الفصل الأول

2.9K 93 15
                                    

الحلقة الاولى
وقفت “ياسمينا” واضعه يدها على صدرها تسيطر على شعورها الدائم بالحزن وعدم الارتياح؛ حتى أنفاسها تخذلها وتهرب منها، وتجعلها ترفرف كالعصفور الجريح، اغمضت عيناها وأرادت بناء سور حول ذاتها لتعيش في سعادة؛ لكنها عندما فتحت مقلتيها وجدت نفسها بغرفة صغيرة مظلمة، شديدة الظلام، لا يوجد وميض ترى كف يديها، نهضت بفزع ومشيت ببطء تتحسس المكان لعلها تجد مقبس تضئ الغرفة، وقفت حين يداها لمست بابًا، حاولت فتحه؛ لكنه كان موصدا بأحكام، تراجعت للخلف، تستند على إحدى الجدران وهي تحاول رؤية أي شيء، وعندما فقدت الأمل صرخت منادية على أحد ينجدها، ولم تجد من يسعفها، وحين يأست جلست بوضع القرفصاء تحتضن بيدها قدماها المرتعشة، وإذا فجأه ينفرج الباب ويوصل لعيناها ضوء خافت يزداد كلما تزايد فتح الباب، فتحت مقلتيها على موسعها حين رأت من يقف أمامها… رجلًا مفتول العضلات، ذو جسم رياضي، طويلا وعريض المنكبين، دققت النظر به بصعوبه من شدة النور الذي أصبح منبعث من الخارج، أشار لها بالنهوض، وقفت دون تفكير وسارت نحوه مسلوبه الإرادة، وهو يشار لها أن تتبعه، كانت منصاعة لاوامرة، ظلت تحاول التدقيق في ملامحه فلم تنجح في تحددها، فسألتة بتيه:
– أنت مين؟
نظر خلفه برأسه يطالعها بعينه السوداء كسواد الليل الدامس، وأجابها بأقتضاب بصوته الأجش:
– قدرك.
تبسمت له وسارت تمشي معه في الفضاء الواسع في طريق مليئ بالاشجار والورود، لكن اسفلها كانت الأرض مليئة بأشواگ الورود، فـجرحت قدماها ونزفت منها الدماء وصرخت بشدة من الألم…

استيقظت من نومها على ألم تشعر به في قدمها، لدرجة انها تحسستها لتتأكد بأنه كل ما حدث حلم، جاءت والدتها على صوتها مفزوعة، وسألتها عن سبب تلگ الاه التي صاحت بها، قصت لها ما رأته من حلم وانهت حديثها:
– اتمنيت ابني سور حوليا عشان امنع الحزن والضيق يوصلي.
فسمعت لها بأنصات وقالت لها:
– خير ليكى، ياحبيبتي، حلمگ بيقول ان في خير جيلگ وان الشخص اللي شفتيه ده هيفتحلك طاقة نور كبيرة، بس طريقكوا مش هيكون كله ورد، هتلاقوا صعوبات في حياتكم، والله أعلم.
– صعوبات !!! لو هو اللي بحلم بيه هعدي معاه أي صعوبات.

اخذت أنفاسها وهي تتذكر من سلب عقلها:
– تفتكري يا ماما، ممكن الاقي الفارس اللي بحلم بيه.
– والله تفسير الحلم بيقول كده، وكل شيء نصيب، ونصيبگ هتشوفيه، وأوعي تاني تفكري تبني سور وتهربي لأن السعادة عمرها كمان ما هتوصل، ولازم تفضلي تمشي لحد ما الشوك ينتهي من طريقك.
ابتسمت لوالدتها وهي تكمل:
– يالا قومي ساعديني نحضر الفطار.
– حاضر حاضر قايمه وراكي اهو يا قمر انتى.
نهضت وذهبت معها وما زال فكرها مشغول مما رآته، تحاول أن تتخيل ملامح هذا الشخص لكنها فشلت.
تناولت وجبة الفطار وهي شارده في فارسها الذي سيطر على خلايا عقلها، لاحظ والدها ولم يعلق واكتفى بهز رأسه لزوجته ليفهم ماذا يحدث، لكنها غمزت له وسار الصمت حتى قام والدها لعمله وقامت والدتها ترتب منزلها بمساعدتها، وعندما انتهت من آداء كل شيء دخلت غرفتها، تفكر في مستقبلها، ومرت الساعات دون أن تعي للوقت وهي بمفردها حتى دلج الليل بعتمته التي سادت السماء، فختبأت الطيور وسكنت اعشاشها، معانقه صغارها تبث بداخلهم الدفأ والحنان في تلگ الليلة قارسة البرودة، فقد كانت تجلس “ياسمينا” فوق تختها لا تهاب شدة الطقس من حولها، ولا يفزعها اصوات الرعد، ووميض البرق خارج نافذة غرفتها، معانقة قطرات المطر وتساقطها على هذه النافذة؛ بينما هي سرحت في سبب حزنها الدائم، عندما وقعت محدقة عيناها على شهادات تخرجها، ظلت قطرات دموعها تنساق بغزارة على وجنتيها، فقد مضت سنوات عمرها في العلم، حتى حصلت على أعلى الشهادات العلمية، ولكن مافائدتها وهي مازالت جالسة بدون أن تفرغ طاقتها في عملها المحبب لها، بحثت كثيرًا ولم تجد عمل يليق بقدراتها العلميه، والآن هي مازالت تبحث ولم تيأس.
دلفت والدتها لتطمئن عليها؛ وحين رآتها على هذه الحالة، اقتربت منها وقالت:
– يابنتي سبيها على الله، هتفرج والله وبكره تقولي ماما بشرتني.
رفعت حمرة عيناها وحاولت تجفف عبراتها وقالت:
– أمتى بس يا ماما؟ بقالي كتير بدور ومفيش حد عايز يشغلني عنده.
ربتت عليها بحنان، والابتسامة مرسومه على محياها، لتبعث لها الأمل قائلة:

– ادعي ياقلبي من قلبگ، وابواب السماء مفتوحة لعل ربنا يرزقگ بالشغل اللي بتتمنيه ويقدر كفاءتگ.

نهضت من مجلسها واقتربت نحو نافذتها وانفرجتها على مصرعيها، واسنتشقت بقوة عبير رائحة الأمطار ورفعت يداها وقالت منادية ربها بكل أسماءه الحسنى، ليستجيب لها الرحمن ويلبي دعاءها، عانقتها والدتها من الخلف، وآمنت على دعاءها، ثم اغلقت النافذة، وبقت ابواب ربها مفتوحه لكل داعي.
استلقت على فراشها، ودثرتها والدتها بالغطاء.

فاقت في الصباح الباكر وعزمت بالا تضيع وقتها، وتنزل تبحث من جديد عن عمل في مجال دراستها جهزت كل اوراقها، وقبلت والدتها وطلبت منها تدعي لها أن ييسر الله لها كل ما تتمنى، وذهبت بابتسامتها الجذابه، فهي ليست بالجمال الزائد لكن ملامحه رقيقه تجذب اي احد ينظر عليها جسدها ممشوق القوام متوسطة الطول، كانت مرتدية زيها الرياضي وشعرها يرفرف خلفها بحيوية، سارت مسافه طويلة، حتى تفكر ما عليها فعله أولا، تذهب مشفى أم عيادة خاصه؟ فهي طبيبه علاج طبيعي تعشق الرياضه، خرجت من تفكيرها حين سمعت صوت صراخ شاب يتألم التفتت بجسدها ناظره اتجاه الصوت؛ وجددت شاب صغير وقع على قدميه وزن رياضي ثقيل، كان موضوع بجوار صاله رياضيه، هرولت مسرعه نحوه ومالت عليه تطمئنه بأنه سيكون بخير، وحاولت رفع الوزن لكنها لم تقدر بسبب وزنه الثقيل، وفي هذه الأثناء كان يخرج رجل رياضي ضخم البنيه جسده منتفخ بالعضلات، ذو طول فارع، يطلب من العمال ادخال كل المعدات الرياضية لداخل الصاله، فأنصدم عندما وقعت عينه على الشاب الملقي، مال بجسده سريعًا يساعد “ياسمينا” ، طلبت منه رفع الجهاز فقط ولم يقترب من الشاب، نفذ ما قالت على الفور ورفع الجهاز بكل سهوله، رمقته “ياسمينا” بذهول من حمله للوزن بهذه السهوله وسبحت بخيالها في قوته وحين صرخ الشاب من جديد، وضعت كف يدها وهي تلوح به امام مقلتيها حتى تفيق من شرودها وتنحنحت وهي تبدأ تعمل للشاب بعض الحركات الاسعافات الاوليه لقدمه حتى هدأ من النواح، اخرجت من حقيبتها مرهمًا باسط للعضلات، ودلكت له بخفه، ونهض وقف على قدميه بدون أي ألم، شكرها واستعد للرحيل، ابتسمت وهي تنحني حتى تأخذ اوراقها التي القتها منذ قليل، لكنها انصدمت رأسها برأس “جاسم” الذي مال ايضا يأخذ الأوراق حتى يعطيها لها، وبدل أن تصرخ من شدة الألم، ثبت بؤبؤ مقلتيها داخل عينه السوداء وشردت من جديد في حلمها الذي حلمته ليلة بارحه، هل هو حقيقي وسيصبح فارس أحلامها الذي باتت تحلم به، شعر “جاسم” بالحرج من طول نظرها له، حمل الورق بسرعة ومن توتره وقع مره ثانيه على الأرض لكن هذه المره تبعثرت الأوراق، فاقت من حالة التيه التي اصابتها، وهو يلم الأوراق، وعندما نظر على الأوراق تفاجأ أنها تعمل دكتوره علاج طبيعي، ابتسم للقدر فهو كان يبحث عن أحد بنفس التخصص يعمل معه في الصاله الرياضيه لأنقاذ أي موقف طارئ، وقبل أن يبدأ معها في الكلام اخذت منه الأورق وركضت من كثرة الإحراج التي ورطت نفسها به، نادى عليها كثيرا، لكنها قررت الهروب بدون تفكير، وقفت وهي تعبر الطريق على صوت آلات تنبيه عربه مسرعه ومن الصدمه تسمرت مكانها

يتبع….

تزوجت أخي ولكنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن