الفصل السابع

11 2 1
                                    

هزّ "راشد" رأسه بإيجاب وانصرف بينما سلك "خالد" الطريق الذي يؤدي إليها، وبكل الحنق والغضب الذي يشعر به تقدّم تجاهها وتذكر حركة "القلم" ونظرة الاستهزاء بعينيها، تقدم ببطء شديد دون أن تشعر بوقع خطواته وما أن وقع ظله عليها حتى التفتت ناحيته...  أجفلت في مكانها، مال برأسه تجاهها وقد استند بيده اليمنى على ذراع الكرسي، رأت وجهه عن كثب لأول مرة، هي ليس من عادتها أن تُحدق بأحد خصوصاً إذا كان رجلاً لكنهُ كان يحدق بها بطريقة غريبة لم تفهمها وأخيراً نطق وهو يبتسم بسخرية:  - أين ذهب ال..البابا؟؟!! ……………………. -  - أتركوكِ هنا لوحدك؟ مسكينة. ……………………. -   وهزَّ رأسه وهو يتظاهر بالحزن، أما هي فلفت وجهها للناحية الأخرى دون أن تُجيب.  - أتمنى أن تكوني قد استفدتِ من درس اليوم وتعلمتِ ألا ترفعي أنفك أمام من هم أرفع منكِ مقاماً.. …………………….. -  - تُقيمين على أرضنا وتشتكين علينا!! أعتقد أنّ هذا خارج عن حدود الأدب!! …………………….. -  - أنتِ بحرينية صح؟! لمَ لا تجيبين، أم تخجلين من هويتك لأنكم "هنوووود الخليج"!!!!   رمشت عيناها الواسعتان مراراً وتكراراً، وصدرها يعلو ويهبط بسرعة وقد ضاق تنفسها..عضت على شفتيها بقوة حتى كادت أن تدميها، "لا، لن أرد عليه،بل ردي، دافعي عن نفسك، دافعي عن وطنك، افهمي هذا الحقير كيف هي بلادك، كيف هي البحرين، افهميه أن الدنيا لا تُقاس بالمال ولا بالمستوى الاجتماعي، بل بالباقيات..بالباقيات الصالحات..مشكلة الأغنياء أن المادة تُعمي أبصارهم، لا يرون أبعد من أنوفهم، عقولهم ضيقة وتعصبهم أبله مثلهم!!   - لِمَ تتنفسين بسرعة وكأنّ أحداً يُلاحقك؟!  وانقطع ذلك الخيط الذي يحكم زمام نفسها، تصاعدت الكلمات إلى ذهنها كثيرة معظمها شتائم..لآ تدري!! - أنت..أنت..أنتَ. (كررتها بتقطع). - أنا ماذا؟  سألها بهدوء وقد دكنت عيناه فبات لونهما أكثر سواداً، أبعد يده اليمنى عن ذراع الكرسي وضمها إلى صدره وهو ينتظر.  لم تُكمل، لفت وجهها مرةً أخرى إلى الجهة الأخرى، كررت رمش عينيها في محاولة فاشلة لمنع دموعها من النزول، لم ينربط لسانها فجأة ولا تقوى على الرد، ولم تكاد تبكي، بل إنها تبكي الآن، أيّ دموعٍ بلهاء أذرف!!!  - أ..أتبكين؟!  سألها بحيرة وقد ضاقت عيناه وبدا بؤبؤاه نقطتان صغيرتان تلمعان من بعيد.   غطت وجهها بيديها الصغيرتين وهي تبكي بصمت، خجلة من نفسها، خجلة من دموعها البلهاء، والغريب أنّ غضبها تبخر فجأة وكل ما تشعر به الآن لوعة.. حسرة تعصف بكيانها، ربما لأنها تشعر بأنها غريبة في غير أرضها، وقد أُهينت دون أن تقدر أن تدافع عن نفسها، حتى والدها صمت، جبُن هو الآخر وذهب ولم يعُد حتى الآن..  - أنا آسف..  ابتعد عنها وهي لا زالت موشحة بوجهها، اختفت خطواته الثقيلة، تناهت إلى أذنيها خطوات أخرى جديدة، خطوات حفظتها عن ظهر قلب بعدد سنوات عمرها الثامنة عشر، إحداها صغيرة تحبها بل تعشقها بجنون والأخرى تحبهاا أيضاً!!!! "- مريووووم" لم تبكين؟  أبعدت يديها وهي تمسح ما بين أنفها، تطلعت إلى والدها من بين غلالة دموعها، نظر إليها بصمت وقد تغضن جبينه وبدا أكبر من عمره ب10 سنين، "لم جئت بنا هنا يا أبي.." فتح فمه لكنه صمت، لم يملك إجابة، لا بل الإجابة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، "أرجوكِ لا تنظري إليّ هكذا..نظراتكِ تقتلني تذكرني بها..بالمرحومة..هنا أفضل لكم..هنا لا يعرفكم أحد..هنا لا يتهامس عليكم الناس، لا يعرفون أنّ أخاكِ مدمن مخدرات..كانت تريد لكم السعادة، تريد لليلى أن تتزوج..ذهبت أجمل سنين عمرها دون زوج..أتعتقدين أنني لا أشعر بوحدتها، لا أرى دموعها المخبئة في مقلتيها تنتظر الخروج..تبحث عن مرفىء يظللها يحميها من سخرية وشفقة الناس، الناس هم سبب كل المشكلات، لم لا يتركونك بحالك، لم لا يخرسون ألسنتهم..لم هم هكذا هؤلاء الناس؟!!....  سار الأب دون أن ينهي حديث العيون، هزت "مريم" رأسها بأسى وهي تمسك بيد "أحمد" وولجوا سيارة "البيك آب" الزرقاء..   أما "خالد" فقد ساق سيارته وهو يشعر بالاختناق، بدا الطريق إلى منزله بعيداً، بعيداً.. لم يكن من عادته أن يعتذر، ولكن دموعها صدمته، خالها ستصرخ عليه، ستلقي عليه كلماتٍ ثقيلة مثلاً، أما أن تبكي فهذا لم يخطر بباله قط..شعر بالندم، بالضيق..تنهد وهو يضغط على زر المسجل، ثم غير مسار طريقه، ذهب إلى شقة صديقه "فيصل"، هناك سينسى مشاعر الضيق التي تعتريه، وسينسى هذه الفتاة ودموعها الخرقاء، سيبعد طيفها الذي لا يفتأ يلوح أمام عينه.. هزّ رأسه عدة مرات، أوقف سيارته وهو يبصق على الأرض، وما أن ولج الشقة حتى نسيَ كل شئ وبدا خيالها أمامه باهتاً لا يكادُ يبين..

***منقوله

ضلالات الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن