كانت فاطمه تعد الافطار بسعاده ،تعجن هي "الفلافل"التي تحبها منه. ويقطع حسن السلطه. ثم اشارت اليه بأن يستعد لايصال منه من الميناء البري. فقد اقترب موعد مجيئها .
ذهب حسن الذي كان جاهزا ليأخذ ابنته،كان قد استيقظ باكرا .احضر الخضروات والرغيف . وارتدى قميصه وبنطاله استعداد لاقلال ابنته، وساعد فاطمه زوجته _كما يفعل دائما _في اعداد الافطار.
وقفت فاطمه في غرفه منه ،تنظر اليها تستعيد ذكرياتها ، هناك لعبتا سويا ،كل يوم انتظرت منه لتعود من المدرسه.وتحدثها بلغتهما الصامته عن يومها.كل يوم تسرح شعرها.وتنام قربها. يطبخان سويا. يتمشيان ايام الجمعه في شوارع القريه حتى يصلا الى قرب النيل.المار بتلك القريه يتأملانه كل مره بنفس الدهشه الاولى. ازرق ممتد،يحمل اسرار المسافرين.
كانت فاطمه تشكر الله كل يوم على منحه فتاه تؤنس وحدتها.
ليله رحيلها بكت فاطمه طوال الليل،لم تنم مع ان منه كانت نائمه بقربها. كانت تفكر كيف ستكون ايامها من غير ابتسامه منه. ومع إن منه تأتي للزياره كلما سنحت لها الفرصه، الا أن فاطمه،تشعر بنفس الغصه في كل مرة تودعها فيها.كانت الساعه العاشره مساء حين كانت منه تتصل بدكتور سعيد الذي لم يرد. جلست على الارض تنظر حولها.اخذت كوب كان على الطاولة ورمته . ايقظ صوت تهشمه امل .نظرت لمنه التي كانت تضع يديها في وجهها وتقف بطريقه مريبه.
اقتربت امل من منه تسالها هل هي بخير لكن منه صمتت ،فعاودت امل السؤال.فطلبت منها منه ان تتركها وحدها.
امسكت منه بكوب آخر لكن يدي امل امسكت بها ومنعتها من كسر الكوب. اجلستها منه واعطتها بعض الماء ثم قالت لها بنبره هادئه :"مالك ،الحصل شنو؟ ابوك قال ليك حاجة بخصوص السفر؟"
قالت لها منه :"حا احكي ليك اي شي ،ساعدني بس اجهز حاجاتي ، لازم امشي الميناء الساعه سته.
ودعت منه امل في الساعه السادسه صباحا ذهبت معها الى محطة الباصات تعانقا بسرعه ،اوصتها امل بأن تعتني بنفسها قالت لها منه :"ما تخلي الامتحانات تنسيك صحبتك" ردت عليها امل :"عشان ساكنه معاي تقولي صحبتك يلا يلا امشي " ضحكا وتعانقا مره اخرى ،اتصلت بها الاء حزينه لأنها لم تستطع القدوم. :"ماتنشي تشوفي شيخ لحالتك دي "قالت الاء قبل ان تغلق منه الخط قبل ان تكمل حديثها.
ركبت منه الباص،وتحرك الباص،وتحركت الكثير من الذكريات في عقلها. كانت تدندن اغانيها المفضلة
من الظروف ما تشيلي هم
بكره الزمن ليك بيتسم
يا الطالة فى صبح العشم
إتصبري ما تشيلي هم
ما تشيلي همك في الدموع
بحر الحزن ما ليهو قيف
راجنك الفرح الجميلحين وصلت منه الى الميناء كان والدها بانتظارها،اخذها في حضنه وركبا سويا موصلات اخرى الى القريه،تمشيا على الطريق الرملي كانت القريه،كما هي اربعه وعشرون عاما لم تتغير الا اشياء صغيره غير ملاحظه.يمكن لشخص يحب التفاصيل مثل منه ان يراها.
بيوت الطين الصامده رغم كل شئ،اطفال صغار يلعبون على النيل،الهدوء المبهج للقريه،الوجوه المألوفه.
عانقت منه والدتها عناقا طويلا،كان ترجمه لكلمات كثيره،كل مره تبكي فاطمه على كتف ابنتها ،وتقول لها منه :"انا جمبك يا امي".رجعت امل الى الشقه،كانت وحدها تفكر مالذي حدث لمنه ليله امس،قررت ان تتصل بالاء لتفكر معها.
كانت امل تكره جمالها وصوتها الناعم كانت تظن ان الناس وخاصه الرجال لن ينظرو لها الا بنظره استخفاف كانت تصدق بمعتقد ان الجميلات غبيات رغم انه كانت تظهر عكس ذلك لكن في اعماقها خافت ان ينظر الناس اليها على انها غبيه وحاولت بطرق كثيره ان تبدو بمظهر الفتاه المجتهده فلم تكن تكترث لمستحضرات التجميل ،ولا تصفيفات الشعر وكانت تلبس بنطاله الواسع وقميصا رسميا معظم الوقت.
كثير من النساء حاولن اخفاء شخصياتهن بهذه الطريقة وبهذا المفهوم الخاطئ للانوثه. ذلك المفهوم الذي ذرعه المجتمع الذكوري على شكل اخص وجعل للمرأه شكل معين تبدو فيه.
فصرن يكرهن جوانب عديده من كونهن اناثا ويحكمن علي بعضهن البعض بالسطحيه ، او بقله العقل. اذا اشتغلت احداهن بهذه الامور.
وهكذا عاشت امل تحاول ان تجعل المجتمع يتقبلها ،مع انها لم تتقبل هي نفسها .
كانت عبقريه في الفيزياء واحبت فيزياء الكم بشكل كبير، لانها وبشكل ما ظنت انه اعظم دليل على وجود اله.
لم تكن تقبل المصادفات ، ولا الخرافات ،وكان هذا تناقض من نوع مميز فهي لم تصدق بالماورائيات لكنها احبت فيزياء الكم التي تاخذ في كثير من الأحيان طابع الحيره و عدم وجود تفسيرات منطقيه مثل نظريه هايزينبرج للشك التي شرحتها لمنه وكانت هذه النظرية مُقلقة للعلماء في وقتها لدرجة أن مثل أينشتاين قد رفضها قائلا "إن عقلي لا يستطيع أن يتصور أن الله يلعب النرد بهذا الكون" . ولكنها احبتها وتبحرت في ذلك العلم بشغف. ولكن شيئا ما بداخلها اعجب بالاء ،ارادات ان تكون مثلها،عقلها رفض الفكرة ولكن نفسها احبتها.دخلت الاء على امل، حكت لها امل ماحدث،وقالت لها:"لازم نقابل دكتور سعيد".
بعد تناول الافطار مع والديها،شعرت ببعض التعب ،اشارت اليها امها ان تنام،دخلت غرفتها
ولكن الافكار تعبث برأسها لم تستطع النوم،رأت امها في الصاله مع بعض النسوة ،تسللت من السرير بخفه،خرجت الى الخارج،تستنشق هواء القريه .
سمعت صوت والدها في الخارج
:"ايوه بنتي موافقه،وجات عديل للخطوبه،تعالو في الاسبوع دا" صرخت منه في والدها :"خطوبه شنو يا ابوي" اغلق والدها الخط بسرعه. ثم قال لها :"في ضيوف خشي جوا ،بحكي ليك بعدين" "وريني اول الحاصل شنو ،مالي ومال الضيوف"
دخل ابوها الى صاله الرجال وقال لها:"انتي كبرتي واتعلمتي ودخلتي جامعه،بعد دا خلاص تشوفي العرس" ردت عليه منه:"الكلام دا مش مفروض احددو انا ومع الزول الأنا بختارو" قال لها ابوها" انا عارف اخلاق الزول دا وزاتو لازم يكون من اهل البلد عشان انتي ح تقعدي معانا" كانت منه تنظر له بعينين غير مصدقتين ،لم تستطع النطق ،اكمل والدها:" انا يا بتي من مشيتي،وشغلي ما ماشي كويس،عشان كدا ماح اغلط تاني واخليك تبعدي مني"
