19

6 1 0
                                    

ارتفع صوتها حدةً: - وماذا لو حبلت؟! - ألم أوصك بتناول حبوب منع الحمل بإنتظام. - أخاف أن أشربها الآن، سمعت أنها تسبب العقم. - من قال لكِ هذه السخافات؟! - كلهم يقولون ذلك، الناس..التلفاز..المجلات. - كل هذه ترهات. - أنت لا تهمك إلا نفسك، أما أنا فلا، لا يهمك إن أصابني مكروه.. ………………………………..-  - ما بالك لا تجيب؟! - أنتِ لا ينفع معكِ الكلام أبداً، مهما فعلت لا تقدّرين. - قل لي شيئاً واحداً، شيئاً واحداً فقط فعلتهُ من أجلي. - يكفي أني تزوجتك.  شهقت بإنفعال وهي تضرب على صدرها: - وهل أنا من طلبتُ منك ذلك، أم أنت من جريت خلفي؟! وعدتني بالحياة اللائقة وها أنت تحنث بوعدك. - طيب..أنا كاذب، ماذا ستفعلين؟!  نظرت له بإشمئزاز وهي تقول بتهديد: - أنا لن أفعل شيئاً، بل أنت من ستفعل.. - ماذا تعنين؟! - تخبر زوجتك وتسير الأمور بيننا بشكل رسمي. - صه، قلتُ لكِ لا تكرري هذا الكلام مرةً أخرى.  أردفت دون أن تعبأ بصراخه: - وإن لم تخبرها أنت سأذهب إليها مباشرة..في قعر دارك والآن..  اسودّ وجهه فجأة، وبرزت عيناه فبدوتا أكثر جحوظاً، أمسكها من ذراعها بعنف وهو يلويها، صرخت بقوة، لكن ذلك لم يثنه، لازال مستمراً في الضغط وهو يصرّ على أسنانه: - لا ينقصني إلا واحدة مثلك لتفسد عليّ بيتي.  كانت تصرخ، بل تتحطم، كفتات الحلم، كفتات صورته......  - وليكن بعلمك، زواجي بك لن أعترف به أبداً، أتسمعين؟  أفلتها، فسقطت على الأرض والوجع قد أخذ منها كل مأخذ، صرت على نفسها و هي تحاول أن توقف نفسها من جديد ولكن بجسدٍ خائر، قالت بتقطع: - لديّ..لديّ نسخة من العقد، أم نسيت؟! - ماذا ستفعلين به، ستعطينه لوالدك في قبره أم لأخيك كي يستنشق على حروفه الكوكايين!!!!!  وقفت تماماً، وكلماته تقوضها، تجعلها تترنح، وخيوط العنكبوت تحيك خيوطها على الأنقاض، بوهن..بوهن شديد... - أنت حقير..منحط..أنت لا شئ.  تقدم منها وهو يطبق بيده الثقيلة على شعرها، ألقاها على الأرض من جديد ، سقطت هذه المرة على وجهها، لازال يشدُّ شعرها وهو يشرع في وضع قدمه على ظهرها، أختنق صوتها في حنجرتها، لم يعد بها قوة على الصراخ، كل ما تراه الآن يتماهى أمام عينيها، رمادياً كأطياف السراب.....  - أنا حقير أم أنتِ يا ............، أصلاً فتاة دنيئة مثلكِ لا حق لها بالكلام...  "وماذا عنك؟!!"  وبصق عليها وهو يرخي قبضته عن شعرها الأحمر، علقت شعيرات بيده، نفضها بقرف وهو يقول ببرود: - سأخرج، وسأعود بعد قليل، لا أريد أي شئ هنا يتعلق بكِ هنا..أتسمعين.  عادت محطمة، جسدها يضمخُ بالجراحات، النزف بداخلها أعمق من أي جرح، كلُّ الرضوض تهون، كلها عدا نزفُ الكرامة لا دواء له..  اغتسلت بالماء البارد لتسكّن أطرافاً مخدرة، جفاف هادر بالداخل، يثلّج كل التأوهات، أخذت تسرح شعرها دون شعور، ألم ذراعا يوقفها كل حين، لكنها لاتكل، اللاشعور يقودها في دوامات، دوامات بعيدة، لا نهاية لها ...  هناك رغبة قوية تتأرجح بالداخل، لتدمير كل شئ، للإنتقام، لبثّ سمومها في حنايا الزمن......  حقدٌ أسود يتغلل في دمها، يتوسد تلك الأجنح المتكسرة....  ماذا بعد هذا إلا الطوفان؟!!!!  توقفت حركة الفرشاة، ضغطت عليها لعلها تستجيب، كانت شعيرات قد تلبدت على شكل عقد صغيرة متشابكة كخطوط حياتها، قامت بتهالك، فتحت درج خزانتها، أخرجت مقصاً وبقلبٍ جامد قصتها، وتسربت بين يديها، تناثرت على أرضية الغرفة، تأملتها لثوانٍ ثم أكملت طريقها وهي تدوسُ عليها...  اتجهت للانترنت، هي الآن عاطلة، تعيش في كومة فراغ:  لا أب، لا أم، لا زوج، لا عمل....  كيف تعيش؟! لا بد أن تبحث عن عمل، وفي الشبكة العنكبوتية منافذ كبيرة وتتساقط الأموال من كل حدبٍ وندب، بدون صداع، بدون مشاكل، بدون زواج عرفي، مجرد ضغطة زر وينتهي كل شئ!!!  وتبقى الحواس ضائعة، تائهة في متاهات الغفلة.....  وحين نفقد الأمل، تتساقط كل الصروح، وتنكس الأعلام، وتطغى إفرازات الذات، لتضع في السراب قطرة، لكنها مالحة أيضاً!!!!  "كل هذا بسببك يا سلمان، أنت من أشعلتها، أشعلت تلك الصرخة بجوفي"  ==================  امتطى حصانه الأسود، جرى بطول المزرعة بقوة لعل الغضب الذي يعتمل بداخله يتبخر، يتوارى مع ذرات الدخان المتخلف من حوافر الجواد...  توسطت الشمس كبد السماء، أشعتها تتخلل جسده، تهبه حرارة ودفء في أيام باردة، لاطعم لها...  لاح طيف أخيه يقترب، قبض لجام الجواد ليكبح انطلاقه، بات هذا الخيال كريهاً بالنسبة له، يتحاشى الاصطدام به، يُحيل لياليه إلى كوابيس...  دار على عقبيه، ليلج إلى "الاسطبل"، ناداه ذلك الطيف بصوتٍ جهوري، توقف وارتجل من جواده، مهما يكن لا يزال أخاه الكبير..  "- راشد". - نعم. ردّ بفتور. - والدي سأل عنك منذُ قليل، لا أحد يراك الآن في البيت. - أعتقد أني بلغتُ سن الرشد منذُ سنوات، لم أعد مراهقاً تخافون عليه. - أكل هذا العناد من أجلها؟ سأله بسخرية. - أعتقد أننا انتهينا من هذا الموضوع.  شدّ على ظهر جواده بتوتر وهو يحاول أن يكظم غيظه.  - انتظر أين تذهب؟! - سأعودُ أدراجي، الجو خانق هذا الصباح. ردّ بحدة. - أريدُ أن أقول شيئاً قبل أن تغير هذا الجو كما تقول!!!!  رفع "راشد" حاجبيه بنفاذ صبر، عاد لطريقته في العد بصمت، كم يغيظه، يُذهب بالبقية الباقية من صبره..  - لقد كلمتُ والدي في الموضوع. …………………………….-  - سيذهب لزيارة عمي في الغد.  امتقع وجهه، أرخى جفنيه، الطعنات تلاحقه أينما كان، يبدو أنّ كوابيسه ستظل سرمدية، أيُّ جفنٍ سيرتضي له أن ينام..  تحرك قليلاً، عاد "خالد" ليناديه، أكمل... لم يعد جسدي يتأثر، لقد اعتاد على سهامك العمياء، أرجوك أكمل ولكن بسرعة، لصبري حدود....  - لم تقل لي مبروك!!!! - م..مبروك.  لكنّ "خالد" لم يكتفي بذلك، بل حضنه والأخير جامد كجذعٍ يابس، يوشك على السقوط، يوشك على التهالك، كلمة أخرى وينتهي كلُّ شئ.  - منك المال ومنها العيال. …………………..-   فغر "راشد" فاهه مشدوهاً دون أن يستوعب حرفاً، ابتسم "خالد" في وجهه . - لماذا تنظر لي هكذا كالأبله؟! - ماذا تقول؟ لم أفهم!!!!  "لا يريد أن يعقد أحلاماً أخرى...... أحلامنا هي من تغتالنا".  - أقول مبروك عليك ابنة عمك، فهمت الآن..  ابتسم "راشد"، انفرجت أساريره، غير مصدقٍ ما يسمعه: - أجاد أنت فيما تقول؟! - أكذبتُ عليك يوماً؟! بإمكانك أن تتأكد من والدي.  عبس وقد تغضن جبينه، هم بأن ينصرف، لكنّ "راشد" لم يمهله، عاد ليحضنه بقوة، بإمتنان، بحب، بأخوة....  زال عبوسه، ربت على كتفيه وسارا معاً إلى المنزل، أحدهما يكادُ يطير فرحاً..لايكادُ يصدق، والآخر يشعر بضيقٍ غريب سببهُُ أخرى أعيت تفكيره، وجعلتها غارقاً هو الآخر في دوامة الحيرة!!!!  ===============  - ستخرجين الليلة أيضاً؟!  لم تجب فوراً، كانت موجهة انتباهها الكلي للمرآة...  "- ليلى".. - آه، نعم، سأخرج، هل لديكِ مانع؟! - كل ليلة تخرجين تقريباً، ماذا سيقول الناس عنك.  التفتت إليها، وفرشاة الظلال بيدها، قالت ببرود: - وما شأننا بالناس، هم لا يعرفوننا ونحن لا نعرفهم، نحنُ لسنا من هنا، فلا حق لهم علينا..  وعادت لتثبت وضع الظلال على عينيها من جديد، ولكن بيدٍ بدأت بالإرتجاف...  تركت ما بيدها، وهي تنظر لأختها من خلال مرآتها، والأخيرة صامتة.  - ماذا؟! تريدين أن تُضيفي شيئاً آخر؟! أخرجي ما بجعبتك... - والدي لم يمر على وفاته 3 أشهر وأنتِ تتجملين!!  "أعرف هذا تماماً، أعدّ الأيام من بعده بالساعات والثوان، فمن بعده بدأت "ليلى" الأخرى وأنا قررت أن أصنع لها تقويم زمني جديد، لا يهم بالهجري..بالميلادي، أي شئ، أي شئ، لم يعد شئ يفرق بالنسبة لي، ثم إن طبيعة عملي تفرض عليّ ذلك قبل كل شئ!!!!"  - سأذهب إلى عرس، ماذا تريدين أن أفعل؟! أن أذهب بملابس سوداء؟! ردت بعصبية. - لا، بل أن تحترمي نفسكِ قليلاً و تحترمي مشاعر الأقربين.  فزت من مكانها، وقد لدغتها كلماتها، أصابتها بمقتل...  - أنا محترمة أكثر منك..أتفهمين؟! محترمة أكثر منكم جميعاً..كلكم...كلكم.  صاحت بإختناق، وقد بدأ الكحل في زوايا عينيها يمتزج مع سائل آخر شفاف، يتماهى معه في صورة ربما تتحول إلى رمادية..  سحبت "مريم" رواية "بداية ونهاية" لنجيب محفوظ من على المنضدة دون أن ترد عليها، تصفحت الرواية حتى وصلت إلى الجزء الأخير...لا تملُّ قراءته أبداً..  يا تُرى ماذا كانت النهاية؟!  أرادت "ليلى" أن تقول شيئاً آخر، لكنها أحجمت، عضت على شفتيها بتوتر، أطبقت فمها نهائياً.... سارت لخزانة ملابسها وهي تتابع أختها المتوارية خلف قصتها، أخذت حقيبتها، باتت تحتفظ بها في الخزانة، فيها أشياء خطيرة..ممنوعات!!! وأهمها علب السجائر التي باتت لا تستغني عنها.....  ملأت الغرفة برائحة عطرها النفاث، وخرجت وهي ترمق أختها بتحدي....  رفعت "مريم" رأسها عن القصة، وضعتها على المنضدة من جديد، تنظر إلى حيثُ خرجت تلك الأخيرة وهي تهزُّ رأسها..  تنهدت بقوة وعلقت بصرها نحو السقف، تأملته، تأملت لون الطلاء المهترئ، لا تكاد تجزم ما كان لونه في الأساس!! أبيض أم بيج؟!  آلمتها رقبتها، أزاحت دثارها ونهضت من سريرها، لتتأكد ما إذا كان "أحمد" نائماً أم لا....  "كم هي ثقيلة هي المسؤولية ننوءُ بها وتنوءُ بنا......"  ======================  كان صوت الموسيقى صاخباً، هزّ "خالد" رأسه بملل وهو يتصفح الملحق الرياضي الذي بيده، ألقاه على الأرض فتناثرت صفحاته، قطب جبينه وأخذ يتلمس جيب بنطاله، ليشعل لفافة تبغ، سرت في جسده رعشة، كان الجو بارداً....  انفتح الباب ودخل "فيصل"، وقد اختلطت في وجهه إمارات التعجب، قال بإستنكار: - ماذا تفعل هنا؟! الحفلة بالخارج وأنت حضرتك جالس هنا تدخن؟!!  لم يجب، أخذ يراقب السجارة وهي تحترق للمنتصف، لونها الأحمر المتوهج يثيره، يجذبه بشكل غريب، نفخ في سجارته بخفة ليبعد الرماد الذي علق بالوهج، ابتسم الآن ونظر لصديقه:  - هاا..ماذا قلت؟!  ردّ "فيصل" بغيظ من بروده: - لقد أعددتُ هذه الحفلة من أجلك. - ومن قال لك أني أريدُ حفلاً؟! ما المناسبة أصلاً؟! - المناسبة!! المناسبة هي حالة الاكتئاب الغارق فيها حتى أذنيك..  عاد ليبتسم بتهكم، وهو يشعر بالضيق، مرارة علقت بحنايا جوفه ، أحالت أيامه إلى علقم، كل ما يشعر به هو الفراغ، الفراغ الذي لا ينتهي.....  اقترب منه "فيصل"، لمس كتفه فانتبه له: - هيا قم معي. - لا أريد. - هيا، لا تكن طفلاً. - اهتماماتي ليست كاهتماماتك. - ماذا تقصد؟! - أتسمي هذه الحفلة علاجاً؟! - قم وانظر ماذا أحضرتُ الليلة..واووو، روعة يا "خالد"، روعة، صنف جديد سيعجبك!!! - أف، لا حول ولا قوة إلا بالله، كم مرة قلتُ لك لا أريد. - فقط شاهدها على الأقل، فاتنة، حورية، صدقني لن تندم، وستشكرني على هذه المفاجأة!!!  أخذ يلحُ عليه حتى نهض معه، سار بضيق ليرى تلك "الحورية" الإنسية كما يزعم!!!  كانت مديرةً ظهرها تراقب بإهتمام تصميم الشقة، وقد تناثر شعرها الأحمر الكثيف على كتفيها، بدت ساحرة في وقفتها تلك، دارت وكأنها أحست بأعين تحدقُ بها، تثمِّنها!!!!!  ابتسمت لهما بإمتهان، بادلها "فيصل" ابتسامة متشدقة، ثم عاد ليراقب تعابير وجه صديقه، ليعرف انطباعه عن تلك اللوحة المصبوغة أمامهما بإتقان محترف!!!!!  وهاله ما رآه، كانت أوداجه قد برزت بقوة، وقد تلاشت ألوان وجهه، بل دكنت!!! بدا وكأنهُ يصارع شيئاً ما، أن يصرخ مثلاً أو يقتل من أمامه!!!  - ما اسمك؟! سأل بصوتٍ هادر.  جفلت من صوته الغاضب، هذا ونحنُ لا زلنا في مرحلة التعارف!! - ليالي.."ليالي سوداء". ردت بدلع مصطنع. - ما اسمك بالكامل؟! - وماذا تريد به؟ سألت بضيق وهي تطالع فيصل.  التفت لهُ هذا الأخير وهو عاقدٌ حاجبيه: - إنها محقة، ما شأنك وشأن اسمها؟!  لم يرد عليه، عاد ليخاطبها بحدة من جديد: - ألا تسمعين، أجيبي... - أنا لم أحضر هنا للتحقيق.
الجزء [7] من قصة ضلالات الحب     نظرت لفيصل بغضب وهي تبحث عن حقيبتها التي ألقتها كيفما كان، لكنّ "خالد" لم يمهلها، انتشلها منها وأخذ يفتش فيها بعصبية، شهقت وهي تحاول منعه، و "فيصل" يراقب تصرفات صديقه الغريبة بذهول.  تناثرت محتويات الحقيبة على الأرض...لم يجد مبتغاه، عادت أوداجه لتنتفخ من جديد، تقدم منها والشرر يتطاير من عينيه: - ما اسم والدك اجيبي؟ - لا شأن لك بإسمي، أتفهم.. - والدك اسمه عبدالله ال.....؟! صح.  شهقت هذه المرة بصوتٍ أقوى، أردف: - ويعمل سائق سيارة أجرة، أم أقول أنهُ كااان!!  نظرت إليه بذهول، هي اختارت هذه المنطقة لأنها بعيدة عن مدينتهم، كي لا يعرفها أحد، من هذا؟! وكيف عرفها!! إنها لا تذكر أن رأت وجههُ من قبل، أما هو فلم ينسى، لم ينسى وجهها رغم كل المساحيق التي تضعها، أليست أختها؟! كل ما يتعلق بها يظل محفوراً في عقله و !!!!!!!  حاولت أن تتمالك نفسها، فأن تؤكد له ما يقول، فيه نهايتها المؤكدة، نهاية أخوتها، لا بأس أن تضيع هي فلا أمل يُرجى منها، أما "مريم" و"أحمد" فالمستقبل أمامهما، لا زالوا على أعتاب الحياة.. هكذا رددت في نفسها، وهي تبلع ريقها من الخوف، إنها بأشد الحاجة للكتمان، بأشد الحاجة إليه....  ردت ببرود: - يبدو أن صديقك الذي أحضرتني إليه أصابه الجنون، وأنا لا أتعامل مع مجانين. - أنا المجنون أم أنتِ أيتها الساقطة؟!  صفعتها كلمته "ساقطة"، أرادت أن تتماسك، لكنّ اهتزاز جسدها كشفها، غادر "خالد" المكان بغضب وعاد ليلتقط مفاتيح سيارته لينصرف، لحقه "فيصل" وهو يحاول أن يفهم الأمر برمته...  - إنها هي هي، هي أختها أجزمُ بذلك. - أختُ من؟! - أخت تلك الفتاة التي ...........  صمت دون أن يكمل، هزهُ الاكتشاف الجديد، ألم يكن متشاءماً من الأعداد الفردية، ألم يكن يبحث مازحاً عن لقب رابع يُلصقه بها..ها هو يجده: أختها ساقطة!!!! لقب بديع لا؟!! لقب طغى على كل الألقاب، كسر ذلك الأمل نهائياً، كان متردداً في أن يتخذ تلك الخطوة التي أرقته، وجاء هذا الاكتشاف ليُمحي كل ذرة أمل باقية...  التفت بيأس إلى صديقه، يُخاطبه بلسان حاله: - وتريدني بعد كل هذا أن أتزوجها؟!   ====================  - لحظة، انتظري لم أكمل نقل بقية المحاضرات. - لا بأس أنقليها مرةً أخرى. - نسيتي؟! بعد غدً سأقدم الامتحان الذي فاتني.  نظرت "أمل" لساعتها مقطبةً، دقت بأصبعها على فمها، ثم مطت شفتيها وهي تقول: - أنا تأخرت الآن، "راشد" لم يتوقف عن الاتصال بي، يقول لديه مفاجأة في الطريق.... …………………………….-  - اسمعي ما رأيك أن تأتي هذا المساء لبيتنا، سأشرح لكِ أيضاً. قالتها بإغراء. - ههههههه، تشرحين لي؟! أنتِ لا تركزين أصلاً في المحاضرات... - ماذا تعنين؟! سألت بغضب زائف. - لا شئ. - ها ماذا قلتِ؟  لم تجب، كانت مترددة، حائرة، ولكن مستقبلها الأكاديمي في المحك، الشهادة تأتي أولاً قبل كل شئ.... - طيب، سآتي في الساعة الثامنة أو ربما في السابعة . - سأنتظرك، مع السلامة. - مع السلامة.  تابعتها إلى أن توارى ظلها نهائياً، حملت كتبها وسارت هي الأخرى إلى موقف الباصات...  وصلت للمنزل، كانت قابعة مع أخيها يتناولان الغذاء، ألقت التحية وهي ترمق أختها ببرود، كانت تأكل بلا شهية، تحرك يدها في الطبق دون هدف.....  - لديّ طلب، ممكن؟! - نعم.. - أ بإمكانك أن تبقي الليلة في المنزل؟! - ل...لماذا؟ ماذا حدث؟! من قال؟ ماذا.. (أخذت تسأل وخوف يرتسم على وجهها.(  تطلعت لها "مريم" بإستغراب، حتى "أحمد" رفع حاجبيه ويديه عن الأكل..  تمالكت نفسها وهي تزدرد ريقها: - أقصد ما السبب؟! - سأذهب هذا المساء لبيت "أمل"، لديّ فروض.. - آه. (ردت بهمس.(  ثم تنهدت وهي تسترجع صوتها المعهود: - لا بأس.  "ليلة واحدة لن تفرق في شئ"!!! وابتسمت بتهكم.....  ===============  الساعة الآن السابعة مساءاً بتوقيت الإمارات، سارت الهوينى تتأمل نجوم السماء حيناً وتصدُّ للأرض حيناً آخر كي لا تتعثر في مشيتها...  الدنيا في هذا الوقت أمان، تسمع أصوات الأطفال الفارين من ذويهم ليلعبوا لعبتهم المفضلة "الصيدة" ومن أجمل من المساء ليتخذوه غطاءاً!!  وصلت للمزرعة، حينها أسرعت في سيرها، هناك كانت أول ذكرى لقاءها به، محفورة في ذاكرتها، ويا لها من ذكرى!!  دقت باب الجرس، انتظرت كثيراً، أخذت تتطلع إلى الأوراق الشاغرة، فاتها الكثير في الأيام الماضية...  فُتح الباب، أطلّ بوجهه، حولت وجهها للجانب الآخر، لم تلاحقك الكوابيس أينما كنت؟!  - أمل موجودة.. - تفضلي.  كان واقفاً بتردد، همّ بالكلام، بقولِ شئٍ آخر ربما لكنهُ أحجم، لا زال ملتصقاً بالباب، وفرجة الباب ضيقة لا تسمح لها بالولوج بالرغم من نحافتها.  تطلعت إليه بضيق وهي تتأفف لعلهُ يبتعد، مرت دقيقتان بطيئتان ثم ابتعد.  أشار لها بأن تدخل غرفة الجلوس كي ينادي أخته، جلست وهي تُعيد ترتيب أوراقها، تضع علامات على الدروس الناقصة، لم تشعر بألم في معدتها ودقات كدقّ المسمار في صدرها، قلبها يدق بقوة كطبول مجنونة...  "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، تلت سورة الفاتحة في سرها"   ثم أخذت شهيقاً بطيئاً وطويلاً، ألهذه الدرجة رؤيته توترها، ولم تأخرت هذه الأمل أيضاً؟!!  وانفتح الباب، لم تأتِ هي بل أطلّ هو، قال بصوت هادئ: "- أمل" ليست هنا، لقد ذهبوا جميعهم إلى "أبو ظبي" لخطبة ابنة عمي لأخي راشد...  لم تعلق، لم لم تخبرني!! نهضت من مكانها وهي تلمُّ أوراقها، وتوجهت إلى الباب. - لا زال الوقت مبكراً على الخروج..  فتحت عينيها بدهشة وهي تحاول أن تتمالك نفسها: - لو سمحت أريد أن أخرج. - طلبك مرفوض. - كنت تعلم بعدم وجود أحد وتركتني أدخل؟!! صاحت فيه بغضب.  عبس في وجهها ولم يجب، أغلق باب الغرفة خلفه وتقدم ناحيتها، تراجعت إلى الوراء وهي تصرخ: - لاتتقدم، إذا اقتربت مني سأصرخ.  ضحك بجفاء دون أن يتراجع، ردّ بتشدق: - اصرخي كما يحلو لكِ، فلا يوجد أحد هنا إلا الخدم وهم فوق ينظفون الشقة للعروس الجديدة.  تساءلت بخوف..بصوتٍ متقطع كأنفاسها: - ماذا تريد؟ - أريدكِ أنتِ..   وتوقف حينها عن الضحك وهو يتأملها ببطء من رأسها إلى أخمص قدميها، ارتجفت من نظرته: - أنا..أنا لا أفهم شيئاً.  ردّ بجدية: - بل تفهمين.  طفرت الدموع من عينيها، وهي تشعر بزلزال يهزُّ كيانها من الأعماق، راقبها بصمت وهي تضم الأوراق إلى صدرها بقوة حتى تجعدت، وفمها يرتعش وقد احتقن وجهها فبات لونهُ أحمراً قانياً كالدم...  خاطبها بقسوة من فوق كتفيه: - لا تنظري إليَّ هكذا كأني مجرم مغتصب، حددي لي السعر وسأنقدك إياه فوراً..  فغرت فاهها طويلاً وهي تحملق فيه دون تصديق، تلاشت كل الألوان من وجهها وعجزت عن النطق، ماذا يقول هذا الرجل؟!!!  50000 -درهم تكفي؟!  عادت من ذهولها، تساقطت الأوراق من يديها ولم تشعر بنفسها إلاّ وهي تنقض عليه، تضربه على صدره بكل ما أوتيت من قوة وهي تصيح: - أيها الحقير، الحيوان، الدنئ، أيها النذل الجبان...أتحسبني عاهرة..  لم يتحرك، ولم يصد هجماتها عليه، كان واقفاً كالصخر يتلقى ضرباتها ولعناتها الأبدية وهي تلهث من شدة التعب: - هل هدأتي الآن؟!  لازالت شحنات الغضب تتصاعد في جوفها، تكاد تخنقنها، كيف تجرأ وقال لي هذا الكلام!!!! ماذا يخالني هذا الحقير..  صدرها يعلو و يهبط وصدى كلماته تكتمُ أنفاسها، تمنعها حتى من الصراخ، أطلقت دموعها قبل أن تنفجر، حولت وجهها عنه وراحت تلم أوراقها بيد مرتجفة وبعينين لا تريان:  - ماذا تفعلين، لم ننهي اتفاقنا بعد!!!  شهقت من بين دموعها وألقت بنفسها على الأوراق تبللها وتنشج بصوتٍ متقطع كنشيج الميازيب في مواسم المطر، أيُّ ذلٍ أعيشهُ أنا!!!  سألها وبكل وقاحة الدنيا: - لم كل هذا الصياح..ماذا تتوقعين أن يحدث لفتاة مثلك؟!  رنت كلمة "مثلك" في ذهنها بوقعٍ غريب لم تستسغه أذناها، رفعت رأسها من على الأوراق، تنظرُ إليه وهو لا يكاد يبين، سألتهُ بصوتٍ متكسر لا تتضح حروفه: - م...ث..ل..ي!! مثلي...كيف؟! ل..لا..أفهم.  جثا بجانبها، لم تجفل، كان همها أن تفهم، أن يجيب على سؤالها، ردّ بثبات دون أن يبعد ناظريه: - مثلك في وضعها أبٌ متوفٍ، أخ مدمن يستخدم الحقن في الشوارع بالقرب من النفايات كما تعيش الكلاب الضالة، وأخت ساقطة تبيعُ نفسها في شقق العزاب!!!  "ساقطة، ساقطة، ساقطة" صفعته على وجهه بقوة وبكل الكره والغضب الذي أعمى عينيها، صاحت فيه: - ما الساقط إلا أنت..  أمسكها من معصمها بقوة حتى كاد أن يسحقه، أكمل وبكل دناءة: - أجل، ساقطة..البارحة كنتُ في شقة صديقٍ لي، باعت نفسها عليه، ثم أتت تعرض نفسها علي بكل وقاحة لا تتقنها إلا الساقطات..  حاولت أن تسحب يدها لتصفعه مرةً أخرى، لكنهُ كان أسرع منها، صرخت من بين دموعها: - أنت تكذب..تكذب، أختي لا تفعل هكذا، أنت تكذب..أنت حيوان، نذل، حقير...  وانتابتها نوبة من البكاء الهستيري، لم يرحمها ولم يرحم دموعها، هزها من يدها لتنظر إليه من جديد: - لا تصدقيني؟!! إذا شئتِ أخذتك إلى شقة صديقي الآن، لا بد أنها هناك.. ………….-  - أتعرفين لم نبذتها، لأنني لا أحب الأشياء المستعملة، الأشياء الجديدة هي دوماً من تستهويني، مثلك تماماً.. ………….-  - ثم أعتقد أنّ الجمع بين الأختين حرام أيضاً!!!!!!!  كفّت عن الصياح وقلبها يكاد أن ينخلع، أخذتُ تأن بصوتٍ منخفض، تخاف أن تحجب دموعها عيناها فلا ترى ما يودُّ فعله، لا زال ممسكاً بيدها المسحوقة، برقت عيناه واشتدَّ سوادهما، كانت يتنفس بسرعة، جفلت من شكله المتوفز..  وضعت يدها الأخرى على فمها لتمنع صرختها، توسلت إليه برجاء، بصوتٍ مبحوح من كثرة الصياح: - أرجوك دعني أذهب..أرجوك.  ترك يدها، وقام من جلسته وهو يدير وجهه بعيداً عنها: - آسف، أنا لا أملك الخيار.  أنهضت نفسها بتثاقل، كانت تشعر بالإعياء، بالجهد...الضغط الإنفعالي الذي تعرضت له يفوق طاقتها، يفوق احتمالها، يفوق كل الآلام التي تعرضت لها منذُ ولادتها!!!  رفقاً بالقوارير..هكذا وصى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وانظروا ماذا فعلوا بوصية رسولهم....  يريدون تحطيم تلك القوارير، تهشيمها، تفتيتها، لكأنها خُلقت من أجلهم، من أجل إرضاء غرائزهم..بئساً لهم وتعساً لنا.....  نظرت إليه بتحدي، بشموخ لا قرار له، وهي تمسح وجهها المبلل: - أو تظن أني سأسلّم نفسي لك، أو أجبن عن الدفاع عنها، كم أنت واثق من نفسك كثيراً، تعتقد أنّ كلامك سيثبطني، سيردع مبادئي، سيزعزع إيماني أو ثوابت ديني، لا تعرف كم زادني قوة لأواجه الحقيرين كلهم وأولهم أنت..  تطلع إليها بسخرية وابتسامة قاسية ترتسمُ على شفتيه: - وبماذا ستدافعين عن نفسك؟! بجسدكِ النحيل هذا!!!  كم كرهته تلك اللحظة، كرهت كلامه، صوته، كل شئ فيه....  سارت خطوتين، لكنهُ أمسكها، حاولت أن تتملص منه، سحب حجابها، هالتها هذه الخطوة وجمدت في مكانها..  شعرها لازال رطباً، كان قصيراً فاحم السواد، التصق بعنقها وتناثرت خصلاته المبللة على جبينها...  هذه هي المرة الأولى التي يراها أجنبي دون حجاب، يراها حاسرة، القوارير انتهكت حُرمتها، ماذا يبقى بعد ذلك؟؟!  مشوار الجسد يبدأ بخطوة!!  نظرت إلى حجابها الذي كان ممسكاً به، تبكي عليه، تبكي على هتك سترها..  "يا رب أنا لم أقصد أن أُظهر شعري يوماً لغريب..كلُّ شعرةٍ شيطانة وكلُّ شيطانٍ في النار، يا رب لم أقصد ذلك، فاغفر لي....."  دمعت عيناها بحرارة كما لم تدمع يوماً في حياتها......   ألن ينتهي هذا اليوم أبداً؟!!  اقترب منها، تراجعت إلى الوراء بضعف، استندت على الجدار ترتجف كورقة خريفية توشك على السقوط، عن الخروج عن جذعها الذي طالما انتمت إليه...  أغمضت عينيها بقوة، تعصرهما عصراً، لم تعد تراه وسيماً، تجسدت فيه كل قباحة الدنيا، كلها دون استثناء...  أمسك خصرها، يداه كالنار تحرقُ جسدها، وضعت باطن كفها على فمها لتمنع لوعةً فتت كبدها تلك اللحظة، أرسل جسدها اهتزازات عنيفة تستنكر..  - أرجوك.. (كررت بصوتها المبحوح) أرجوك.  قرب وجهه منها، أنفاسه الساخنة تلفحُ وجهها، همس في أذنها بصوتٍ أجش: - أرجوك ماذا؟! أرجوك أكمل؟!!!  وضعت يديها على أذنيها وهي تصرخ: - ابتعد عنيييييييييي. - آسف يا صغيرتي.  هزت رأسها وقربه يقطعها، يحيلها إلى هشيم، صاحت بين شهقاتها: - أريد أن أعود للبيت..أرجوك لالالالالالالالالالا.... - دموعك لن توقفني هذه المرة..أتسمعين؟! - أمي..أنا..قالت...و .... (كانت تهذي دون أن تعي شيئاً).  هزها من كتفيها لتنتبه إليه: - ماذا تقولين؟!  أخذت تأن دون أن تجيب، تنظر بعجز إلى يديه اللتين استقرتا على كتفيها، كطوق، كقيد يجرها لا تدري إلى أين..  فهم نظرتها، صاح فيها بغضب وكأنهُ يخاطب نفسه، يُريد أن يحسم الصراع بداخله: - من الأحمق الذي يترك فرصةً كهذه؟! أخبريني!!!  عادت لتضع أصبعها المرتجف بجنون على شفتيها كما هي عادتها في القسم، رددت بصوت مبحوح: - أقسم..أقسم لك..والله..والله العظيم لن أعود إلى هنا..لن أُريك وجهي..فقط دعني أذهب.  أبعد يديه ببطء، احتواها بعينيه وهو يقول بتشفٍ وبرود: - تذكرين ذلك اليوم، أعطيتك خياراً آخر لكنكِ رفضته. …………………..-   صاح بجفاف: - أنا مريض..ألم تقولي ذلك؟! والمثل يقول: داوي نفسك بالتي هي الداءُ!!!  حركت يديها المنكمشتين في الهواء بذعر وهي تنفي: - أنا لم أقصد..لم أقصد شيئاً، سامحني.. - تأخرتِ كثيراً...  ترى صورتها المنعكسة في عينيه، تهتز كذُبالة شموع الأمس، حين تمر عليها هبات النسيم، ويخفت الضوء شيئاً فشيئاً ولا يتبقى إلا الظلام، الظلام الأعمى فقط...  لفت وجهها للجدار تماماً وأجهشت بالبكاء من جديد، تطلع لها بشفقة وهو يراقب اهتزازها...  " أنا لا أملك الخيار، لا بد أن أمسح صورتك من ذهني، يجب...هذا هو الحل الأخير وبعدها ينتهي كل شئ!!!!"  قالت من بين شهقاتها، بإستعطاف، بذلٍ مرير: - تريدني أن أبتعد عن أختك، سأفعل، فقط..أنا..أتوسل إليك.. - أنتِ لا تفهمين شيئاً..لا تفهمين.  وضرب بقبضته على الحائط بقوة، أجفلت و هوت عند قدميه وهي تنتفض...  كان يريد أن يُطلق كل انفعالاته الهوجاء، يترك لها العنان، صرخ بقوة ليُغطي على الصوت الصغير بداخله، ذلك الذي لا يفتأ أن يحتج على كل شئ وهو يحاول إخراسه للأبد: - كفي عن البكااء!!  تطلعت إليه من علو، عيناها الدامعتان تتوسلانه، ترجوانه بصمت، تطلبان منه الرحمة، الرحمة فقط....  أدار وجهه ناحية الغرب، يلمُّ قبضته بتوتر..  "لا فائدة..لا فائدة!!"  نكست رأسها، دموعها تتساقط على قدميه بيأس بائسٍ مثلها...  دموعها الحارة أيقظته من سرحانه، تطلع لها وآلاف المشاعر تتقاذف في صدره، لا يستطيع أن يحللها، عاجز عن فهمها تلك اللحظة...  السكون بينهما قد خيم وكأنّ على رؤوسهم الطير، لازال يتأملها وهي مطرقة، لو كان بيدها لدفنت نفسها الآن في الأرض، أسفل سافلين!!!  قالت له بصوتٍ خافت، كأنهُ قادم من بعيد: - أحمد..أحمد أخي.. - ماذا به؟ - من سيبقى له؟! - أنتِ.. - كلا....   وعادت لصراخها الهستيري و هي تهزُّ رأسها: - أنا حين أخرج من هنا لن أعود إلى هناك أبداً..أبداً.. - ماذا تعنين؟! سألها بخوف.  نظرت إلى الجانب الآخر وهي تضمُّ يديها بقوة إلى صدرها وفمها يتجعد من جديد: - أريدهُ أن يربى نظيفاً، لا أريده أن يعيش مع القذارة بعد اليوم...  نظر لها بصدمة يحاول أن يستشف مغزى كلامها!!!  صدرها يعلو ويهبط في حركات متتالية، نكست رأسها أكثر وهي ترتعش، تنتظر مصيرها، ومصيرها بيد جلادها!!  تذكرت الدجاجة التي اصطادتها مع أخيها "أحمد" ذلك اليوم البعيد القريب كالأمس، وجاء اليوم فغدت هي تلك الدجاجة، تلتفت يميناً وشمالاً، تحاول أن تجد لها مفراً ولكن هيهات...  رفعت رأسها لجلادها تلك اللحظة، أتُراه سيقضي على حياتها؟!!  . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   "باقي من الزمن ساعة، أليس كذلك؟!"  تحرك بعيداً، بعيداً بما يسمح لها أن تتنفس بحرية، دون وجود جزيئات أخرى تشاركها الغلاف الجوي....  فتح الباب دون أن يلتفت، مرّ وقت طويل قبل أن يقول: - اخرجي بسرعة قبل أن أغير رأيي...  وانصرف من غرفة الجلوس وهو يصفق الباب خلفة بقوة!!  أما هي فقد تهاوت كلياً على الأرض، انزلقت ببطء تُريح أطرافها الممزقة، تستمدُّ منها الأمان، تحضن نفسها غير مصدقة نجاتها...  تنفست ببطء وعيناها مغمضتان، تلهج بالحمد بلسانها مراراً وتكراراً...  وكأنها ارتاعت من جلستها في هذا المكان المشؤوم، قفزت من مكانها وكأن أفعى لسعتها، وبالرغم من الثقل الذي برجلها إلا أنها انطلقت كالمجنونة وهي تلهث، تلتفت خلفها كل حين وكأنّ شبحاً يجري خلفها!!!!!!!!!  ==============  مريم يا دمعةً في الخد...سيري... برعاية الرب سيري....  لم أشأ ولم تشأ حروفي.... لكنها قسوة الأيام..قسوة الزمن الغادر...  زمن حين لا أم ولا أب و لا أحد..... زمن حين تتراقص الفراشات حول فوهة البركان دون هُدى....  آه، ما أقسى الزمن!!!  أعلم أنّ اعتذاري لن يكفيك ولكن كلي أمل أن تسامحيني يوماً.....  في السماء نجوم تهوي... وفي الأرض زهور تتفتح!!!!  ولاندري ماذا يُخفي الليل في جلبابه...  مداد حبري قارب على النفاد.... وضلالات الحب كادت تصل.... وللقصة بقية فانتظروها......  كان ما شئناهُ وانتهينا.... فهل أرحنا خافقاً وعينا؟!

***

ضلالات الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن