الجزء التاسع

75 2 0
                                    

الجزء التاسع…..

وبينما أنا في تلك الدوامة⚕️ من
الفكر الذي إختلط به أنين الألم، وإذا بصوتٍ مرعبٍ😨 مهولٍ يملأ القبر، فهو كصوت الرعد في السماء! نظرتُ 😳إلى صاحبي الذي كنت أتحدث معه فإذا به مبهوراً من ذلك وإتخذ جانباً من القبر مع رفقائه ليراقبوا ما سيحدث، أما أنا فكنت أكثر إضطراباً عندما رأيت كائنَيْن دخلا القبر بهيئةٍ ذات ملامح عجيبةٍ غريبةٍ وهيبةٍ عظيمةٍ مخوفةٍ توحي إلى عِظَم شخصيتهما، فلم أرَى مثلهما مخلوقاً قَطْ في عالم الدنيا، كانت أبصارهما كالبرق الخاطف وأصواتهما كالرعد القاصف! بادرني أحدهما بالسؤال قائلاً : 🔸- أجِبنا من ربّك ؟ تذكرتُ ماقرأته سابقاً في الكتب عن الملكيْن منكر ونكير، وأنهما يختصّان بسؤال الميت عن عقائده، حينها سألتهما : 🔹- هل أنتما منكر ونكير ؟ قال الآخر : 🔸- نعم ولا بدّ لك من الإجابة على أسئلتنا كي نعلم صحّة عقائدك، وأنها نابعة من الإيمان القلبي، لا من تقليدٍ ولقلقة لسان👅. والآن أجب عن السؤال الأول دون تأخير: 🔸من ربك ؟ كان سؤاله للمرّة الثانية بغضبٍ أكثر وصوتٍ أعلى، حينها أسرعتُ بالإجابة فقلت : 🔹- ربي .. ربي .. ❗️يا إلهي إنّ لساني غير قادرٍ على نُطق ما أردت نُطقه ! بل نسيت ما نوَيت قوله ونوَيت الإجابة به، فأصبحت أنظر إليهما تارةً وإلى الكائنات المنيرة تارةً أخرى لعلّ أحدهم يُسعفني، وبدلاً من ذلك رأيت شخصاً أسود اللون كالقير، قبيح الشكل، موحِش ومخيف المنظر، قد برزَت أنيابه فزادته قباحةً فوق قباحته وبدَت منه رائحة كريهة زادتني نفوراً منه. بدأ يقتربُ منّي حتى إستقرّ أمامي وقال أراك كَلَّ لسانك عن النطق وتعثرت في الإجابة، ولكن لا بأس عليك فسوف أنقذك من مأزقك، قُل إنّ ربّي أنتما الملكين، وكلّ شيءٍ بيديْكما، ألا ترى قوتهما وتسلطهما عليك! فلو شاء أحدهما أن يحرقك الآن لفعل. ▪️وعلى فرض أني أكذبُ عليك كما تظن، ففي جميع الأحوال إن أجبتَ بما قلتُه لك، فسوف تنجو منهما لأن أي شخص تمجّده وتمدحه فسوف تغمره نشوة الكبرياء والسلطة، وسوف يعفو عنك، بل قد يكرمك ويكافئك على تمجيدك إياه. كنت متحيراً في أمري بين كلام هذا القبيح الأسود، وبين ما كنت أؤمن به من توحيد الله، فتساءلتُ مع نفسي لماذا لا يبرز هذا الإيمان بهيئة جوابٍ للملكين ؟ فهل إنّ توحيدي لله لم يكن خالصاً في الدنيا ؟ أم أنه كان سطحياً لم يتوغل في أعماق قلبي ولم يُعجَن مع روحي التي لم تفنَى حين موتي ولن تفنى حتى الأزل. إذ أنّ ضُعف الإيمان والتوحيد تجسّد بهذه الهيئة من التعثرات في الجواب، وبينما أنا في تلك الدوامة من الفكر وإذا بأحد الملكيْن يصرخ في وجهي : 🔸- لماذا لم تجب حتى الآن عن سؤالنا ؟ ألم تعلم من ربّك ومن كنت تعبد ؟! وقبل أن أبدأ كلامي المتعثر من جديد سمعتُ أحد الكائنات النورانية ينادي : - قُل ربّي الله، قُل ربّي الله الذي لا إله إلّا هو. بعدها نادَت جميع الكائنات النورانية بصوتٍ واحدٍ منتظم : قل ربّي الله، قُل ربّي الله الذي لا إله إلّا هو. وبعد أن سمعتُ👂 كلامهم قلَّ إضطرابي واطمئن قلبي وانطلق لساني، فقلت : 🔹- ربّي الله ربّي الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر. تنحى القبيح جانباً وكأنّه فشِل في مهمته السيئة، وبَقِي ينظر إليّ بنظرات حِقدٍ وشرّ منتظراً فرصةً أخرى يتدخل بها. قال أحد الملكيْن : إنّ توحيدك لم يكن خالِصاً لله بصورة كاملة. لقد كنت في بعض الأحيان تعلّق الرزق أو النجاة من مصيبة وقعت فيها بأشخاصٍ مخلوقين مثلك، كما أن بعض أعمالك يخالطها الرياء وحب الشهرة والسمعة.. غافلاً عن أن ذلك مخالف للتوحيد الخالص لله الذي بيده أسباب الكون ومسبباته، لذلك لم تتمكن من الإجابة إلّا بعد مساعدة الولاية ورفقائها من الصلاة والصوم والزكاة والحج والعمرة والبر والإحسان، و لولاها لفشلتَ ولأحرقنا عليك القبر وجعلناه باباً إلى جهنم التي توعدكم الله بها. نظرتُ إلى الكائنات النورانية وقلت بصوتٍ متعجبٍ مندهشٍ  إذاً أنتم .. أنتم كما قال .. ثم إلتفتُ إلى الملكيْن و عرفتُ أنّ الذي على يميني منكر والذي على يساري نكير . قال منكر : 🔹 بقيَت أمامك أسئلةً إن نجحت في الإجابة عنها نجَوت، وإلّا هلكت وبقيت في عذابٍ وبلاءٍ إلى ما شاء الله. والآن أخبرنا من هو الرسول الذي أرسله الله إليكم وبأي دين جاء فأطعتموه ؟ كان لديّ اليقين الكامل بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وبرسالته، فقد طالعتُ الكثير من الكتب التي كانت تثبت ذلك، وتعطي الأدلة الشافية على صحّة رسالته التي جاء بها، لذا لم تكن هناك صعوبةً في الإجابة إذ قلت وأنا أُظهرُ الإتّزان والإطمئنان في كلامي : 🔸 إنّ نبيّنا محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله آمنتُ به بالدليل دون أن أراه، واتبعتُ رسالته دون أن أكون معاصراً له، واتبعتُ خليفته من بعده علي بن أبي طالب الذي كان حجة الله على خلقه، ثم تلاهُ في الإمامة أحد عشر كوكباً معصومون من الزلَل، أمرنا بطاعتهم، فكانوا هم سفينة للنجاة و سبيلاً للهداية، و إذا شئتَ ذكرتُ لك أسمائهم واحداً تِلوَ الآخر. كنتُ خلال حديثي مع الملكين أنظر لمن حولي فرأيت القبيح يشتعِلُ غضَباً ويمتلئ غيظاً لدرجة أنه لم يحتمل البقاء، فترك موضعه واختفى فلا أثر له ! أمّا منكر ونكير فبعد إنتهاء كلامي سمعتُهما يتحدثان بصوتٍ خافتٍ لم أفهمه، بعدها توجّه نكير بالكلام لي وقال : 🔹 إنّك سبقت سؤالنا حول الإمامة بحديثك فلا نسألك عنها، ولكن قُلْ لي بأيّ دينٍ جاء نبيكم وأيّ كتابٍ وأيّ قِبلةٍ أوصاكم بالتوجه إليها ؟ كنتُ في الدنيا أحب قراءة القرآن وأءنسُ به، إذ كنت أشعر بأن الله تعالى هو الذي يخاطبني، وكلّما تدبرت في آياته إزددت يقيناً وبدَت لي معجزات عظيمة فيه، وظهرَت لي حقيقة الدين الذي إعتنقتُه وهو الإسلام، ولشدّة حبّي لتلاوة القرآن كنت أحمله معي إلى موقع عملي، فأتلوا ما تيسر منه في وقت فراغي، وبسبب هذه العلاقة بيني وبينه تمكنت من النطق بطمأنينة فقلت : 🔸 نبيّنا الكريم جاء بدين الإسلام وهو أكمل الأديان وخاتمها، وكتابنا القرآن وهو { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } وقِبلتنا الكعبة فهي محور توجه المسلمين إلى الله الذي أمرنا بها بقوله { وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهَُ } كنت سعيداً😀 جداً لتمكني من الإجابة، وانتظرت أن يبادراني بالسؤال مرةً أخرى... قال منكر وقد بدَت عليه ملامح التبسّم😊 الممزوج بالهيبة والوقار: 🔹 إنّ أجوبتك كانت مِصداقاً للآية الكريمة { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةُِ  وهي إنما كانت حصيلة جهودك في البحث عن الحقيقة وتحصيل العقائد الحقّة خلال سنين عمرك الأخيرة، كما أنّ تلقين صديقك "مؤمن" حين نزول بدنك في القبر كان له الأثر في ذلك، إضافةً إلى مساعدة بعض الأعمال والأذكار التي أديّتها في الدنيا.. من قبيل صيام شهر شعبان، وإحياء ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان وصلاة مائة ركعة فيه.. إنتهى كلامه فسألته قائلاً: 🔸 يبدو أن لدَيْكما العِلم والإطلاع بدرجة الإيمان في قلبي وصدقه من كذبه، وما هي العقائد القوية والضعيفة لديّ، إذاً فما وجهُ تساؤلاتِكما هذه ؟ أجابَ قائلاً : 🔹 إنّ أسئلتنا كانت لِغَرض إظهار مستوى عقائدك إليك لتطّلع عليها، حينها سوف لا تعترض على أيّ أثر نرتبه طِبقاً لذلك، وهدف آخر منها هو أنّ هذه الأسئلة والأجوبة تكون سروراً للمؤمن إن أجاب عنها وعذاباً للكافر إذا تعثر فيها، كالطّالب الذي يفرح عندما يجيبُ عن أسئلة معلمه، وبعكسه الكسول الذي يخجل ويحزن لتعثره فيها، وما ذلك إلّا ضربٌ من ضروب الثواب والجزاء. لم يترك الملك مجالاً لسؤال آخر فبادر قائلاً  إنّ روحك سوف تترك بدنك الدنيوي المادي بصورة كاملة، وتستقر في قالب مثالي لطيف يُشابه من حيث الصورة والشكل قالِبك الأول.. قال ذلك واختفى مع صاحبه فجأةً، فإلتفتُ يميناً ويساراً أبحث عنهما ولكن لا أثر لهما قط.. وكما قال الملك وأخبر فقد أحسست بعد إختفائه بتفكك كل القيود التي كانت تربطني ببدني المادي، وكأنّ حِبالاً كانت تجرّني نحوه قد تقطعَت، وقيوداً قد تمزقَت، فأصبحت خفيفاً لطيفاً، ولم أشعر بإلتحاقي بالعالَم المثالي إلّا بعد إستقراري فيه لِخفّته ولَطافته. زالَت همومي وآلامي بنجاتي من أسئلة منكر ونكير إلّا همّ العقرب🦂 وألمه فهو لا يرضى المفارقة ولا يقبل المساومة، لذا عاد أنيني وصراخي منه.. بينما أنا كذلك لاحظت إتساعاً في القبر وإنفتاح باب منه نحو حديقةٍ واسعةٍ كبيرةٍ، حينها قال لي أحد الكائنات النورانية وهو يجرّني نحوه : لنخرج إلى الحديقة التي فُتح باب القبر إليها تحركنا جميعاً وإتجهنا نحو الباب، فخرجنا منه وجلسنا وسط حديقةٍ واسعةٍ، كانت سعتها بِمَد البصر، وجمالها ملفتٌ للنظر، قد وُزِّعت فيها الورود بشكلٍ منسَّق ومنتظم، كما أن ألوانها تتغيَّر بين الحين والآخر لتعطي جمالاً باهراً ورائحةً خلابة.. كانت الكائنات النورانية على شكل ستّ صُوَر بينهُنَّ صورة أحسنَهُنَّ وجهاً وأبهاهُنَّ هيأةً وأطيبهُنَّ ريحاً، قد إستقرَّت فوق رأسي، أما الآخريات فكانت واحدة عن يميني والثانية عن يساري والثالثة بين يدي والرابعة من خلفي والخامسة عند رجلي، فقالت أحسنهُنَّ صورة: من أنتم جزاكم الله خيراً ؟؟

سفر الى عالم البرزخ مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن