الفصل السادس عشر
كم كانت صعبه تلك اللحظات التي وقف فيها في ذلك الممر الطويل يري هذا الرجل الواقف هناك في قلق وحوله مجموعه من الناس .... يسأل نفسه بكل صراحه ... هل له مكان في هذه الوقفه العائليه ...؟؟... أم أنه يقف هنا بلا
فائده .... يحاول بقدر الامكان تذكر ملامحها الآن ... فهو يعرف أدق
تفاصيلها بسبب الشخص الذي جعله ينقل كل أخبارها له دون تواجده هو
في الصوره ...
ما الذي أتي به في هذا المكان ...؟؟... هل هو اشتياق لها ...أم هو غضب
مدفون منذ زمن ..ويتمني أن يواجهها به ...؟؟.... ولكن يبدو أن حالتها
الصحيه لا تسمح ... كل نبضه فيه الآن تريد أن تنفجر في المكان ولكن
هل سيهتم أحد ...؟؟..
ترددت خطواته هل يدخل عليها ويري كيف أصبحت الآن ...؟؟...
أم يترك المكان بأكمله ويرحل ....
لكم جُرح من الداخل عند معرفته بطلبها لرؤيته ...؟؟...
ألم تتذكره من قبل قط في يوم ما قبل هذا اليوم !!... أم أنه الضمير الذي
استيقظ في آخر الأيام ....
لم يشعر بقدميه وهي تخرج من المكان غاضبه حانقه .... عيناه تبرق بقهر
محموم ...
دخل سيارته وصفع بابها بقوه ... قبضته تشتد علي المقود تكاد تحطمه
ويده الأخري تكاد تقتلع خصلات شعره الاسود وهو يهمس من بين أسنانه
"تبا .... تبا لكل شيء ...!!"
سياره قادمه في اتجاهه تفاداها بسرعه وهي يميل ناحية اليمين ... لا يستطيع
السيطره علي نفسه في ذلك الوقت ... نار ... نار مشتعله داخل صدره
من احساسه الآن .... كيف راوده احساسه بالدخول والاطمئنان عليها ...؟؟..
أليست هي من تركته وهو صغير ولم يرها ولا مره ..!!..أم أن القلب خائن
دوما هكذا ...
أخذ يدور بسيارته بين الطرقات لا يعلم أين يستقر ...؟؟..أين يذهب وهو
الآن علي وشك الفتك بأحدهم ....
لا يعلم لما عقله الخائن أيضا أتي في تلك اللحظه بذات الشعر الأسود الغجري
هل يا تري مازالت غاضبه منه ..؟؟..أم أن قلبها رقيق وسيسامحه ...!
في الأمس كانت تذوب بين يديه وشعر بما لم يشعر به طوال سنوات
عمره مع أي امرأه أخري .... وأتي ذلك الهاتف اللعين برسالته التي
يعلمها هو جيدا .... وابتعد فجأه وشعر أنه كان بدائي معها ....
لماذا معها يخرج أسوأ ما به .... رقيقه هي... تجعله يفقد آدميته ....
تنهد وهو يتذكر كيف هربت من بين يديه أمس .... كان يريد أن يعتذر
ولكنها هربت ...!!... وهو كان في حالة بعيده تماما عن التفكير في أي
شيء ... بعدما أخبره الرجل الذي يعمل لديه أن والدته مرضت ونقلت
الي المشفي وحالتها حرجه ....!!
وصل يحيى الي الجامعه يريد أن ينهي بعض الأوراق قبل طلب الأجازه
الذي يريده .... يريد أن يريح والده قليلا ... فقد عاني كثيرا من أجله
طوال تلك السنوات ..فكان الأب والأم في نفس الوقت ....
.................................................. ..............................اليوم أوشك علي نهايته وهن جالسات في منزل شمس يسترحن قليلا ...
بعد يوم شاق عليهن .... أصرت ساره أن يتجولن في جميع الأسواق
ويشتروا كل الأشياء التي تحتاجها شمس علي الرغم من رؤيتها للأشياء
التي أتي بها مراد ... الا إنها أصرت وهي تقول ...
" يجب أن يكون لك أشيائك الخاصه شمس ...حتي تكوني أكثر راحه.."
لم تتركها تدفع أي شيء ... فجميعهن اشتركن في ثمنها وأخبروها أنها
هدية زواجها ....
اغرورقت عينا شمس وقتها بالدموع وهي تهمس بحرج
"شكرا يا أجمل أخوات في العالم ....."
واحتضنتهم علي الرغم من طبيعتها المنغلقه الا إنها في تلك اللحظه
احتاجت ذلك الحضن وبقوه ...
ابتسامة رقيه عادت لها وهي بينهم الآن ... فقد كانت شاحبه في الصباح
كشحوب الأموات .... حتي أن الجميع لاحظ ولكنها لم ترد ازعاج شمس
في ذلك اليوم ...فاكتفت بعذر وهمي بتعب عضوي حتي تخرج من تلك
التساؤلات ..... هي حقا تريد الكلام ..قد يريحها قليلا ولكن ليس الآن بالتأكيد
ولكن ماذا تقول .... أنها مجرد دخيله علي حياة يحيى ...أنها لا شيء بالنسبه
له ... أنها مجرد حاله انسانيه ليس لها أي أهميه ....أن مشاعرها التي بدأت
تخنقها الآن قد يقتلها يوما بغروره وغموضه ....
علي ذكر أفكارها رن هاتفها النقال فأجابت لأنها لا تعلم من المتصل
" نعم ...."
صوتها كان رقيقا دافئا أكثر من اللازم ..هل هي دوما تجيب بتلك الطريقه !
أفكار يحيى تشتعل بينما يحبس انفاسه ويتكلم بجديه
" أين أنت رقيه ..."
ارتعشت رقيه فور سماعها للصوت وابتعدت بخطوات عن صديقاتها كي
تجيب وهي تهمس بداخلها
" يبدو أنني الزوجه الوحيده التي لا تعلم رقم زوجها ..."
أجابته بصوتها الهادئ الناعم
"أنا عند شمس ....يحيى ...."
أكمل يحيى بحزم وهو يشد علي مقود السياره أكثر
"أخبريني العنوان ..سآتي لأصطحبك ..."
صوت أنفاسها الناعمه المضطربه وكأنها تتهرب من رؤيته جعله أكثر اصرارا
ولكنها أجابت بخفوت
"لا شكرا ... أستطيع الاعتناء بنفسي ..."
تميز يحيى غيظا من تمردها الذي بدأ يظهر وخرج صوته خافت خطير
" أعطني العنوان رقيه ..."
تنهدت رقيه وهي تنظر ناحية صديقاتها وهن منغمسات في الحديث
وأردفت
" حسنا العنوان هو xxxxxxxx"
وأغلقت الهاتف وهي تهمس لنفسها
" كوني قويه رقيه ... ماذا سيفعل ..؟؟؟.. هو صحيح ضخم البنيه
وأنت بجانبه كالعصفور ولكنه لن يفعل شيء .!!..."
.................................................. ...................................
لم يمض وقت طويل الا ووصل يحيى للحي البسيط الذي تقطنه شمس وكان يقف
تماما تحت البيت واتصل برقيه حتي تنزل اليه ....
نزلت اليه بخطوات واثقه لم تعتدها هي حتي علي نفسها ... تحاول الصمود ...
ما حدث أمس يشعرها باحتقار ذاتها ... يشعرها بأنها لم تكن مثل نسائه اللاتي
عرفهن من قبل ... هي تعلم أنها ليست بذلك القدر من الجمال الذي يجعله
يحبها .... فهو بالطبع يريد زوجه فائقة الجمال وذات نسب عالي حتي تليق به ...
يريدها من عائله مرموقه حتي يفتخر بها أمام الناس ...وهي ليست كذلك ..!
وصلت اليه ووقفت أمامه تماما ولم تكن تعلم أن يحيى في تلك اللحظه كان
يتشرب ملامحها بشوق ... فاليوم بكامله أمضته برفقة صديقاتها حتي حل
المساء ..... هل سامحته ...؟؟...أم أن ذلك العقل العصفوري مازال متحجر
واجهته بوجهها الرقيق وهي تتكلم بصوت خافت
" مساء الخير ..."
ابتسم يحيى ابتسامه جانبيه وهو يميل قليلا ناحيتها
" مساء النور صغيرتي ..."
لم تظهر أي رد فعل وهي تتجاوزه وتفتح بابها وتستقر في مكانها في السياره
هز كتفيه وهو يتوجه ليقود السياره .....
كان هو أول من قطع الصمت بسؤاله المتملك
" لماذا تأخرتي كل هذا الوقت ...."
أجابته وهي تنظر من نافذة السياره علي الشوراع ليلا ..كم تكون جميله ..بلا غبار
ولا هموم ...كم واحد منا يتمني أن يكون بدل تلك النجمه التي تتلألأ في السماء
كم منا..!!
"لم أتأخر ..مازال الليل في بدايته ..."
قالت جملتها وهي ساهمه في الطريق وتلك الأنوار التي تزينه الا أنها أجفلت
علي صوت السياره المتوقفه فجأه... فارتطم رأسها وأصدرت أهه ناعمه من بين شفتيها....
نظرت اليه بوجل فوجدت صدره يعلو ويهبط وهو يحاول ضبط نفسه
ماذا قالت هي كي يكون هكذا ..... ؟؟؟
سمعت صوته صارم وهو يتكلم
" لماذا تتكلمي بتلك الطريقه ..؟؟.."
قطبت جبينها وهي تفرك أصابعها بتوتر ولكنها تحلت بشجاعه مصطنعه
وهي تجيبه
" أي طريقه!! ..."
تنهد يحيى وهو يواجهها بعينيه قاتمة السواد ويتكلم بصوت هادئ قليلا
أنت تقرأ
رواية نوح القلوب لكاتبة هدير منصور
Romanceعندما تكون الحياة كلمه مكونه من حروف ولا تعلم هل هذه الحروف تعنيك في شيء أم أنك مجرد دخيل عليها ......عندما نصمت وكأن الحديث لا يعنينا .......عندما نتكلم لعل الحروف تشفينا....عندما .....وعندما ....عندما تصمت دقات القلب بلا مقدمات .....وتسأل نفسك هل...