الجزء 3

147 6 0
                                    


الجزء الثالث..
وكلّما قيّدتني أفكارٌ كهذه بحبائلها أبعدْتُها عني بإقناعِ نفسي أنّ الله غفورٌ رحيم، وهو القائِل في كتابه : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
ذات مرةٍ إستحضرتُ هذه الكلمات في قلبي🤍 و أسكنتُها فيه فأحسست بشيءٍ من الراحة
والطمأنينة، وكأنّ جيوش الرحمن قد حلّت ورايات الأمل أضاءت.. حينها حملت مرتضى💁 وذهبت إلى البيت🏡 إذْ ساد الظلام🌃 وظهرت النجوم مضيئةً في وسط السماء، فتركت مرتضى داخل البيت وخرجت إلى الحديقة الأمامية لأستنشِقَ الهواء، وإذا جرس الهاتف☎️ يدّق، أسرعتُ إليه، ورفعت سماعته لأسمع صوت مدير الشركة🧔🏻 وهو يقول بعد أن حيّاني بتحية الإسلام : 🔹مهندس سعيد أردتُ أن أسألك عن السقف الخامس للمبنى رقم 60 هل هو حاضرٌ للصب غداً ؟أجبته فيه بعض النواقص يمكن إصلاحها في الغد إنشاء الله وسأشرف عليها بنفسي. فقلت له لاتقطع الاتصال ارجوك🙏🏼 تفضّل هل هناك شيء؟ 🔸نعم إنّ لديّ حديثاً معك بشأن مهندس جمال👨، وقد يطولُ الكلام فيه ولا يمكن طرحُه عبر الهاتف.. فهل تسمح لي باليسير من وقتك للتحدث بشأنه ؟ 🔹هل تريد أن تأتي غداً الساعة الرابعة🕓 عصراً إلى المكتب ؟ 🔸 أنا أودُّ أن يكون الحديث سرّياً، إذ أنّ موضوعه يتطلب ذلك، وأُفضِّل أن يكون ليلاً تجنباً لتعثره بسبب كثرة المراجعين لكم . 🔹 لا بأس بذلك، يمكنك أن تأتي الساعة التاسعة🕘 ليلاً إلى بيتنا وسأكون بانتظارك غداً هناك . 🔸وماذا لو كان اللِقاء هذه الليلة، يعني الآن ؟ 🔹الآن ؟! ولماذا كلّ هذه العجلة فهل الأمر يستوجب ذلك ؟ 🔸نعم يستوجبُ كثيراً . 🔹حسناً سأكون بانتظارك من الساعة التاسعة إلى العاشرة . 🔸أشكرك وفي أمان الله . يبدو أن الوقت سيدركني، فعليَّ تحضير العَشاء لمرتضى فقد بدَت عليه علامات الجوع، وليس من الصحيح أن يبقى هكذا . على كلّ حال وصلتُ في الوقت المناسب إلى بيت🏡 مدير الشركة، وتمّ اللقاء في بيته، وبدَت عليه علامات التعجب😳 والتأسف😓 كثيراً لما كان يسمعه بشأن جمال، وبدأ يضرب أخماساً بأسداسٍ عندما تكشَّفت له أمورٌ كان غافِلاً عنها وبأدلةٍ لا يمكن حملها على أمرٍ آخر، فأحسستُ بثِقلها عليه كلّما صارحتُه ببعضها، وفي المقابل كنت أحسّ بخِفَّة الثقل عني شيئاً فشيئاً وكأني أرفع صخرةً بعد أخرى من على ظهري، لِأضعها على عاتِقه وأُلقِي بمسؤليتها نحوه.. توقفتُ عن الكلام، وذهب في تفكيرٍ🤔 عميقٍ رفع رأسَه بعدها وقال : 🔹لكن لماذا لم تصارحني بذلك قبل هذا الوقت ؟ 🔸كنتُ أتأمل منه أن يعود إلى رشده ويعيد الأموال💰 إلى محلِها كما كان يعِدُ بذلك بين مدّة وأخرى، ويلمّح على أنها قرض لا أكثر، وله صلاحية التصرف بها . 🔹إنّه سيأتي غداً قبل الظهر إلى المبنى رقم 60، أرجو أن لا تكلمه بشيءٍ عن حديثنا هذا، فإنّي أعلم كيف سأتصرف معه. في صباح اليوم التالي وكالعادة حملتُ مرتضى إلى بيت جدّه، ثم توجهت إلى البنك لِأضعَ في الحساب مقداراً من المال الذي حصلتُ عليه من بَيْع عدّة حاجات من البيت، بعدها توجهتُ إلى موقع العمل الذي فيه أبنية عائدة للشركة كانت قَيْد الإنشاء، وأعطيت كل عامل👷‍♂️ بطاقةً تحوي على جدول📃 أيام عمله يوماً بيوم مع إمضاءٍ عليه حتى يمكن لهم مراجعة الشركة لِإستلام مبلغها💵 في حالة غيابي آخر الشهر . لأولِ مرةٍ في حياتي أحسستُ أنّي أصبحت حراً غير مقيّد، خفيف العبء، قد فُكَّكت جميع القيود عني، وقُطّعت كل الحبال مني إلا حبل الله، ولا شي الآن من الوصول إليه، إلى الهدف والغاية، إلى المقصد من خلقي ... وبينما أنا في دوّامة الفكر هذه وإذا بأمرٍ يخطر على ذهني... أنا شَكوْتُ لِإمام الجُمعة الحُجُب التي تمنعني من الوصول إلى الله، وقد علمتُ الآن إنّه لم يتركني دون جواب عن عدم مبالاته منه، بل أراد لي معرفة الطريق بنفسي، وقد لمستُ الآن أنّ الوصول إلى الله والدُنُوِ منه لا يكون إلّا بالتحرر من تبِعات الدنيا ومادياتها والتزوّد بزادِ التقوى للرحيل إليه... آهٍ! لماذا كل هذه الحُجُب قد وضعتُها أمامي، فهي كالسدّ الشامخ الذي يمنع الحقيقة أن تظهرَ بوجهِها النورانيّ، لا أدري لماذا يصنع الإنسان شقاوته بيده ليعيش الدنيا في ظلمات الحيرة والضلال والحِرص والغضب ولا يذوق السعادة حتى لقطرةٍ منها؟! بل الأكبر من ذلك لماذا يفشل الإنسان في مَعْبرٍ قصيرٍ، ونعيم الأبد ينتظره..؟! ولماذا يُقدِم الإنسان بنفسه إلى جهنّم🔥 كان يعلم أنّها أمامه؟ لماذا كنتُ هكذا ولم أذق السعادة إلى هذه اللحظة، وقد خالطها الندم والحسرة على ما سبق. توجهتُ إلى المبنى رقم 60 لأرى إن كان السقف قد رُفعت نواقِصه التي أبلغتُهم بها يوم أمسٍ أم لا.. وصلتُ المبنى وتوجهتُ إلى السُلّم للصعود إلى السقف الخامس، وفي أثناء الصعود كان لي توقف في كل طابق لِأرى وأسجّل مراحل تقدم العمل فيها، حتى وصلت الطابق الرابع وإذا بجمال👨 واقفٌ كأنّه ينتظر شخصاً ما، ولمّا رآني إبتسمَ😉 إبتسامته الكاذبة التي تعَوَّدتُ عليها ثم قال بلهجةٍ ساخرةٍ : 🔹ماذا ستفعل يا مهندس سعيد، الصبّ غداً والسقف غير مُهيأ . 🔸 لديّ الوقت الكافي لتحضيره فلَم يبقى نقصٌ إلّا الشيء القليل . 🔹إذاً لِنصعد فوق السقف ونرَى هل ما تقوله صحيح أم لا . أخذ بيدي🤝 يجرُها بقوةٍ بعد أن مسكها وهو يقول : 🔹 هيا نصعد فليس لدينا وقتٌ كافٍ . 🔸 يجب عليّ أولاً أن أتفقد هذا الطابق ثم نتوجه لِما فوقه . لاحظ جمال إصراراً كبيراً مني على ذلك، ورأى أن ليس في اليد حيلةً فقال : 🔹 حسناً لنتفقد معك هذا الطابق ونرى ماذا سيجري . لم يطل بقاؤنا فيه كثيراً، بعدها توجهنا إلى السقف الخامس، صعدتُ بخطواتٍ بطيئةٍ وهادئةٍ تدل على التعب من الجولة التي قمت بها لحدّ الآن، أما جمال فلاحظت خطواته مرتبكةً، ووجهه مضطرب، ولونه يتغير بين الحين والآخر، كما لاحظته في كلامه متردداً تخالطه ابتساماتٌ مفتعلة تظهر بها أسنانه😁 في كل مرّة بصورة قبيحة... فتعجبت كثيراً من تصرفاته، إنه لا يعلم بحديث البارحة مع مسؤول الشركة بشأنه، إذاً فما هذه التصرفات الغريبة منه ؟! على أيّة حال وصلنا واستقرت اقدامنا فوق السقف الخامس، لقد كانت مساحته كبيرة تقارب الألف متر مربع، ألقيتُ نظرةً عامةً عليه فلم أرَ غير شخصين كانا فوقه، إتجَه جمال نحوهما ولم يُطِل كلامه معهما حتى تفرّقا وإتجها نحو السلّم للنزول وذهبا.. ثم توجهَ جمال نحوي وقد أصبح الإرتباك على وجهه أكثر فأكثر، وازداد إحمرار لونه فسألته قائلاً : جمال ما الذي حدث ؟ لا شيء، تعالَ هناك لأُرِيك النقص الذي لم يصلُح لحدّ الآن. قال هذا وقد أمسك بيدي ليجرها نحوه، وهو يشير إلى حافة السقف قائلاً: هناك ! لِنذهب هناك . إتجهتُ نحو حافةِ السقف ونظرتُ إلى الحديد الذي رُبِط فيه فرأيته مطابقاً للخرائط، وليس فيه نقصٌ يُذكر، فوقفت منتصباً لأقول له إنّ الربط صحيحٌ، لكن قبل أن أتفَوَه بكلمة، أحسستُ بوضعِ يدَيه على ظهري، ودفعَ بي بقوةٍ من على السقف إلى الأسفل، ولم يكن هناك شيءٌ تمسكُ به يدي...

سفر الى عالم البرزخ مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن