الجزء 6

92 4 0
                                    

الجزء السادس......

لم أعد أسمع👂 كلام مَن إجتمع
حولي مِن أهل الدنيا، لكنّي ما زلتُ أرى 👀صورهم.. ولم يُطِل هذا الوضع كثيراً حتى اختفَت صورهم عني، ويبدو أنّ عيني الدنيوية قد عُطِّلت وأصبح بدني جثّةً هامدةً ملقاةً بينهم.. ثم حلّقَت روحي فوق بدني وانفتحَت عيني البرزخية لأرى وجوه من إجتمع حولي من أهل الدنيا قد تغيرَت إلى حيواناتٍ🦧 أو أشباه حيوانات🦛 بأشكالٍ عجيبةٍ غريبةٍ، مختلفةٍ فيما بينها، إلّا مؤمناً👨🏼‍ لا يزال بينهم بوجهِهِ النورانيّ على هيئة إنسان.. فتعجبتُ منه كيف لا يُخالِطه الخوف والرعب منهم، بل رأيته يُهدّئ بهم بعد أن إرتفع عويلهم. أمّا النساء فبدأْنَ يضرِبْن بأيديهنّ على وجوههّن ويصرِخْن، فقلتُ مع نفسي لا حول ولا قوة إلّا بالله يا ليتهم يعلمون أني ما زلتُ حياً! لكنّي أصبحت متأكداً من أنهم لم يعودوا يسمعوا 👂كلامي مهما ناديتهم وأخبرتهم بحالي، فإنهم ما زالوا من أهل الدنيا... 🔹اشتدّ الصراخ أكثر فأكثر فنادى ملك الموت : ما هذا الصراخ! والله ما ظلمناه ولا يسبِقن أجله، ولا يستعجِلَنَّ قدره، وما لنا في قبضِه من ذنب، و إن ترضُوا بما صنع الله تُؤجَروا، وإنْ تَحزنوا وتسخطوا تُؤثَموا! إزداد عدد الناس حول بدني المُلقى على الأرض شيئًا فشيئاً، وارتفع الصراخ من كل حدبٍ وصوب، فبقيتُ كالحيران🤔 لا أدري ماذا أفعل وقد رأيت ملك الموت وأعوانه قد تهيئوا لمفارقتي، فناديتهم بأعلى صوتي : يا عزرائيل! يا ملائكة الرحمة! إلى أين تذهبون وتتركوني وحيداً في هذا العالم الغريب؟ فأنا لا أعلم إلى أين المقصد وكيف سيكون المسير! إلتفتَ ملك الموت نحوي وقال : 🔹ياعبد الله إتبع جنازتك حيث حملوها، وستلاقي من يرشدك الطريق . قلت له : 🔸يا ملك الموت! ماهي العقبات التي أمامي؟ فإني أخاف الوقوع في الهاوية، وأرى شياطيناً تحوم حولي . 🔹أمامَك ضغطة القبر، إذْ ستكون عليك شديدةً وصعبةً ومؤلمةً لتنقى بها روحك مما علِق بها حين وجودها في قالِبك المادي، و لا بدّ من تطهيرها لتتمكن من عبور مراحل عالم البرزخ، وتنسجم معه . قلت له وقد أصابني خوفٌ🥺 من كلامه : 🔸وهل يمكن النجاة من ضغطة القبر ؟ 🔹كان هذا ممكناً لك في الدنيا❗️ أما الآن فلا... إذ إنّ روحك من أول خلقك هي جوهر وجودك وهي من عالَم المجردات، أما بدنك الذي تراه الآن مُلقى على الأرض كان من عالَم الماديات، وكلّما تعلقَت روحك به أكثر كان تقيّدها بعالم الماديات أكبر، و يقابلها ابتعاد عن عالم المجردات والملكوت، وذلك يمنعها من الانسجام معه عند الانتقال إليه.. ولهذا ترى كثيراً من أولياء الله المخلصين قد جردوا أرواحهم من أبدانهم وحرروها، فاتصلوا بالملكوت قبل حلول أجلهم، وتنعموا به قبل أن أقبض أرواحهم . طاطأتُ رأسي وأوكلت أمري إلى الله ثم توجهت إلى ملك الموت قائلا : 🔸وماذا بعد ضغطة القبر ؟ 🔹سيأتيك ملكان ويسألونك عن ربّك ودينك ونبيك وإمامك وكتابك وقبلتك🕋.. فإن أجبتهما تنجو ويفتح لك باب🚪 من أبواب الجنة . قلت له متعجباً : 🔸إنّ هذه الأسئلة في غايةٍ من البساطة! وكل شخص يستطيع الإجابة عنها لسهولة حفظها . 🔹كلا ! ليس كما تتصور، فهنا في عالَم الملكوت تظهر الحقائق كما هي، فإن كنت قد حفظتها في الدنيا ولم تكن قد صدّقت بها عن علمٍ وفهمٍ وبحثٍ وتدقيق، لم ينفعك ذلك❗ إذ إن أصول العقائد لا يكفي حفظها فقط، ولا يمكن التقليد فيها ، ومن كان مقلداً فيها لم ينطق لسانه👅 عند سؤال الملكان منه أبداً. قال هذا وأراد الذهاب فترجيته بسؤالٍ أخيرٍ.. قال : 🔹 قل ما عندك . قلتُ : 🔸كنّا في الدنيا نخاف حتى من إسمك، ونتصور أنّك تأتي لتقبض الأرواح بقسوةٍ شديدةٍ وصورةٍ موحشةٍ، أمّا ما رأيته الآن خِلاف ذلك. 🔹إنّ ما تقوله صحيحاً👌، بل أشدّ قسوةً ووحشةً ممّا كنتَ تتصورَه، ولكن هذا حين وصول أجَل الكافر والعاصي.. إذ آتِيه بهيأةٍ موحشةٍ ومرعبةٍ، فيكون ذلك أول عذابه حين موته، وأنزع روحه بسيخٍ من نار🔥، فيصرخ ويستغيث ولا مغيث له.. ثم فارقني فأحسست بغربةٍ ووحشةٍ شديدةٍ حتى رأيتُ الجنازة قد حملوها بعيداً عني فأسرعتُ للّحاق بها.. كانت السيارة 🚑تسير بسرعةٍ بالغةٍ بعد أن وضعَت الجنازة فوقها وإستقلَّت عدداً من الناس داخلها كان مؤمن👨🏼‍ أحدهم، وقد سررتُ كثيراً عند رؤيته وهو مشغولٌ بقراءة القرآن والدعاء حتى وصلنا المقصد، وهو مكتبٌ للفحوصات الجنائية فحملوا الجنازة إلى إحدى الغرف الخاصة، حيث تمّ إجراء الفحوصات اللازمة عليها، وبعدها أعطوا الإذن بحمل الجنازة لدفنها.. حملوها وأعلنوا أن مراسيم التشييع ستكون الساعة الخامسة🕔 بعد الظهر بعد أن أخبروا أقاربي بِما حدث واتفقوا معهم على موعدٍ ومكانٍ التغسيل والتكفين والتشييع.. كنتُ أحسُّ بعلاقةٍ غريبةٍ تشدّني إلى جنازتي، وأينما كانوا يحملوها أسرِع معهم للّحاق بها.. ورغم ذلك لم تغِب عن مُخَيلتي أنوار المعصومين والجنّة التي تمثلَت لي، وقدح ماء الكوثر الذي تذوقته عند الإحتضار حتى نسيت ضغطة القبر التي تنتظرني، لذا كنت أنادي بمن يحمل جنازتي أن عجِّلوا بي إلى مثواي وغايتي!في مختصر بصائر الدرجات عن أبي جعفر (ع) قال: قال علي ابن الحسين( ع)موت الفجأة تخفيف على المؤمن وأسف على الكافر، وان المؤمن ليعرف غاسله وحامله، فإذا كان له عند ربه خير ناشد حملته بتعجيله، وان كان غير ذلك ناشدهم أن يقصروا به....)).
إنتهت مراحل التغسيل والتكفين على هذا البدن المسكين الذي كانوا يُقلِبونه يميناً ويساراً ويلقُون عليه الدلوَ تِلوَ الآخر من الماء، بعدها طُوِيَ بالكفن الأبيض والناس على ذلك بين مدهوشٍ ومبهورٍ وبين مَن يستعجل الإنهاء ليلحق بعمله ويغرق مرةً أخرى في دنياه، وكأنّ الموت كُتِب على غيره دونه! وضعوا الجنازة مرةً أخرى في التابوت وأرادوا حملها، وإذا بشخصٍ يأتي مُسرعاً ليُخبِر الحاضرين بأنّ الدفن أُجِّل إلى غدٍ لحصول مشكلةٍ في شراء أرض القبر وتحديد مكانه.. و أُمِرَ بحمل الجنازة إلى مسجد🕌 قريب من المقبره لِتَبيتَ هذه الليلة فيه.. حمَلوها وتَبِعتُهم وحَلَّقتُ فوقهم وقد أصابني قلقٌ🥺 واضطرابٌ شديدَيْن ممّا سيؤولُ إليه مصيري، وكيف سأقضي هذه الليلة ومَن سيكون مؤنسي، حتى وصلوا بي إلى المسجد ووضعوا الجنازة في جانبٍ منه وبدءوا يأتون جمعاً وفُرادى ليقرأوا الفاتحة عليها.. وكثيرٌ منهم يُتمتِم بلسانه رياءاً دون قلبه، فأشمئزُ منه إذ لا تنفعني فاتحته بشيءٍ وليتَه يفسح المجال لغيره فلعلَّه يأتي من يُعِينني بنسمة أُنسٍ بقراءته! إزداد سواد الليل وبدأ الحاضرون يغادرون المسجد🕌 شيئاً فشيئاً ممّا يزيد وحشتي في عالَمِي الجديد.. حتى خلا المسجد تماماً إلّا مِن شخصٍ أجبروه على البقاء فيه، لكن أيّ شخصٍ انتخبوا! بل أيّ حيوانٍ مخيفٍ وقبيحٍ تركوه معي! وهو لا يعرف آيةً من القرآن أو كلمة دعاء ! فلم يكن فقط غير مؤنسٍ بل إزددتُ وحشةً وخيفةً منه! غطَّ هو بنومٍ عميقٍ😴، وارتفع صوت شخيره أمّا أنا فبدأت احوم في المسجد من مكان لاخر حتى جلست في زاويةٍ وهي نفس المكان الذي كنت أخلو فيها وحيداً لقراءة القرآن في عالَمِي الدُنيويّ فأحسستُ بإطمئنانٍ وسكونٍ أكثر فيها .. نظرتُ إلى جنازتي وإذا بوحوشٍ مخيفةٍ مرعبةٍ قد إقتربَت منها وأحاطَت بها وتهيأَت لإفتراسِها. يا إلهي! ماذا أفعل وليس لديّ سلاحٌ فأتجرأ به على الإقتراب منهم وإبعادهم، وكلّما دنَوْت منهم توجهوا نحوي وألقُوا عليّ نظراتٍ مخيفةٍ أكاد أذوب من هَولِها، وكلّما وضعوا أنيابهم على جنازتي أحسّ بألمٍ شديدٍ لا يُطاق وكأنّهم يقطعون روحي ويمزقونها وليس بدني المُلقى في التابوت.. فلا أدري ما هذه العلاقة بيني وبين بدني بعد إنفصالي منه.. ولم يكن هناك معينٌ أستعين به، ولا ناصرٌ أنتصر به أو ألوذ إليه.. فبدأت أصرخ وأستغيث بصوتٍ عالٍ، وهذا الذي انتخبوه لِمَبيت المسجد الا يسمع👂 صراخي! الا ينهض ياويلي 😱 ماذا افعل...

سفر الى عالم البرزخ مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن