الفصل الثاني

542 45 42
                                    


استيقظت ريوانا على صراخ وجلبة عالية تصدر من خارج غرفتها فنهضت كي تستطلع على الأمر، لكن ما إن وصلت الباب حتى لاحظت أن هناك من يحاول فتحه. وخلفه سمعت صوت والدة عدي تصرخ في وجه أحدهم: "أيوب تراجع فورا". "اسمعي يا زوجة عمي، ثأرنا سنأخذه بطريقتنا أما كوران وبرزان فحسابهما فيما بعد، فنحن لن نسمح بهذه المهزلة ومن المؤكد أن عمي كمال سيتفهم الأمر". ثم لم تلبث ريوانا أن رأت الباب أمامها يتحطم وقد تجاهل الرجال الثلاثة كل الصراخ والتوسل الذي كانت والدة عدي تهم بإقناعهم به.

"اسمعوا ثلاثتكم، لن أسمح لأحد منكم أن يلمس ابنة مصطفى أو ابنة صدقي، لهذا غادروا ثلاثتكم حالا". قالت ذلك كمحاولة بائسة منها. قال أحدهم متجاهلا غير منصت لكلام زوجة عمه: "هيا يا أيوب، أسرع وأحضر ابنة اللواء". اقتحم ثلاثة شبان ضخام البنية بأيدهم بنادق مصوبة نحوها، وكانوا يرتدون الثياب الشمالية التقليدية. لم يكن يبدو عليهم إلا الإصرار وعدم العطف. أخذت ريوانا تتراجع لتوهمهم أنها خائفة منهم، لتصرخ بهم أثناء ذلك زوجة عمهم كمال: "عمكم وكوران وبرزان جميعهم في طريقهم إلى هنا، ماذا ستقولون لهم حينها؟!". "سنقول إننا أنهينا عملكم الذي لم تنهوه، فقتلنا ابنتيّ مصطفى وصدقي وأخذنا بثأرنا". قال أحد الثلاثة. "لا يمكن حدوث هذا". قالت زوجة عمهم. وهناك في جانب الغرفة تردد صدى والدة أحد الرجال وهي تلتفت إلى زوجة كمال: "بدل أن تنصحي أبناءك بأخذ ثأرهم تطلبين منا أن نمتنع عن أخذ ثأرنا وثأركِ، هل نسيتِ أخاك الذي قتله مصطفى وصدقي؟". لتقول زوجة كمال بحزن وغضب وهي ترى أن الأمر أصبح وشيكا، ففكرت أن تختلق أي سبب يمنع تنفيذ ما في رؤوسهم: "لم أنس شيئا يا خديجة لكن زوجة كوران حامل وزوجة برزان والدة حفيدتيّ، فهل تريدونني أن أسلمهن لكم لقتلهن؟! بالطبع لن يحدث ذلك، فقتلكم لهن لن يعيد إليّ أخي، بل سيحرمني من أحفادي". "ربما قتلهن لن يعيد من رحلوا على يد مصطفى وصدقي لكن النار التي تشتعل في صدورنا ستهدأ. لقد ترملت بسببهم وفقدت أبي وثلاثة من إخوتي، وفقدت أختي ميديا يا فيروز، وهل أنسى أبناء إخوتي أم أنسى ابن ميديا الذي توفي في حضن والدته دون أن يذوق طعم الحياة؟ هل تريدن مني أن أنسى كل هذا لأجل سواد عيني هذه الحقيرة ووالدها؟". لم تجد ريوانا بدا من أن تخاطر بنفسها مخاطرة أخيرها علها تصح. حدثت نفسها أنها بحُكم الميتة وبأنها إذا استطاعت أن تأخذ من الرجل سلاحه فلديها فرصة في الهرب. تجرأت في لحظة سريعة أن تجعل الرجل بينها وبين الآخرين كي تحتمي به، ثم في ثانية كانت قد ضربت قبضتيه. أخذت البندقية وأصابت الرجلين الآخرين فسقطت أسلحتهما، ثم ضربت من بجانبها بقاعدة البندقية فسقط. حدث ذلك في حيز زمني لم تصدقه ريوانا ولا النساء اللاتي بدأن في الصراخ والعويل. الذي تعلمه هو أن المشيئة الإلهية كانت لها يد في كل هذا. استغلت تلك اللحظات القليلة التي يتلوى فيها الرجال من شدة الألم فجمعت ما في أسلحتهم من ذخيرة ثم انطلقت إلى الخارج بعد أن هرعت النسوة إلى الجرحى يصيحون. ولم تكد تصل إلى الخارج حتى تفاجأت بغيداء تسير نحوها وهي تحمل طفلتيها وقد أخذ منهما الخوف مآخذه، ومن ورائهن رجل يصرخ بها وهو يسرع الخطى نحوها. أطلقت ريوانا نحوه رصاصة فسقط من فوره. فأطلقت غيداء وابنتيها صرخات فزع وهن يركضن نحو ريوانا. "هل أنتِ بخير؟". سألتها. أجابت غيداء باكية: "لا لستُ بخير يا ريوانا، لستُ بخير، دعينا نهرب من هنا أرجوكِ". ابتسمت لوجود مناصر لها فقالت من فورها وهي تسندها: " لنغادر من هنا يا عزيزتي". ثم أخذت غنوة من بين يديها وحملتها وباليد الأخرى استطاعت أن تُثبت قبضتها على البندقية. لم يكن الجميع يصدقون ما يحدث أمامهم. لقد كانت هناك تغامر بحياة الكل وتطلق رصاصة على كل من يقترب منها. لم يظهر أنها تخشى أي شيء فكان الجميع حذرا. خرجت شيلان التي كانت تشاهد جل ما حدث من النافذة، لكنها لم تعرف السبب وراء كل هذه الفوضى. خرجت مسرعة متجهة نحوهما لتستفهم منهما. " ما الذي يجري؟". قالت وهي تلهث. استدارت ريوانا نحوها ثم تبادلتا النظرات للحظة، ثم أمرتها بنبرة تحذير: "ابتعدي عن طريقنا يا شيلان". "إلى أين ستذهبن؟". "إلى الجنوب". "أريد أن أذهب معكن". "ماذا؟". قالت ريوانا وعلى وجهها سيماء الاستغراب. "أريد أن أغادر معكن إلى الجنوب". صوبت ريوانا البندقية نحوها قائلة: "بل تريدين الإيقاع بنا". "ريوانا أرجوك أبعدي هذا عني". قالت وهي تضع يديها أمام البندقية كأنها تحمي نفسها. لتقول غيداء متدخلة: "بالطبع سنأخذكِ يا شيلان ". "لكن إن اكتشفت خداع إحداكن لي سأقتلها فورا، ليكن ذلك في علمكن". قالت ريوانا وهي تشير إليهن بفوهة البندقية. ثم التفتت إلى شيلان وأمرتها: "أحضري تلك البندقية فقد نحتاجها". ثم أشارت نحو سلاح كان قد سقط من الرجل حين صوبت نحوه واختبأ. "إنها ثقيلة يا ريوانا". قالت شيلان وهي تحمل سلاحا لأول مرة في حياتها. "حقا!". سألت ريوانا بسخرية. ثم أضافت : "هذا لأنها بندقية وليست مشرط جراحة يا عزيزتي، بالطبع ستكون ثقيلة، المهم أن تمسكي بها جيدا، من الأفضل أن نسرع في المغادرة قبل عودة الآخرين". "ريوانا أنا خائفة من كل هذا". قالت شيلان وهن يتجهن نحو السيارة. "لا يوجد ما يخيف، هيا بنا". وهن يقتربن من السيارة سمعن صوت زوجة كمال من الخلف: "أرجوكِ يا غيداء اتركِي الطفلتين فلا ذنب لهن في كل هذا الجنون، انظري إلى حالهن يا ابنتي". "لا يمكنني أن أترك ابنتيّ وأرحل، هل جننت؟". صرخت في وجهها. "شيلان". صاحت رقية التي خرجت لتوها ورأتها تسير هناك وقد حملت في يدها سلاحا. رمقت شيلان والدتها التي تقف خلف الجميع تراقب ما يحدث، ثم اندفعت نحوها وأمسكتها وعلى وجهها عبرة وفزع: "أين ستذهبين؟". "سأعود إلى حياتي التي اخترتها أما هذه فأنا لم أخترها". قالت شيلان وهي تمعن النظر في والدتها. التي صاحت: "شيلان هل جننتِ لتعودي إلى هنالك بعد أن عرفت كل شيء؟". "لم يستشرني أحد في كل ذلك يا أمي، ومع ذلك تتوقعون مني أن أتقبل الأمر هكذا ببساطة دون اعتراض؟". همت شيلان في المغادرة فأمسكت بها والدتها تستجديها: "شيلان يا ابنتي لا تلوي ذراع والدك وزوجك". "شيلان قرري سريعا ما تريدين". صرخت ريوانا وكأنها لا تترك لها مساحة للتفكير. تفاجأ الجميع بشيلان تتجه نحو ريوانا ثم حملت عنها غنوة ودفعت إليها بالبندقية ثم غادرن المكان نحو سيارة الرجال المصابين التي تركوها تعمل فوضعت ريوانا البندقية بجوارها ثم جلست خلف المقود، بينما جلست غيداء وبناتها في المقعد الخلفي فما كان من شيلان سوى الصعود بجوارها لتسألهن ريوانا وقد ارتسمت ابتسامة على شفتيها:"هل أنتن مستعدات؟". لم تنتظر اجابتهن فقد قادت و خرجن من البوابة، أشعت وجوههم سعادة. لقد ذقن طعم الحرية حينها وبدا أن المنزل كان سجنا وُضعن فيه منذ مئات السنين. انطلقت ريوانا بأعلى سرعة هربا من حياتها. كانت تتمنى أن تصل الجنوب دون أن تعترضها أي عراقيل. كم تمنت أن تنام ولا تستفيق إلا في حضن والدها. لكن تلك الأفكار السعيدة لم تدم، فلن تكد تقطع مسافة قصيرة حتى تراءى لها من بعيد خيال سيارتي حراسة تلحقان بهن. امحت الابتسامة من على وجهها وبدأت تخطط لما ستفعل.

أبناء النار و الجبال ( مكتملة ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن