الجزء الثاني عشر

71 4 0
                                    

الجزء الثاني عشر…

ليتني عرفتُ قدري في الدنيا
قبل أن يُعرِّفونه لي الآن! ألقوا بي وأنا مكتّف الأيدي👐 والأرجل🦶🦶 على أرضٍ محمّرة مسودّة ملتهبة، كلّما لامسها جزء من بدني دفعتُ به ليتكئ على جزء آخر، فأصبحت متقلِباً ممدوداً أتحول من مكانٍ إلى آخر تحت أقدام سكان أهل جهنم الذين كانوا يقفزون من شدّة آلامهم، والنار🔥 مشتعلة فيهم، فكأنهم قطع نارٍ متحركة مضطربة، والملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم بسِياط غليظة. آهٍ ثم آهٍ، ألمي لا يوصف، وعذابي (رغم قلّة درجته على قول الملك) لو قُسِّم على أهل الدنيا جميعاً ما تحمّلوه! لقد كانت حرارة النار🔥 تدخل الى أعماق قلبي🤍 فتحرقه قبل بدني، وأيّ نار! أظن أنّ حرارتها لو مسَّت جبال الأرض لانصهرت، ولو سقطت شرارةٌ منها على بحار الأرض لتبخرت. كنتُ أسمع في الدنيا وأقرأ عن نار الآخرة وأتصورها بما يتناسب مع تخيلاتي المحدودة في ذلك الوقت، أمّا الآن فإن روحي بعينها تذوق العذاب وهي حاضرة فيه لا خارجة عنه، وشتّان بين الإثنين.. أصابَني عطشٌ شديد، لذا كنت حين تقلُبي أنظر هنا وهناك بحثاً عن الماء، فرأيت أحد ملائكة الغضب يحمل إناءً أسود يتصاعد منه بخار، ويُسمع منه صوت فَوَران ما بداخله، أدناه مني فانشوى وجهي لشدّة غليانه! وكنت متردداً بين قبوله وردّه، لكن يبدو أن لا خيار لي في ذلك! فقد أراقه في فمي دون أن ينتظر، وليتَه لم يُرِقهُ! لقد كان حميماً وأيّ حميم، قطّع أمعائي لشدّة غليانه، فازددت ألماً وعطشاً فوق ألمي وعطشي، وندمت حتى على نيتي في طلب الماء وشربه. قال الملك وقد ضربني بسوطه مستهزِئاً
كيف كان طعم الماء ؟ لم أجبه فقال : (( وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً )) وهناك نوعٌ آخرٌ من الماء هل تريده ؟ أجبته بصوتٍ ضعيفٍ وشفاهٍ يابسة : 🔹 نعم. تناول إناءً آخر وأراقَه في فمي فإذا به أسوء من الأول، لِذا قذفتُه خارجاً بعد أن ترك في حلقي مرارةً لا تُطاق فقلت له : 🔹 أتقول عن هذا أنّه ماء ؟! قال : إنه ماءٌ صديد، يخرج مع الدم الذي يسيل من أثر جروح أهل جهنم . أحسست بجوعٍ شديدٍ حتى إنني لم أعد أقوى على الحركة، بل حتى على التقلّب يميناً وشمالاً. رفعت رأسي قليلاً بحثاً عن الطعام🥘 فرأيت شخصاً يصرخ صراخ المجنون بعد أن دخلت أفعى🐍 عظيمة فمه ثم خرجت من دُبره، وبدأت تلدغ في وجهه وبدنه والنار🔥 ملتهبة تحت قدمَيْه🦶. نحَّيْتُ بصري👁️ عنه لبشاعة منظره، و إذا بسَوْط أحد الملائكة يهزّني، رفعتُ رأسي نحوه فقال : هل تريد طعاماً ؟ أجبته بصوت خافت متقطّع : 🔹نعم لم يمكث طويلاً حتى أتى بإناء ممتلئ قرّبه مني فنظرت لما فيه وإذا به طعام على هيأة نبات ذي أشواكٍ حادة ورائحةٍ نتنة كريهة. فتح السلاسل من يديّ وأشار لي بتناوله . أخذتُ الإناء وتناولت ما فيه، وليتني لم أتناوله ولم أطلبه، لقد مزّق حلقي فلا يدخل فيه ولا يخرج منه، ولم أقذفه إلا بشِّق الأنفس وجهد جهيد، فقلت له عجباً من طعام ! نظر إليّ الملك وقال : (( إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً )) قلت له   من أين أتيت بهذا الطعام ؟ قال : ❗️ أنت صنعته لنفسك في دنياك، فأتيت به من خزانة أعمالك 🔹 عجباً وكيف أصنع لنفسي طعاماً كهذا ؟ ❗️أكلك مال الحرام تجسّم بهذا الشكل من الطعام، كنت لا تراعي في وقت عملك أنك أجير لثمان ساعاتٍ يومياً في شركة أبرمتَ عقداً🧾 معها فتأتي متأخراً أحيانًا أو تخرج منها مبكراً دون عذر شرعي يجوّز لك ذلك... مضَت ساعات إذا بي أسمع👂 ضجيج أناس يصرخون، وقد زاد الضجيج شيئاً فشيئاً لإقترابهم منّي فتمعنتُ فيهم وإذا بهم مجاميع من أناسٍ ذات وجوه وأبدان سوداء والنار🔥 محيطةٌ بهم، ونارٌ أخرى تخرج من أفواههم👄 وآذانهم👂، وهم في حالة هَوْلٍ وذُعرٍ😰 شديدَيْن، يركضون وكأنهم قد فرُّوا من فزعٍ عظيم . أصغيتُ إلى صراخهم فسمعتهم👂 يقولون : أين نهر الماء ... أين نهر الماء ! جمعتُ قِواي وقمتُ من مقامي وتبعتهم أملاً في إيجاد نهر ماءٍ كما يزعمون، ولم يمضِ وقتٌ حتى إقتربنا من ضِفّة نهرٍ كبير، وما أن وصلوا إليه حتى ألقوا بأنفسهم فيه، إلّا أنا إذْ وصلتُ متأخراً فهمَمتُ باللّحاق بهم ولكني سمعت👂 صراخهم وقد تضاعف وعويلهم قد عظُم، نظرتُ إليهم فرأيتهم يصرخون ويستغيثون وسط نهرٍ يغلي غلياناً شديداً علمتُ فيما بعد أن مادته كانت من النُحاس المُذاب ذات الحرارة العظيمة.. حمدتُ الله أنّي لم أكن معهم، ويبدو أن لديّ من الأعمال ما منعني من ذلك . همَمتُ بالعودة وإذا بي أرى مجاميع أخرى في حالة ركضٍ شديدٍ نحو جهة أخرى، وتلاحقهم ريحٌ ذات حرارة وسموم حتى وصلتهم وأحاطت بهم ودخلت في مسام أبدانهم، فبدأوا يصرخون ويستغيثون، وكلّما رأوا غيمةً☁️ سوداء هربوا إليها ليستظِلوا بظِلها، فإذا هي الأخرى تبدو وكأنها دخانٌ أسودٌ غليظٌ يُمطِر🌧️ عليهم بكِتلٍ من نارٍ ملتهبةٍ لا تُخطِئ في هدفها ولا ترحم مَن تحتها . إنتهَت فترة عذاب الصباح وكأنّها استغرقَت سنين طويلة لشدّتها وقسوتها، فهدأت النار وانطفأت من تحت أقدامنا، واختفى سواد دخانها من أنظارنا، ورُفعت سياط ملائكة الغضب عن أبداننا، وأعلنوا بدأ الإستراحة حتى الليل، حيث وجبة العذاب التالية! ... كان يتكرر ذلك يومياً غداةً وعشياً وبين فترةٍ وأخرى يتغير نوع العذاب إلى آخر، لذا رأيت أنواعاً عجيبةً غريبةً ذات قسوة شديدة لا تتصورها عقول🧠 أهل الدنيا، فكيف بمن يعيش فيها ويتحملها  ذات يومٍ بالتحديد بعد خمسة أيام من دخولي جهنّم، كنتُ أعيش حالةً عصيبة من المرارة والألم وسط حرارة النار🔥 المشتعلة حولي، إذ كان عَرَقي يخرج من رأسي وبدني يجري عليه ثم يتخِّذ سبيله إلى الأرض التي تحتي، فأراه يتبخر فوراً لشدّة حرارتها وعظيم لهيبها، وبينما أنا في تلك الحالة إذ جاءتني نسمة هواء باردة فغمرتني بعذوبتها وأطفأت النار من حولي، وجرى من تحتي ماء ! 💧لا أصدق ما أرى، نعم إنه ماءٌ يجري! وها هي قدماي تبتَل منه! غرفتُ منه غرفة لأتيَقَن أنّ ما أراهُ حقيقة لا خيال وقد كان ذلك. لقد تغير كل شيء وهدأت جميع النيران، وغابَت جميع مجسّمات أعمالي السيئة لأعيش حينها حالة من الراحة والسكون ! سمعت👂 أصواتاً لم تكن غريبة عني فأصغيت إليها جيداً وإذا بها أصوات أهلي يتحدثون فيما بينهم ثم ظهرت أمامي صورهم وقد اجتمعوا حول قبري، نعم ها هي والدتي👵🏼 تدعو لي وتبكي😭، وها هو أخي👨🏻‍ يتلو القرآن، ما أجمل صوته وأعذب لحنه، وهذه أختي🧕🏻 تمسك مرتضى💁‍♂️ بيدها وتحاول قراءة شيءٍ من الكتاب الذي بيدها الأخرى، جزاها الله عنّي خير الجزاء .... هممتُ بالتقدّم نحو صورهم وإذا بصوتٍ يناديني : - لا فائدة من ذلك، إكتفِ بالنظر👀 إليهم والأنس بوجودهم حول قبرك . فهمت المعنى وبقيت أنظر اليهم وأتمعن في صورهم وأحسست بأُنسِ عظيم بإجتماعهم.. تمنيتُ أن لا يغادروا قبري ولكن ليس كل ما يتمناهُ الإنسان يناله! فقد إقترب موعد الرحيل ثم تركوني وذهبوا...

سفر الى عالم البرزخ مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن