الجزء 4

111 5 0
                                    

الجزء الرابع…
فنظرتُ لِمَا تحتي في اللحظة
الأولى من السقوط، وإذا بقِطَع الحديد الحادّة المبعثرة هنا وهناك، حينَها تيقنتُ أنّها لحظات الخلاص، وما هي إلّا أنفاس قليلة وتنكشف الأسرار ويظهر الغيب الذي أُخفِي عني طول عمري، هي لحظاتٌ معدودة لا أكثر وسأصِل إلى ما تخوّفتُ منه تارةً واشتقتُ إليه تارةً أخرى . هي لحظاتُ السقوط بين السقف الخامس والأرض، وقد لا أعطي حقّها في الوصف إن وصفتها، لكن أقول بشأنها أنّه لم يبقَ لي فيها غير الله أحدٌ في الوجود أتوجهُ إليه، ولا شيءٌ أنظر فيه ولا أملٌ أتطلع إليه، فقد قطعتُ خيوط الأمل من كل شي غير الله، بل كل شي غاب عنّي ولم يبقَ لي أحد سِواه.. وحقاً في تلك اللحظات أحسستُ بمعنى التوحيد، وتذوقتُ طعمه، حينها نطقَ لساني صارِخاً يا الله يا الله يا ... ولم أُكمِل الثالثة حتى سمعتُ👂 صوت السقوط قويّاً على الأرض، وبدأ ألمٌ شديدٌ يسرِي في بدني، وسُلِبت منّي القدرة على الصراخ، وانشلَّت أعضائي عن الحركة، وحُجِبت عنّي الرؤية.. فلَم أعد أرَ شيئاً ولا أبصِرُ أحداً وغرِقت ُفي إغماءٍ شديدٍ وعميقٍ ... أفقتُ من حالة الإغماء العميق الذي غرقتُ فيه، وظهرت لي ملامح شخصٍ لم أتعرّف عليه مسبقاً، ولم أرَ له من قبل نظيراً، وكلّما أنظر إليه تبهَتُ عيني لرؤيته، وينبهر فكري لعظمة خلقه، فهو بهيئته يعجز الخيال عن وصفه ومقارنته بخلقٍ من مخلوقات الدنيا.. ظهر فجأةً بين الجمع المزدحم حولي، يُصاحبه عدّة مخلوقات أخرى ذات أجنحةٍ لطيفةٍ وأبدانٍ تبدو خفيفة، لكن العجيب أن الناس كانوا مشغولين بيَّ عنه، ولم يلتفتوا إليه على الرغم من غرابة منظره واختلاف هيئتِه وعظمة خَلقه! وكأنّهم لم يرَوه! أمّا أنا فقد شغلني هو عن غيره، ولم أعد أنظر إلى ما حولي بقدر ما أنظر إليه، وقد بدأ يقتربُ أكثر فأكثر، فاضطربتُ حتى أحسستُ برجفةٍ في بدني، وكَلَّ لساني👅 عن النطق والسؤال عمّن يكون.. إلتفتَ إلى من كان معه وتكلم معهم بكلامٍ لم أفهمه، إذ اختلط كلامهم مع دويّ من إجتمع حولي، لكنّي إلتقطتُ منه بعض الكلمات منها قوله لهم : - إنّه من المؤمنين، لكنّه لم يصل إلى مرتبة الأولياء فارفِقُوا به قليلاً.. كان بدني بصورةٍ لا يسمح بالتحرك يميناً ويساراً، وبصعوبةٍ بالغةٍ كنتُ ألتفِتُ إلى ما حولي، فوجِئتُ بصديقي مؤمن👨🏼‍ وهو يصل بصورته المشرقة، ويجلس بجانبي ليقول :  سعيد! سعيد👨🏻‍ هل تسمع 👂كلامي؟ أجبته بصوتٍ ضعيفٍ جداً : نعم، قل لا اله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله، فقد يكون آخر كلام يجري على لسانك، هل تسمعني يا سعيد ؟ سمعتُ كلامه، وأردتُ نطق ما قاله لي ولكن ظهر فجأةً عدّة مخلوقاتٍ بوجوهٍ قبيحةٍ سوداء فهي كالقِير الأسود [القار او الاسفلت].. أصابني خوفٌ شديدٌ منهم وقد إجتمعوا حولي فأمسَكوا بلساني👅 عن النطق، وكلّما أردتُ نُطق لا إله إلّا الله مَنَعوني من ذلك.. سمعتُ مؤمناً مرةً أُخرى ينادي :  سعيد هل تسمعني؟ مرةً أُخرى أجبتُه بصوتٍ ضعيفٍ :  نعم . 🔹 سعيد ألَم تسْتَطِع قول لا إله إلّا الله؟ يبدو أنّ الشياطين😈👿 قد إجتمعت حولك لتمنعك من النُطق،( قيل في الكافي عن أبي عبدالله قال:" مامن أحد يحضره الموت إلا وكل به أبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى تخرج نفسه فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه ") ....،
ياسعيد الملائكةُ حولَك يرشدونك إليه فأستعن بهم.. إنّك في حالة إحتضار سعيد! لقد بدأ سفرك الطويل الذي تنبأَ به إمام الجُمعة، هل تفهمني ؟ سعيد👨🏻‍، هل تفهمني ؟ لم يكن مؤمن يرى ما أرى، لكن على أثر كلامه بدأتُ أدرِكُ ما أعيش.. نعم إنّها سكرات الموت، وهذا الذي لم أعرفه ملك الموت مع أعوانه قد جاء لِيقبض روحي، نعم وهذه ملائكةُ الرحمة عن يميني، وهؤلاء الشياطين عن يساري، إلهي ماذا أفعل؟! إلهي يا من أَنْطَق عيسى في مهدِه أنْطِق لساني بذكرك.. إلتفتَ لي أحد ملائكة الرحمة وقال : إنّك كنت كثيراً ما تذكر الله في دنياك، وسنحاول أن نَجِد شيئاً يُبعد الشياطين عنك . إلتفتَ على أصحابه ليقول لهم : - هل تجدون من أعماله شيئاً ينفعه في أزمته هذه ؟ ادعوا أعماله وأوقاته لتتجسَّم أمامه.. هولٌ لا يمكن وصفه، ولو صُبَّ على أهل الدنيا لغشِيَ عليهم ولم يفيقوا... لقد تجسمَتْ أمامي كل الأفعال القبيحة التي فعلتها منذ أن بلغتُ سنّ التكليف وحتى يومي هذا.. آهٍ كم كانت موحشة وكم كانت قبيحةً وبشِعة، وكذلك الأوقات والساعات التي ضَيْعتُها خالية أو مملؤة بالذنوب.. يا حسرتي على ما فرطتُ في جَنْب الله!! يا حسرتي على كلّ لحظة ضاعَت مِن عمري ولم أملأها بالزاد ليومي هذا!! ياحسرتي على كلّ عملٍ خالطه الرياء.. يا ويلتي على كلّ مالٍ أخرجتُه لغير الله، وعلى كل كلمةٍ تفوهتُ بها أو كتبتها لغير الله، وعلى كلّ تبسّمٍ أو فرحٍ لم يخالِطه ذكر الله.. ويا ويلتي على المال الذي تركته والأثاث ذي القيمة العالية التي بَقِيَتْ ساكنة البيت، فبماذا تنفعني الآن.. ؟! آهٍ وما هذه الوحوش المخيفة المظلمة في سوادها، وهل سترافقني؟ وإلى متى؟ وما ذلك الأسود المكشِّر أنيابه، وما هذا السَوْط الذي بِيَده؟ آهٍ آهٍ ... لِشدّة الهول والحسرة أُغمِيَ عليّ ولم أفِق إلّا بسياط الشيطان الذي كان قد أمسك بلساني وأبرز أنيابه ضاحكاً ومُقهقِهاً بصوتٍ عالٍ وشكلٍ قبيحٍ وهو يقول : ياعزيزي، لا تتحيَّر وقُل ربّي الدنيا، ألم ترَ أنَّ الدنيا كانت زهيةً بهيةً، ألم ترَ أنَّ الشريف من شرَّفته أمواله؟ ولو كنتَ مطيعاً لها بِما أمرتُك ما وصلتَ إلى هذه الحال، فذلك جمال👨 لا يزال يترفّه ويتنزّه ويأكل ويشرب ما يشتهي ويتلذذ بِما يريد.. فهل تعلم كيف وصل إلى ذلك ؟ أنا أقولُ لك، إنّه أطاع الدنيا فأوصلَته إلى هذا المقام، إذاً فهي الربّ لا غيرها، وأنا أنصحك بأن تعترف بذلك، فلعلّ حالك يتحسن، ولعلّي مع أعواني الذين تراهم نستطيع أن نخرجك ممّا أنت فيه.

سفر الى عالم البرزخ مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن