تكادُ تبكي: - أعطني كتبك..  سلمتهم إياه بحياء، وأخيراً وبجهد لا يُطاق أخرجت "الديسك"، ستغضب منها "مريم" و"سلمى" بلا شك، ولمَ أخبرهم أصلاً، لديّ نسخة منه في حاسوبي!!  تناولهُ منها بيده الأخرى، اتسعت ابتسامته وأردف: - على فكرة كان عرضكم رائعاً.  "أسمعتموه ماذا يقول؟! قال عني رائعة.. رائعة!!!!" كادت أت تذوب في وقفتها، قرّب منها الكتب لكنها لم تنتبه، ناداها بلطف، فرفعت رأسها: - أخت "أمل" تفضلي كتبك أم..لا تريدينها.  أخذتهم منه وهي تتحاشى أن تصطدم بيده، ودعها مكرراً شكره، أخذت تراقب طيفه وهو يبتعد شيئاً فشيئاً، ليت الزمان يجود عليّ بمثل تلك اللحظات...  تناهى إلى مسمعها أصوات شجار قطعت خواطراها، بدأت تعلو شيئاً وشيئاً وهي تقترب من باب غرفتها، هرعت للباب تفتحه، كان "خالد" ممسكاً بزمام قميص "راشد"، أبعدها ذلك الأخير وهو يصرخ: - أنت لا شأن لك بي، أتفهم. - تُريد أن تنفصل عن شركة والدي وأسكت. - والدي لم يمانع. - ماذا تريد أن يقول لإبنه العاق وهو يتركه بعد أن كبّره وأعطاه من سنين خبرته الشئ الكثير.  - عاق!! لو سمحت تحدث عن نفسك أولاً قبل أن تتحدث عن غيرك. - ماذا تقصد ها؟ (سأله وقد تمكن الغضب منه.(  سار عنه دون أن يجيب. زفر "خالد" وهو يحاول أن يتمالك نفسه: "- راشد" ستعود إلى الشركة، أتسمع. توقف "راشد" وردّ بثبات: - لن أعود. - لا تضطرني إلى أن أفعل أشياء ستضرُّك كثيراً.  هوى قلبه إلى الأعماق، تفتت كقطع الزجاج، لا تضعف يا "راشد" لا تضعف أبداً: - افعل ما بدا لك.  - فرح يا "راشد" فرح... …………….-. "رحماك يا ربي، الهمني الصبر..الصبر فقط".  - لقد كبرت وأصبحت أكثر جمالاً. …………………-  " لا تنطق اسمها بلسانك القذر".  التفت لأخته وهو يسألها بسخرية: - كم أصبح عمرها الآن؟!  لم تجب "أمل" تنظر لأخيها الذي امتقع وجهه فجأة.  أكمل ببرود: - ربما نسكن في هذا البيت ، أفكر أن نأخذ الطابق الثاني بأكمله، سأعطيك غرفتي بالأسفل.  "يكفييييييييييييي". همّ بالصراخ، بالاعتذار، بتقبيل يده ربما!! لايهم.  - مبروك، سأكون سعيد جداً لأجلك، ففرح تستحق الأفضل دائماً!!!  نظر له بتعجب، أجادٌ هو في ما يقوله، لا بد أنّ شيئاً جرى له، هذا ليس "راشد" الذي أعرفه أبداً.  - أنا لا أمزح كما المرات السابقة. - وأنا جاد في تهنئتي. - سيكون زواجي نهاية الشهر القادم. - أكرر مباركتي يا أخي ال..عزيز.  وانصرف بطعنةٍ وداعية!!!!  وقفت "أمل" مبهتة بينهم، تسمع حوارهما وهي لا تكادُ تصدق، ترثي أخاها، لقد قتله، قتلهُ ذلك المجرم، أيُّ أخٍ هذا، أما يسري في شرايينه دمٌ أم ثلج؟!  - أنتَ لا ضمير لك.  نظر لها بشرود دون أن ينتبه لما تقوله، لا زال مصدوماً من ردة فعل أخيه. - نعم..ماذا قلتِ. - أقول أنت لا ضمير لك.  ابتسم بتهكم، أخذ يبحث في جيبه عن علبة سجائر دون أن يرد عليها، شعرت بالغيظ أكثر: - لا أحد يطيقك هنا، أنا أكرهك، الكل يكرهك، وستموت هكذا دون أن يحبك أحد.  فلتت السجارة من يده، نظر لها بغضب أخافها لكنها لم تتحرك، لازالت واقفة: - اذهبي إلى غرفتك وإلا خسرتي وجهكِ هذا.  نفذت ما قال صاغرة، من هي لتجادله؟! أما هو فقد نظر إلى حيثما ذهب "راشد"، تأمل الممر للحظات، هزّ رأسه ثم تحرك..  وفي الجانب الآخر، في المزرعة، استند "راشد" على السور، وضع يديه على جبهته، يشعر بحرقة تعصف بكيانه، أحس بنفسه ضعيفاً مسلوب القوى كهذه النملة التي تمشي بصعوبة على كم قميصه الآن: " سامحيني يا "فرح" سامحيني، لكل إنسان قدرة على التحمل، لكنني لم أعد أقدر, سامحيني أيتها الغالية..."

***الروايه منقوله

ضلالات الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن