الجزء الخامس عشر

62 2 0
                                    

الجزء الخامس عشر…

بينما كنّا نتحدث و إذا بثلاث
وجوه منيرة أقبلت علينا، اقتربَت أكثر فأكثر فتمعنت فيها وإذا بها نفس الكائنات النورانية التي اجتمعت حولي في القبر، إنها الولاية والصلاة والصوم جاءوا ليباركوا لي نجاتي وخلاصي من نار🔥 البرزخ.. اجتمعوا حولي وتذكرتُ إجتماعهم أيام القبر الأولى ووعدهم لي باللقاء مرّةً أخرى.. انقضت الأيام الثلاثة فأخبرني عملي الصالح بأنه إستلم الإذن بمغادرة المكان والإنتقال إلى وادي السلام، حيث هناك مستقرّ المؤمنين، وجنّات عدنٍ التي وَعد الله عباده المتقين ... تهيأنا للسفر وسألتُ عن كيفية الذهاب فقال : هناك دابةٌ سوف تأتينا لنستقر على ظهرها ونرحل . جاءت الدابة وبدأنا الرحيل أنا وعملي، إذ لا رفيق لي غيره، ولا أنيس لي سواه.. سألته في الطريق عن مسائل عدّة منها عن جبل النار فقال: إن جبل النار هو تجسّم لصفة التكبّر عند الانسان ويحوي على أنواعٍ من العذاب هي تجسمات لآثار ذلك التكبر.. كما أن درجة العذاب فيه تختلف من شخصٍ إلى آخر تبعاً لدرجة تكبره ومعاصيه حتى تصل إلى المتكبرين على الله تعالى.. و أما ما كان مقرراً لك فهو من أدنى درجاته! 🔹وماذا عن الوحوش المفترسة الجائعة في الوادي المظلم المعتم بعد جبل النار ؟ إنها حالات الغضب😡 التي كانت تعتريك وتجعلك كالوحش المفترس لمن تغضب عليه، إذ كنت تُنحِّي عقلك🧠 جانباً ويغمرك ظلام الجهل المعتم الذي لا يسمح لك بالنظر👀 إلى من تغضب عليه إلا بمنظار صورة الغضب الضيقة . إستمر بنا الحديث ونحن محلقين على الدابة التي كانت تسير بسرعةٍ لا توصف، أظن أن سرعتها كانت تفوق سرعة الضوء! والعجيب أننا كنا لا نشعر بتلك السرعة وكأننا في طائرة 🛫مغلقة ومكيّفة ! كان يغمرني شوقٌ كبير لرؤية جِنان البرزخ التي كثيراً ما قرأت عنها في الدنيا وشوقي للقاء أحبتي كان أكبر، تذكرتُ والدي🧔🏽 ووالدتي👵🏻 و أهلي وزوجتي🧕🏻.. لا أدري أين مستقرّهم الآن، وهل نجُوا كما نجوت، أم مازالوا ... بينما كنت غارقاً في عالَم الفكر والخيال، وإذا برائحةٍ عطرة عذبة تغمر مشامي👃 وتُخرجني من عالَم فكري، نظرت لِما حولي فرأيت خُضرةً واسعة ليس لها حدود . لم تمضِ دقائق حتى توقفنا عندها واستقرت أقدامنا فوقها.. إستأذنَتْ الدابة للذهاب، وحلّقَت بجناحَيْها الشفافَيْن إلى حيث يشاء الله لها.. قال عملي وقد أشار إلى أحد الجهات : لنترجّل قليلاً إلى تلك الأشجار المثمرة حيث هناك نهر ماءٍ عذبٍ وثمار مختلفة .. ذهبنا وأكلنا من أنواع الفاكهة التي لا عَيْن في الدنيا رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر! كانت من الألوان بما لا تعد ومن الطعم بما لا يوصف، ومن الرائحة بما لا يرغب من يشمها أن يبتعد عنها ويفارقها . قال عملي إن هذا الذي تراه هو مقدمة لجِنان البرزخ وما ينتظرك أكبر وأكبر . 🔹وماذا عن جِنان الخُلد بعد يوم القيامة ؟! 🔸 أمّا نعيم جنان الخلد فلا أستطيع وصفه لك الآن لأنك لن تستطيع أن تتخيل أو تتصور ما أقوله لك! ولكن إعلم أن كل ما تراه من جنة ونعيم وثمار وأشجار وحور وأنهار ولذة في عالم البرزخ، إنّما هي صور وانعكاس لحقيقة النعيم والجنان والحور والأنهار واللذات في عالم الأبد بعد الحشر والحساب . 🔹 وهل تعني أننا نعيش الآن في عالم الظلّ والخيال ؟ 🔸 كلا، ولكن أقصد أن درجة الإحساس بلذات عالم البرزخ لو قارنتها مع عالم الأبد، لكان الفرق بينهما كالفرق بين لذّتك عندما تنظر إلى صورةٍ معلقةٍ على جدار وتحوي منظراً جميلاً فيه جبال وشلالات وورود جذابة، وبين لذّتك عندما تذهب إلى مكان ذلك المنظر وتعيش فيه بروحك وبدنك! ثم أقبل علينا ملك في غاية الجمال فسلّم علينا وقال... 🔹 لقد أتيت لكما بالإذن لدخول وادي السلام، تعالوا معي . سألته مستغرباً : 🔸 وأين هو وادي السلام ؟ 🔹أنتم الآن على مشارفه، تقدموا قليلاً.. تقدمنا خطوة بعد خطوة وقدم بعد قدم فإذا بباب🚪 عظيمة شفافة وقد اصطفّت الملائكة عن يمينها ويسارها وهم ينتظرون قدومنا.. تقدمنا نحوهم، واقتربنا منهم فسمعنا أولهم يقول: (( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً )) تقدمنا أكثر فقال آخرهم : ((ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ)) دخلت أنا وعملي.. بسم الله الرحمن الرحيم.. يا إلهي ماذا أرى ؟؟ أهو حقيقة أم خيال ؟؟ ما هذه الخضرة الواسعة المطعّمة بأجمل الألوان! يا لسعتها وجمالها! وما هذه الأشجار والبساتين الرائعة! وما هذه الأنهار الجارية والأنوار المضيئة! ومن هؤلاء الجالسين مجاميع مجاميع ووجوههم تشع نوراً وبهاءً ؟! يبدو أنهم من جنس البشر ! نعم إنهم سكان جنان البرزخ جالسين مجتمعين.. ليتني أصل إليهم فأسألهم عن أهلي وأحبتي.. سألتُ الملك المرافق لي : 🔸 ماذا نفعل الآن ؟ قال : 🔹علينا ان ننتظر حتى يأتي أمر الله . سمعت إسم الله فأحسست بحب عظيم له وشوق للقائه، ورغبة في رضوانه.. وتذكرت الآية الكريمة: ( وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) فقلت في نفسي ليتني أصل إلى رضوان الله.. وهل صحيح أنه أكبر من كل هذه الجنان والنعيم والصفاء؟! سألتُ الملك، فقال : 🔹 إن رضوان الله ليس بالشي المستقل عن جنان البرزخ حتى تصل إليه، فهو يرافق وجودك ويمنحك السعادة والطمأنينه في تلك الجنان، وتختلف درجته باختلاف منزلة العبد ومقامه.. سُررتُ كثيراً عندما رأيت الدابة التي أتت بنا قد عادت بشكلها الجذاب ونورها المشع وابتسامتها البهية، وعندما وصلت إلينا قالت : ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا قلتُ لها : 🔸 بالله عليك أخبريني من انت؟ قالت : أنا تجسم مساعداتك للناس وقضائك لحوائج المؤمنين في الدنيا، وقد خلقني الله لأقضي حوائجك وأكون وسيلة تنقلاتك في عالم البرزخ . 🔸وكيف استدعيكِ عند الحاجة إليك ؟ إن من خلقني أودع لدي القدرة على الحضور أمامك بمجرد حصول نية استدعائك لي . انطلقت بنا وحلقتْ فوق الجنان وأي جنان ! قلت لعملي : 🔸 إلى أين المقصد هذه المرة ؟ قال : 🔹 إلى مسكنك البرزخي، إلى مثواك ومقرك الذي طالما كان في انتظارك.. إلى ما غرزته في الدنيا ونمى لك في الآخرة .. إلى (( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً )) لحظات لا توصف، ومشاعر لا تقاس بشيء و أنا في طريقي إلى ما وعدني به ربي .. قال عملي : 🔹 لديّ ما يسرّك😅 أكثر، هل أخبرك به ؟ 🔸 نعم وهل هناك من لا يرغب في سماع👂 ما يسره . 🔹 اعلم أن الانسان الذي يدخل السرور في قلوب المؤمنين سوف يخلق الله له من يسره في الآخرة وهذا المخلوق سوف تلاقيه وقد أعد لك الكثير مما تقر به عينك! 🔸وهل تعلم ماذا أعدّ لي ؟ 🔹 إن المستقبل سوف يكشف لك ذلك .....

سفر الى عالم البرزخ مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن