الفصل الثاني عشر

449 48 23
                                    

( الوقت الحالي . . )

طُرق الباب وفُتح على الفور فارتبكت شيلان الممددة على السرير ثم أصلحت حجابها بسرعة ونظرت نحو الداخل بانزعاج. لم يكن قد فطن لذلك، بل بدت السعادة تلوح على وجهه، فهو لم يصدق أن شيلان نفسها أمامه. ورغم معرفته التامة أن ما يفعله يعتبر حماقة وصبيانية، لكن من يملك السيطرة على أمر قلبه!. "كيف حالك دكتورة شيلان؟". سأل الرجل باسما. "بخير". أجابت باقتضاب، فهي منذ سنوات لا تطيق رؤيته. نظر الدكتور لخالتها وهو يسأل: "مرحبا، كيف الحال؟ هل أنتِ والدة الدكتورة شيلان؟". "لا، أنا خالتها، يبدو أنك تعرف شيلان!". أجابت خالتها بلطف. ابتسم الدكتور كأن هذا السؤال كان مصدر سعادته، فرد من فوره: "بالطبع نعرف بعضنا، فنحن زملاء دراسة". "لا أذكر أننا كنا زملاء". قالت شيلان مغتاظة. ابتسم لها الرجل بخفوت وقال: "لقد درسنا في نفس الصفوف لعدة سنوات، أي زملاء، مع أننا لم نكن نتحدث معاً. دراستنا في الصفوف نفسها تجعلنا زملاء دراسة، أليس كذلك يا دكتورة شيلان؟". "حسنا، كما تشاء". ابتسم دكتور جهاد ثم فتح الملف الذي يحمله ليُصدم من نتيجة التحليل وعما يكون، لكنه ابتلع صدمته وقال وهو يقدم لها نتيجة التحاليل: "لقد طلبت من الطبيبة متابعة حالتك". أخذت شيلان الملف من بين يديه ورأت ما كانت تخشاه فأغمضت عينيها حين علمت أن شكها في مكانه. بدأت دموعها تتهاطل دون شعور منها، فاقتربت منها خالتها وضمتها. "ما الذي حدث يا ابنتي؟". سألتها قلقة. "لقد صدق حدسكِ يا خالتي". قالت وهي تنظر نحوها بعينين دامعتين. تنهدت خالتها ثم قالت: "ربما كتبت لكما فرصة أخرى". "دعينا نغادر قبل أن يحل الظلام". قالت وهي تجفف دموعها. فهم جهاد بعض الكلمات التي قيلت فحاول جمع أفكاره ليعلم ماذا يحدث. وحين أراد أن يتأكد قال فجأة: "الدكتور شاهين، أنا لا أراه!". رمقته شيلان للحظة ثم أشاحت بوجهها قائلة وهي تحمل حقيبتها لتخرج: "شكرا دكتور جهاد". "هذا واجبي". قال مبتسما وقد ابتلع فظاظتها. خرجتا من هناك وهي تشعر بالتيه والهوان، لكن ما إن أصبحتا خارج المبنى حتى خاب أملهما. فقد كانت السماء تمطر بغزارة ومن المستحيل إيجاد سيارة أجرة في وقت كهذا. شعرت شيلان بالسوء وهي تقف هناك في مثل هذا الوضع. لكن ما هي إلا لحظات حتى توقفت أمامهما سيارة فارهة. "دكتورة شيلان دعيني أوصلكما في طريقي". قال جهاد وقد أنزل نصف النافذة ليروه. أرادت أن تعتذر منه وتشكره لكن خالتها قد سبقتها بالسير نحو السيارة وهي تجرها خلفها ليصعدن في المقعد الخلفي. كانت خالتها من سكان المنطقة وتعرف أن إيجاد سيارة أجرة في جو مثل هذا كان مستحيلا، فالمدينة صغيرة وأهلها ليسوا مترفين، ويجب أن يتدبرن أمرهن بالمتاح. "لم نرد أن نتعبك يا بنيّ، لكن كما تعلم أن إيجاد سيارة أجرة في وقت مثل هذا صعب جدا". قالت خالتها بلطف. "لا تهتمي يا خالتي فأنا في الخدمة دائما". قال مبتسما كي يكسر الحاجز بينهم. ثم نظر نحو شيلان ورآها تجفف دموعها بصمت وهي تنظر عبر زجاج النافذة وكأنها في عالم آخر. كم شعر بالإحباط كلما نظر إليها، فبينما هو يفكر بها فقط لم تكن تبالي به. ورغم أنه حاول أن ينساها مذ زمن طويل إلا أنها تظهر أمامه صدفة فتعيده لجنونه. لقد كانت الشيء الوحيد الذي ما عالق في ذهنه منذ تسعة أعوام. "إلى اللقاء دكتورة شيلان". قال وقد أوصلهما إلى المنزل دون أن يُحظى بالحديث معها كما كان يرجو. نظرت نحوه عبر المرآة عابسة الوجه ثم قالت بابتسامة اصطنعتها تأدبا: "إلى اللقاء". ونزلت تسبق خالتها تاركة لها توديع جهاد. ذهب بعد ذلك في طريقه وقد تأكد أن لا أمل في اجتماعها البتة. عندما وصلتا للشقة قالت شيلان بتوسل: "أرجوكِ يا خالتي لا تبلغي أحدهم بشيء". "لكن يا ابنتي لا يجوز أن تخفي أمراً كهذا عن الجميع!". "أرجوكِ يا خالتي، ما يمر به والديّ والجميع أمر كبير، ولا ينقصهم ما يقلقهم أكثر". "لكن يا شيلان قد تغضب والدتكِ". "اتركِي أمر أمي علي". "كما تشائين يا ابنتي".

أبناء النار و الجبال ( مكتملة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن