الجزء الثامن..

74 4 0
                                    

الجزء الثامن…….
ماذا تقول في الأذكار التي
كنتُ أداوم عليها وهي ممّا يؤمنني منك ومن وحشتك وضغطتك؟ فأني كنت أقرأ سورة النساء في كل جمعة، وأداوم على قراءة سورة الزخرف و.. قاطعني في كلامي على الرغم من أن لديّ ما أقوله أيضاً إذ قال : إنّ ملائكة ربّي قد سجلوا لك كل ذلك صغيرةً وكبيرةً، و أيّاً منها كان بإخلاص ونية صادقة لله و أيّاً منها كان رياءً، و أيّاً منها كان لقلقة لسان👅.. كما سجلَت لك درجة كل منها، وبناءً على ذلك جاءني الأمر من العلي الأعلى ولولا أعمالك وأذكارك تلك التي كانت خالصة لله لكانت ضغطة القبر وعذابه أشدّ بكثيرٍ وكثير ممّا سوف تلاقيه !! تيَقنت أنه لا جدوى من النقاش معه، فإنه مأمورٌ من الله تعالى لا أكثر، وإنما هي أعمالي وأذكاري أُجازى بها و ألاقيها، وما أصدق الامام علي (عليه السلام) إذ يقول في ديوانه المنسوب إليه :
يا من بدنياه إشتغل قد غرّه طول الأمل
الموت يأتي فجأةً والقبر صندوق العمل إنقطع الصوت فلم يعد له أثرٌ يذكر، وبدأت أسمع بدلاً منه أصواتاً غريبةً مخيفة، يرافقها إحساس بضغوطٍ عظيمةٍ مؤلمةٍ على بدني الذي ما زالت روحي مرتبطة به، وكأنّ القبر قد كبس عليّ من جميع جهاته بمكابس زَيْتية. وفي ذلك الوقت سادَت ظلمةٌ شديدةٌ، فصرختُ وما من مُجيب حتى انقطع نفسي، وبدأت أسمع أصوات تكسّر عظامي وزادت شدّة آلامي بدرجةٍ لا توصف، ولو جمعت كلّ آلامي في الدنيا لمَا عادلت جزءاً يسيراً مما يصيبني الآن... إنتهت ضغطة القبر وكأنها طالت سنيناً وسنيناً، فتركتني مكسّر الأضلاع، مهشّم العظام، لا أستطيع الحركة ولا النهوض، أصرخ صراخ الأطفال من الألم.. ومما زاد الأمر عسراً أنّ وحوشاً سوداء مخيفة دخلت القبر وإستعدت للهجوم على بدني، وراحت تُكشّر بأنيابها
المرعبة، وتنظر اليّ بنظراتها الحاقدة، وتحت أقدامها ظهرت عقاربٌ🦂 سوداء مخيفة، وفي جانب آخر انطوى ثعبانٌ ضخم🐍 الهيئة مخيف المنظر كان يُخرِج لسانه الملتهب مرةً ويُدخِله مرةً أخرى، وكأنه يعطي تحذيراً باللدغ والإفتراس! والذي يزيد المشهد وحشةً أنّ جميعها كانت تصدر أصواتاً مخيفةً للغاية وتخرج من أفواهها شرارات ملتهبة تنذر بإفتراسٍ قريب الوقوع.. حينها سالت دموعي أسفاً وحزناً على حالي وضعفي بين هذه الوحوش المفترسة والحيوانات المهولة، أحسست أنّ الآفاق ضاقت بي وأزمتي بلغت ذروتها. هناك
إنقطع أملي من كل شيء غير الله، فإنطلق لساني مردداً :
يا غياث المستغيثين، يا أنيس المستوحشين، يا أمان الخائفين ( يامفزعي عند كربتي ويا غوثي عند شدّتي إليك فزعت وبك إستغثت وبك لذت لا ألوذ بسواك ولا أطلب الفرج إلّا منك )، ثم أعقبتُ إستغاثتي هذه بالتوسل بأصحاب المنازل العظمى عند الله :
(يا محمد يا علي يا علي يا محمد إكفياني فإنكما كافيان وانصراني فإنكما ناصران )
بدأت الوحوش تتقدم نحوي بهيئتها المخيفة، وراحت العقارب🦂 تقفز هنا وهناك وكأنها سعيدة بفريستها التي إقترب موعدها. يا له من أمرٍ عجيب ! كانت بكل خطوة تقترب فيها تنكشف ظلمة القبر أكثر فأكثر حتى انجلت، وإذا بكائناتٍ لطيفةٍ منيرةٍ ذات صوَر جميلة تدخل القبر، وتقف أمام هذه الوحوش المتقدمة لِتُعلِن الحرب معها، حينها عادت لي أنفاسي وبقيت أنتظر ماذا سيحدث... بدأ الصراع العنيف بين المجموعتين وكم كان شديداً لدرجة امتلأ القبر من غبرته، واختفى الثعبان🐍 على أثره، وبقيت الوحوش والعقارب بين الفر والكر حتى خرجت هاربة، ولحقتها العقارب إلا واحداً قفز نحوي وعلق بقدمي، فلسعها لسعة شديدة
مؤلمة وغرز إبرته فيها ولم يخرجها منها، فصرخت صراخا عظيما من ألمها واستنجدت بالكائنات المنيرة ولكن لا أحد يتجرأ على سحبها وابعادها عني فبقيت هكذا بين اللوعة والألم والصراخ والعويل.. اقترب مني أحدهم وكان أجملهم صورة وأكثرهم نورا وأعذبهم كلاما فراح يمسح على بدني بيده اللطيفة الشفافة ويهون علي ما لقيته من ألم ووحشة، حينها بدأ الألم يغادرني ويزول شيئًا فشيئاً وأحسست بقوة تمكنني من النهوض والحركة حتى زالت جميع آلامي إلا ألم العقرب الذي لم يزل عالقا بقدمي . شكرته كثيراً مع رفقائه وشكوت له ما لقيت فقال: إن كل ما رأيته وسوف تراه هو صور لمجسمات أعمالك السيئة وعقائدك الباطلة المنحرفة، وهي ستكون مؤذية مهلكة لا تتهاون عن جلب الشر إليك حتى تلقيك في قعر جهنم.. وما رأيته من وحوش وعقارب وثعبان إنما كان جزءًا بسيطاً منها، لكن بمقابل هذا ستكون هناك جبهة أعمالك الحسنة وعقائدك الحقة، وهاتان الجبهتان في صراع دائم في عوالم ما بعد الموت، وهكذا كانت في عالم الدنيا، إلا أنك في البرزخ لست قادراً على نصر كفة على أخرى إلا برصيدك من الحسنات والطاعات وأعمال الخير التي ادخرتها لنفسك في دار الدنيا. إنني في عالم الدنيا لم أكن أصدق بدرجة اليقين ما أقرأه في بطون الكتب من تجسد الأعمال في عوالم ما بعد الموت، وكنت اعتبر ذلك غير قابل للتصور، إلا أن ما أشاهده الآن وما ألاقيه أثبت لي صحتها وصدقها فتوجهت اليه قائلا:
هل لك أن تخبرني عن أعمالي السيئة التي تجسمت بهذا الشكل المرعب من الوحوش والعقارب والثعبان؟؟ قال :
إن كل مؤمن لا يقضي حاجة أخيه المؤمن وهو قادر عليها، يسلط الله عليه في قبره ثعبانا🐍 يعرف بالشجاع،  ولانك في فساحة وبعد عن  مثل هذه الموارد لذلك كان ثعبانك ضعيفاً، وقد يظهر لك فيما بعد في المراحل القادمة من مسيرتك في عالم البرزخ، أما العقرب🦂 الذي علق بقدمك ولم يزل يؤذيك فهو دين عليك لم تؤده إلى صاحبه.. قلت متعجبا:
ولكني أديت كل الذي كان عليَّ من أموال الناس، ولم يبق شيء في عنقي . قال :
قبل أحد عشر عاماً اقترضت من صديق لك في الجامعة إسمه أحمد مبلغا قدره 300 دينار، ولم تره مرة أخرى بسبب إنتهاء الدراسة، كما أنك لم تسجله في دفتر ديونك ولم تؤده له حتى الآن . كنت أتلوى من الألم وبين الحين والآخر يغرز العقرب ابرته في قدمي، فأصرخ صرخات عظيمة تقطع حديثي، لذلك وبعد انقطاع قليل عدت إلى الحديث فقلت له : بالله عليك أخبرني كيف السبيل للنجاة من هذا العقرب الخبيث؟
إن العقرب سوف يبقى عالقاً في قدمك حتى يؤدي عنك شخص ما دينك في عالم الدنيا أو يبرئك صديقك منه . أصابني غم عظيم، وغمرني الحزن في نفسي وأخذتني الحسرة على تلك التبعة المؤلمة فليس هناك شخص يعلم بها وينقذني بأدائها، ولا أنا كتبتها في وصيتي...

سفر الى عالم البرزخ مكتملهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن