الفصل الثالث

18 7 0
                                    

توقفت السيارة السوداء عند باب المزرعة، وخالد لازال يتأمل والرهط يتقدم منه، وفي تلك اللحظة رفعت "مريم" وجهها المبلل وهي تنظر له بقوة من خلال غلالة دموعها، وبصوتٍ مبحوح قالت: - أقسم أن الأمر لن ينتهي هكذا. تابعت سيرها وهي تلج السيارة وأحمد بجانبها، وفي الجانب الأيسر جلست "أمل" وهي زائغة، حائرة لا تعرف حقيقة ما حدث وعن أيِّ أمرٍ يتكلمون!!!  لم يكن البيت بعيداً، كان يبعد مسافة عشرة دقائق فقط عن المزرعة، أشارت مريم للسائق لمنزلها من بين شهقاتها المكتومة، أما "أمل" فظلت تعتذر وتعتذر دون أن تدري عمّا تعتذر عليه!!!  ترجلت وهي تسحب "أحمد" معها بقوة، دخلت المكون من طابق واحد، تبحث عن والدها، لم يعد بعد، من الصعب أن تتكهن بوقت رجوعه بحكم عمله كسائق سيارة أجرة..  دخلت حجرتها لتلقى أختها الكبيرة جالسة على الكمبيوتر، التفتت إليها هذه الأخيرة، نظرت لها بدهشة: - ماذا حدث لكِ، لمَ تبكين؟!  لم تجب "مريم"، ارتمت على سريرها، وقد ارتفع بكاءها..  - كاد أن يرمي بالكلب علينا ليعضنا. صاح "أحمد". - أيُّ كلب وعمّن تتحدث؟؟ - هناك- وأشار بيده ناحية الغرب- في المزرعة، لكنني ضربتهم وصرخت عليهم!!  نزلت "ليلى" بمحاذاة "أحمد" لعلها تفهم شيئاً مما يقوله: - أحمد أعد عليّ ما حدث..أين كنتم وماذا حدث؟؟  أخذ "أحمد" يحكي كثيراً، ينسى أشياء ويضيف أشياء لم تحدث أصلاً كأفعاله البطولية مثلاً، وليلى تقاطعه وصوت مريم يرتفع بالبكاء...  وفجأة دخل الوالد عليهم: - بالله عليكم، لم كل هذا الصياح، أيّ مصيبةٍ أخرى حدثت؟؟  رفعت "مريم" وجهها المبلل، تمسح دموعها التي أغرقت وسادتها، كان واقفاً وهو يلهث من شدة التعب، والإعياء ينضح من قسمات وجهه، هرعت إليه وارتمت على صدره الذي طالما احتوى همومهم ومشاكلهم، أخذت تأن وليلى تخبره بما حدث كما فهمت من أحمد، مسح الأب على شعر ابنته وشعور بالغضب يكاد يفتته يقتلع صبره، إنه يعرف ما يثيره هذا الحيوان من ذكرى بغيضة لابنته الحبيبة، حاول أن يهدأها لتسكت وتريح عينيها من البكاء ونارٌ أخرى تشتعلُ في جوفه: - كفى يا ابنتي، سأذهب لأتفاهم معهم.. - كلا، لا نريد أن نتفاهم مع هؤلاء الكلاب، سنذهب إلى الشرطة لنقتص حقنا.. - يا ابنتي، لا أريد أن تتبهدلي في مراكز الشرطة و...  أبعدت مريم نفسها عن صدره وهي ترفس الأرض بعناد: - كلا، لن أدعه يهرب بفعلته، سآخذ حقي منه لقد أقسمت...  تنهد الأب بتعب وهو يمسح على وجهه، يعرفها عنيدة كأمها "لم تركتني أحمل عبئهم وحدي".. - إن شاء الله، سنذهب غداً ارتحتي (ثم التفت إلى "أحمد" وشدّه من أذنه( كل هذا بسببك أنت، مالك ودجاج الآخرين؟ - أخ، أخ، كنتُ سأريها لك. صاحت مريم: - دعه يا أبي قد آلمته.  تركه الوالد وهو يخاطبهم: - أين المصيبة الأخرى، لم أره في البيت؟! كان يقصد أخاهم الأكبر "محمد".  هزوا أكتافهم دلالة النفي، ومنذ متى عرفوا له مستقراً لا هنا ولا في وطنهم، هو بالنسبة لهم شبح يخطف عليهم أحياناً، يتناسون وجوده، يذكرونه سهواً ...  - لقد خرج منذ الصباح، لا أدري إلى أين .... أجابت ليلى.  خرج الأب من غرفتهم وهو يستعيذ من الشيطان الرجيم، لحقته ليلى وهي تنادي: - أبي، أأسكب لك الغذاء؟ لم يلتفت لها وأكمل طريقه: - ومن له شهية ليأكل والمصائب تُحذف على رأسه...  عادت "ليلى" لتجلس على الانترنت عشقها الأول والأخير لتكمل ما بدأته، لحق أحمد الصغير بوالده، أما مريم فعادت لتبكي بصمت وهي تستند على الجدار الملاصق لسريرها..  لم يكن خوفها من الكلاب طبيعياً، بل كان رهاباً مرضياً ناتج عن تمزق أربطة قدمها وهي في العاشرة من عمرها بسبب عضة كلب، مما خلف لها عرجاً دائماً، خفَّ أثره مع العلاج الطبيعي والزمن..  استلقت على فراشها وهي تشدُّ الغطاء حولها بإحكام لعلها تبعد صورة ذلك الكلب والرجل الطويل عن ذهنها!!!

***الروايه منقوله

ضلالات الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن